في روايته “فسوق”، يورد الروائي عبده خال من السعودية الحوار التالي بين بعض شخوص الرواية، وكان أحدهم يسمى فواز الساعي دائما أبدا إلى “تعميق الظواهر التي
تعبرنا”، حيث يقول: نعم، مشكلتنا فقهية. فحين يتعطل الاجتهاد ويقف عند استلهام فترة زمنية محددة، تتحول الحياة إلى متحف، كل شيء فيها جامد. لذلك فالمحو هو الوسيلة الأمثل لإعادة تصنيعنا كي نتلاءم مع واقعنا… لا زلت مصرا على أن لا حل غلا من خلال الاجتثاث. اجتثاث الأفكار المغذية لبنية فكرية غدت بالية وغير قادرة على التواصل مع الأفكار المستحدثة دينيا واجتماعيا.
أما الدكتور محمد جابر الأنصاري، المفكر البحريني المعروف بدراساته الأكاديمية، فيقول في مقابلة له مع صحيفة “الحياة”(12/6/2006)، في الموضوع نفسه: والحركة التصحيحية الكبرى المنتظرة في صفوف التحديثيين العرب تتمثل اليوم في اجتراح معجزة التجديد في الإسلام الذي حمل “حداثة” ( كذا) التاريخ تحت إبطيه ومضى بها، مقيما حضارة من أعظم الحضارات في التاريخ… ومع الاعتراض على هذه المبالغة غير المبررة لما يسمى بالحضارة الإسلامية التي لا تعادل حضارة اليونان العظيمة، فضلا عن كونها مزيجا من حضارات سابقة، صنعت بعقول ذات أصول فارسية وهندية وإن كانوا مسلمين ما يعني أنه ليس لدينا حضارة إسلامية بهذا المضمون الديني، بل حضارة لـ”دار” ضمت كل الأجناس والأديان والألوان عُرفت بـ “دار الإسلام” تمييزا لها عن دار الكفر، أقول: مع هذا الاعتراض من الواضح أن مشكلتنا اليوم مع الفقه والفقهاء. الأول بتوقفه عن مواكبة متطلبات العصر، والفقهاء بتحجر مفاهيمهم وإصرارهم على فرض الكتب الصفراء.
ونظرا لأن تجديد الفكر الإسلامي أمر ليس بالسهل، يرى الدكتور الأنصاري أن الأمر يتمثل في “اجتراح معجزة التجديد”! على يد “صفوف التحديثيين”! ونضع علامة استفهام لأنه لم يوضح من هم هؤلاء التحديثيون؟ من اللليبراليين أم من رجال الدين؟ المهم، أن هناك اتفاقا عاما على أن الأمر يتعلق بجوهر المشكلة المتعلق بالفقه….مشكلتنا فقهية، كما يقول أحد أشخاص رواية “فسوق”. ولعل السؤال الأكثر حساسية وإحراجا: هل يمكن تجديد الفقه ليتوافق مع متطلبات العصر؟ الإجابة الظاهرية: نعم. لكن لا أحد يمتلك إجابة الكيفية خشية التعرض للنص الديني، وما قد يجره عليه ذلك من مشكلات قد تصل إلى حد التكفير والقتل، أو بحد أدنى التحريض عليه فوق منابر المساجد في صلاة الجمعة. المشكلة، بل قل المأساة أن الروائي والمفكر وغيرهما يعلمون أن المشكلة في الفقه ذاته. هذا الفقه الذي انتجه عقل الفقيه، لكن من يعلق الجرس؟
الحقيقة أن السؤال الذي يتجنبه المثقفون الليبراليون أو الحداثيون كما يوصفهم د. الجابري هو: هل نحن بحاجة اليوم إلى الفقه، بعد انتشار العلم من خلال التعليم والصحافة والانترنت، وانغماس العالم في الماديات حتى النخاع؟ وهل التجديد ممكن في جوهر الفقه ذاته؟
نعم، يجب أن نحاول، لكن هل يمثل هذا التجديد ضمانة لقيام حداثة »إسلامية« بالمفهوم العلماني؟ باعتبار أن عصر الحداثة قام على أساس نبذ المرجعية الدينية، من دون التخلي عن الإيمان. أسئلة كثيرة… لكن إن يقول مفكر بوزن د. محمد جابر الأنصاري ان لا مشروع نهضة أمامنا إلا بتجديد إسلامي! فقط، فهذا يعني فيما يعنيه الدوران في حلقة مفرغة، لأن الإسلام كمرجعية دينية يجب أن يكون أحد الأسس الفكرية حال الإقدام على التجديد الفكري، فالحضارة الإسلامية مع التحفظ الكامل على هذا المصطلح من الناحية الأكاديمية في الخلافة العباسية مثلا، كان مزيجا من التراث الإنساني، خاصة اليوناني، وللنظر في كتاب أدب الدين والدنيا للماوردي مثلا حيث نجد هذا المزيج بروح إسلامية، وقس على ذلك كتب الفقه التي لم تستطع مواكبة ذلك التطور الحضاري وتأثيرها الذي لا يذكر على المستوى العالمي، بما صاحبها من جمود حضاري عجز الفقهاء حتى اليوم عن تنقيحه وتطويره بما يواكب مستجدات العصر.