علي يد سيدة اللاوندية تعلمت أصول الغناء.. وفي
منزلها كانت تعقد جلسات مجلس الوزراء
تربعت سلطانة الطرب منيرة المهدية علي قمة الغناء ما يزيد علي ثلاثين
عاما
وأنتشرت أغانيها في كل أنحاء الوطن العربي من المحيط إلي الخليج. ولدت منير المهدية
في قرية مهدية التابعة للإبراهيمية مركز ههيا بمحافظة الشرقية وكان أسمها الأصلي زكية
حسن, وأشتهرت وهي طفلة صغيرة بجلاوة الصوت وعذوبته وكانت تغني وهي صبية في القري والمدن
المحيطة بمركز ههيا وذاعت شهرتها في محافظة الشرقية وانتقلت للغناء في عاصمة المحافظة(
الزقازيق).
وعندما كان أصحاب الملاهي بالقاهرة في زيارة للزقازيق سمع صوتها أحد السميعة
وكان يدعي محمد فرج وأستطاع إغراءها بالسفر إلي القاهرة حيث الأضواء والشهرة والمال
وفي عام1905 كان أول ظهور لمنيرة المهدية في القاهرة حيث عملت في البداية في قهوة فرج
وكان يطلق علي القهوة في هذا الوقت مكان اللهو والرقص والغناء أي الصالة, وأطلق هذا
الاسم لإول مرة عندما أفتتحت بديعة مصابني صالتها وفي نوفمبر1926 قامت المطربة المشهورة
في تلك الفترة سيدة اللاوندية بتلقين وتعليم منيرة المهدية أصول الغناء. ولم تستمر
منيرة في قهوة فرج فترة طويلة إذ أنتقلت إلي ملهي الألدرادو.
وأتسعت شهرتها وكانت قد تزوجت في هذا الوقت من محمود جبر الذي أصبح زوجها
ومديرا لأعملها وقررت منيرة أن يكون لها قهوتها الخاصة بها وافتتحت قهوة نزهة النفوس
التي كانت المكان المختار لكبار تجار القطن وعمد وأعيان الريف.
أول سيدة علي خشبة المسرح
بعد أن عرفت مصر المسرح بمفهومه الحديث واجه القائمون عليه عقبة كبيرة
تتمثل في الأدوار النسائية في المسرحيات فكانت التقاليد حين ذاك تمنع ظهور المرأة كممثلة
ولذلك كانوا يستعينون بالنساء من أصل شامي ومن يهوديات ومسيحيات ومنهن ماري صرفان,
ميليا ديان, مريم سماط, ألماظ, أبرازاستاني, نظلة مزراحي ولبيبة مانيلي وأحيانا كانوا
يسندوا أدوار النساء إلي الرجال ومن أشهر من قام بالأدوار النسائية في المسرح المصري
عمر وصفي, حسن فائق, حسن إبراهيم, مختار عثمان الذي قام بدور امرأة في مسرحية مستشفي
المجاذيب التي قدمتها فرقة رمسيس في إبريل1926 وفي عام1914 وأثناء الحرب العالمية الأولي
أصدرت سلطات الأحتلال البريطاني أوامر بإغلاق البارات وقهاوي الرقص والغناء من الساعة
العاشرة ومنها قهوة نزهة النفوس وتمكن عزيز عيد من إقناع منيرة المهدية بالظهور علي
المسرح في فرقة التمثيل التي كونها من مجموعة من الهواة والتي كانت تعمل علي مسرح الشانزليزيه
بالفجالة وفي عام1915 امتلأت شوارع القاهرة بالأعلانات عن ظهور أول ممثلة مصرية في
فرقة عزيز عيد وكانت منيرة المهدية ولم يقتصر دور منيرة علي التمثيل فقط بل كانت تقدم
بعض قصائد الشيخ سلامة حجازي بين فصول الرواية وامتلأ مسرح الشانزليزيه لمشاهدة أول
ممثلة مصرية وانفصلت منيرة بعد ذلك وقررت تكوين فرقة خاصة بها عملت علي مسرح برنتانيا
