كان اغلب نقاد المدرسة التفويضية معارضون للفكر
النقدي الغربي السائد فكرستوفر نوريس مثلا انتقد هشاشة العمل النظري في التطبيقات ما
بعد البنيوية وما بعد الحداثية
وكيف أنها تنتهي بغثها وسمينها إلى اختزال الأنظمة المعرفية
إلى مجرد العاب خطابية لا تبنى إلا بواسطة اللغة وفيها .
أما جاك دريدا فانه رفض النقد التقليدي أو النقد
الأرسطي وأنكر أن يكون للنص أي هوية مستقرة أو أي مصدر وتابعه في ايطاليا بنديتو كروتشه
وماريو فابيني . أما في ألمانيا فكانت جماليات التلقي والقراءة لياوس وولفانغ ايزر
هي السائدة ..
وتبنى جيفري هارتمان أسلوبا مشاكسا وغير مباشر يدعو
للضيق بينما حاول بول دي مان على الأخص أن يفكر في مفارقات منهج النقد الجديد .
ومع دريدا وجاك لاكان ورولان بارت توفرت أجواء نشر
ثقافة ما بعد حداثية تحاول أن تهمش المركز وتمركز الهامش بمثالية طوباوية عاجية .
ومثلما كان المنظرون والمفكرون التفكيكيون لا ينظرون
إلى المسلمات بمنظار التأييد والقبول كذلك كان ميشيل فوكو لا تستهويه النصوص الكبرى
ذات الصيت العظيم
ويبدو إن اهتمام فوكو ليس موجها إلى القسمة بين
دال ومدلول بل اهتمامه موجه للملفوظات والخطاب وكيفية إنتاجه بما يسميه الحاجات المفهومية
التي لا تتعلق فقط بالموضوع بل بمعرفة الظروف التاريخية التي تحدد نوعية فهمنا وإدراكنا
لوضع تاريخي معين وهو ما يتطلب بالضرورة معرفة الواقع الذي نعيش فيه أي معرفة الراهن ..
وكتابه (إرادة المعرفة) بلورة جينالوجية نسابية
للآليات والتقنيات العاملة في الواقع زمانيا ومكانيا لاسيما العلاقات بين المعرفة والسلطة
والجسد ليساءل الحقائق والسلطات كاستراتيجيات تفكك المعرفة بوصفها معزولة عن السلطة
مؤمنا بالفرضية القمعية التي تعتبر أن الحقيقة تتعارض جوهريا مع السلطة
وهو برفضه للثنائيات الجدلية باعتبار أن أي ثنائية
لها ثلاثة معاني على الأقل فبالنسبة للخطاب مثلا تقوم علاقات في صلب الخطاب وعلاقات
بين الخطابات وعلاقات للخطابي بما هو غير خطابي واللاخطابي ذاته تتوزع كياناته بين
المنظم والفوضوي واللامنتظم ولو تناولنا علاقة الملفوظات بالمرئيات للاحظنا أن الأولى
لا تعمل إلا في صلب الكثرة الخطابية والثانية في كثرة العوامل غير الخطابية وفي نفس
الآن تتفتح الأولى والثانية على شكل ثالث من الكثرة هو علاقات القوى (السلطة) التي
تخترقهما معا من خلال كثافة المفاعيل وانتشارها ..
وبين الفكر والرغبة والكلمة تندس السلطة لتمرر اسمها
ومعناها من خلال ما اسماه ميشيل فوكو الفرضية القمعية ..
وهي مما يتنافى والمعرفة المتشكلة من تكوينات تاريخية
من وضعيات ووقائع من طبقات رسوبية متكونة من كلمات وأشياء من الأبصار والقول مما يرى
ومما يقال..
ويعرف فوكو القمع على انه ليس مجرد منع بل هو إقصاء
وإسكات وإعدام ما يجب قمعه بمجرد محاولة ظهوره وهو حفر اركيولوجي في الشكل الذي به
تأتى لمنطوق الجنسانية أن يصنع أجسادنا من خلال لعبة المعرفة والسلطة .
ويوجه الكاتب اهتمامه إلى الأبعاد الأساسية للواقع
الإنساني الراهن وهي ثلاثة الحقيقة السلطة الأخلاق والقمع هو ما يحرم الموضوع من ماديته
والذات من قدراتها بل انه ما يمنع المعرفة كعلاقة ..
ويذهب فوكو إلى إن هذا التعاضد والتآزر بين ملفوظة
القمع وصورة التبشير يحملهما المثقف الشمولي الذي يتكلم باسم الإنسانية والحقيقة والمستقبل
فهو حامل راية الحق وبشارة الغد المشرق فهو صاحب الحق في شمولية المعرفة وهو الوكيل
الشرعي للكلية والمراسل الكفء للمطلق حيث يتقوم التفلسف كفكر شمولي تأسيسي أو كقوة
كشف تحمل معايير القيمة والدلالة فهو الذي يقول الحق ويمتلك الحقيقة ويجسد الشمول .
يقول فوكو في كتابه نيتشه الجينالوجيا والتاريخ
:” إن المعرفة لم تخلق لآجل الفهم وإنما لأجل التكسير والحسم “.
ويتشكل هذا المركب من السلطات والمعارف والرغبات
في فضاء الخطاب التقويضي بوصفه نظام توزع لا فضاء تشرنق أو خواء لا شعوري .
عن الناقد العراقية