وضعت الجغرافيا الجزائر بين بلدين، تونس التي تعيش حركة تأسيس للديمقراطية، بعد إنجاز دستور توافقي وتركيز مؤسسات الانتقال الديمقراطي والتوجه نحو الانعتاق من
آثار عقود من الحكم الفردي المتخم بالبوليسية، والمغرب الذي يشهد حركة اقتصادية جعلته الأسرع نموا في منطقة شمال إفريقيا والثاني عربيا، وساهمت في تحسين البنية التحتية. وبين مأسسة الديمقراطية في تونس، والانبعاث الاقتصادي للمغرب، تجمّدت الجزائر سياسيا بسبب إخفاق الإصلاحات السياسية، وتعطلت اقتصاديا بسبب غرق اقتصادها في الريع النفطي. عشية بدء الحملة الدعائية لانتخابات البرلمان في الجزائر، تربط الحكومة تحقيق الاستقرار في البلاد بالمشاركة الشعبية في الانتخابات، والحقيقة أن من يربط استقرار الجزائر بالانتخابات، كمن يعقل ناقته بقشة. كل التجارب الانتخابية منذ عام 1991، لم تنجز الاستقرار والأمن في الجزائر، وكل الانتخابات كانت مدججة بما يكفي من التضليل الذي يوهم بالتحول والتغيير، وينتهي إلى مجرد مرحلة انتقالية، ذلك أن الصندوقراطية لا تصنع الاستقرار حين يكون الاستحقاق الانتخابي مجرد محاولة من السلطة لانتقاء شركاء لها في مشروع انتقالي، وحين يكون سقف المعارضة الحصول على منبر للاعتراض، والدليل أن النزر القليل من الإصلاحات السياسية التي تمت في الجزائر، لم تنجزها المؤسسات المنبثقة من صندوق الانتخابات، بقدر ما كانت عطايا من السلطة في ظروف وملابسات مشوبة بالاحتجاج السياسي.
الاستقرار يرتبط بالمنجز التنموي والتعليم وعتق القضاء من قبضة المؤسسات الرسمية، وتحرير المبادرة الاقتصادية للإنسان دون اعتبارات الولاء السياسي، وتعزيز الانتماء عبر تكافؤ الفرص أمام الجميع، والشفافية في تسيير مقدرات البلاد. والانتخابات كاستحقاق ديمقراطي وسلوك مدني، لوحة جميلة تعكس تدافع الألوان الحزبية والأفكار السياسية، لكن هذه اللوحة الجميلة تحتاج إلى حائط ديمقراطي تعلق عليه، لتضفي جمالية على المكان وتعزز الثقة في المرحلة، المؤسف أنه لا يوجد من هذا الحائط المهشم في الجزائر ما يكفي لتعليق هذه اللوحة، ناهيك عن أن اللوحة نفسها خربش فيها مخبر وموظف.
على مدار خمسين عاما أو يزيد، تتمسك السلطة في الجزائر بدور ذلك الأب الذي يذهب إلى السوق مرة في الأسبوع، ليأتي لصبيته بالحلوى، دون أن يدرك مع مرور الزمن أنهم صاروا أكبر من الحلوى، وباتوا يعرفون الطريق إلى السوق نفسها، كذلك السلطة في الجزائر، تعود مع كل استحقاق انتخابي من بورصة الإصلاحات، ليجد الجزائريون أن في “القفة” سروالا مخروقا، وحذاء مفردا، وبقايا “مصروف” من ريع النفط ليس إلا.
عثمان لحياني
يا عثمان السلطة أتقنت فن التزوير واستخدامه في اختيار أرذل القوم لحكم هذا الشعب. والمعارضة راضية بالفتات مع تقديم شهادة زور على أنها معارضة لا تعارض بقاء السلطة في السلطة، وإنما تعارض وصول الشعب إلى السلطة.