وقدمت فيه أعمال سلامة حجازي المسرحية مثل شهداء الغرام, صلاح الدين, عايدة, صدق الإخاء,
وكان المدير الفني في ذلك الوقت هو حسن ثابت وكانت تقوم بإدوار الشيخ سلامة حجازي وفي
عام1917 كان التعاون بين الكاتب المسرحي فرح أنطون ومنيرة المهدية الذي قدم إليها مجموعة
من الأوبرات العالمية وتولي اقتباسها وألحان كامل الخلعي والتي غنتها منيرة المهدية
وفرقتها وأفتتحت بها مسرح الكورسال بعد إنتقالها من مسرح برنتانيا القديم وكان أول
ظهور لها كممثلة وقام بدور البطولة أمامها مدير الفرقة الفني المخرج عبد العزيز خليل,
وعند قيام ثورة1919 قدمت منيرة المهدية مجموعة من الأعمال المحلية من نوع الأوبريت
من تأليف الشيخ يونس القاضي والمتضمنة العديد من الإيماءات والرموز والإسقاطات السياسية
والتي تحذر من خطر الأستعمار العسكري ومنها مسرحية كلام في سرك, كلها يومين من ألحان
سيد درويش والتالتة تابتة من ألحان كامل الخلعي وغنت( في المنشية دول حرامية ويسرقوا
الكحل من العين) ولم تقم منيرة بالتمثيل علي الشاشة الفضية إلابفيلما واحدا فقط هو
فيلم( الغندورة) من إخراج المخرج الإيطالي( فولبي)
وكان من أشهر أغانيها( أرخي الستارة اللي في ريحنا),( أسمر ملك روحي),(
يمامة حلوة),( بعد العشاء يحلي الهزار والفرفشة),( تعليلي يابطة) أما اهم الروايات
التي قدمتها هي( كليوباترا),( كارمن),( مارك أنطون),( تابيس) وحصلت سلطانة الطرب علي
العديد من الجوائز والأوسمة.
حياتها
كانت الفنانة منيرة المهدية ربعة القوام أميل للطول منها للقصر عسلية
العينين ذات شخصية قوية مسيطرة تعرف القراءة والكتابة بصعوبة ولكنها كانت تمتلك شهادة
الدكتوراه في فنها تزوجت أربع مرات كان أول زواجها محمود جبر وكان عام1905 واصبح مدير
أعمالها واستمر هذا الزواج مدة طويلة حتي حدث نزاع بينهما انتهي بالطلاق ثم تزوجت من
حسن نديم ثم حسن كمال ثم أخيه إبراهيم كمال ولم تنجب من الزيجات الأربع سوي أبنتها
الوحيدة( نعمات) كانت فترة الازدهار لمنيرة المهدية من عام1925 حتي عام1938 حيث كانت
أعمالها في المسرح الغنائي علامات في تاريخ المسرح وتعاونت مع كبار الملحنين مثل سيد
درويش, محمد عبد الوهاب, كامل الخلعي, محمد القصبجي, داود حسني وفي عام1938 حلت فرقتها
المسرحية واختفت وفجأة في أوائل1948 قررت العودة واستأجرت مسرح كازينو أوبرا لتقديم
أعمالها المسرحية القديمة وقوبلت عودة منيرة بالدهشة والاشفاق وهي الفنانة التي كانت
تربطها صداقات وثيقة بعدد من رؤساء الحكومات وكبار الساسة والوزراء وكان حسين رشدي
رئيس الوزراء يعقد بعض جلسات مجلس الوزراء في بيت منيرة المهدية واحيانا في عوامتها
وكم من قرارات هامة ومصيرية اتخذت في منزلها إلا انها عادت إلي منزلها القديم بالامام
الشافعي وعاشت أيامها الأخيرة بين القبور في عبادة وتوفيت في11 مارس عام.1965 أنها
منيرة المهدية التي قدمت في ثورة1919 الإيماءات والرموز والإسقاطات السياسية في أغانيها
من أجل الوطن…!!