شكل تعيين السيد محمد حصاد ،وزير الداخلية السابق،والمعتبر من رجال ثقة
القصر،وزيرا لقطاع التربية الوطنية والتكوين‘مفاجاة لاطر هذا القطاع
،وللمتتبعين.ولعل
تفسير هذا يكمن في وجود تصور خاطئ لما ال اليه وضع التعليم العمومي ببلادنا؛او على
الاقل وجود تصور مثالي يغلب عليه المامول ،وليس الحاصل.
يرتد هذا التصور الى المكانة التي يحتلها التعليم
في اذهان المواطنين؛باعتباره المنفذ الوحيد الى الوظيفة والرقي الاجتماعي،بالنسبة للفرد
،وصمام الامان للحفاظ على منظومة القيم ،والموروث الثقافي.
ويرتد ايضا الى الخطاب التربوي الرسمي الذي ما انفك
يتحدث عن اصلاح المنظومة التربوية منذ فجر الاستقلال.
كل هذا رسخ في الاذهان "بروفيل"خاص للوزير الذي يتولى امر القطاع؛من سماته البارزة ان يكون
جامعيا اكاديميا،يشتغل وفق برنامج حزبي مسبق يستجيب للتوجهات العليا للبلاد؛ويحوز السبق
ديموقراطيا؛وفقا للمعايير الجاري بها العمل في ديموقراطيات العالم.
طبعا لا احد يرتاح لاقل من هذا "البروفيل"
لوزير يدير قطاعا يرهن حاضر الوطن ومستقبله ،بين الامم.
ما دام الامر يرى هكذا من طرف الجميع،بما في ذلك
المؤسسة الملكية التي دابت ،منذ فجر الاستقلال على اخراج قطاع التربية الوطنية،كما
تغيرت مسمياته،من دائرة وزارات السيادة؛فلماذا اختيار محمد حصاد اليوم،وهو كما يعرف
الجميع راسخ القدم في السلطة،بقيمة مضافة تتجلى في الاشتغال على الملفات الصعبة،وتدبير
الازمات في القطاعات التي اسندت اليه؟
لنستوعب هذا،منصرفين عن بعض الانتقادات المتهافتة،التي
وصلت الى حد التندر السمج،في مواقع التواصل الاجتماعي؛علينا ان نعود الى مهندس معماري
اخر ،اختاره المرحوم الحسن الثاني لرئاسة لجان الميثاق الوطني للتربية والتكوين؛حينما
اقتنع بان قطاع التعليم اخذ في الانهيار،عاما بعد عام؛رغم استحواذه على25% من الميزانية
العامة؛مما يتطلب تكليف رجل دولة بمواصفات محددة؛اهمها عدم الاستماع كثيرا لسياسيين،من
اليمين واليسار، احترفوا خدمة مصالحهم الحزبية ،على حساب تربية المواطن وتعليمه.
لقد سبق ان اعتبرت ان الحركة الوطنية كانت تعليمية
،في الغالب؛
،لكنها اختارت بعد الاستقلال
ان تكون حاضرة بقوة في المجالات السياسية الموصلة للسلطة. وهذا مما يفسر استعصاء اصلاح
التعليم في بلادنا. والى اليوم لا تزال النواة الصلبة في كل الاحزاب نواة تعليمية،شكلا،
سياسية هوى واشتغالا.
بل اكثر من هذا ظلت تلعب دور الكابح لعدد مهم من
المشاريع الاصلاحية الجادة؛اخرها تراكم انتقاداتها للميثاق الوطني،خصوصا حينما لمست
من بعض الوزراء ازورارا عما بذلت فيه لجان المرحوم مزيان بلفقيه جهودا كبيرة.(سبق لاحد
الوزراء بان صرح بكون الميثاق ليس قرانا،وسبق لوزير اخر ان اوقف العمل بمؤسسات التميز،وهو
واقف يقهقه مع خلان حزبه).
وهذان مثالان غير بعيدين عنا؛حتى لا نستعيد لحظة
اتخاذ قرارات التعريب ، دون توفر من يعرب ،ومن يدرس.وحتى لا نعاود البكاء على المنظومة
التربوية المتماسكة والدينامية التي خلفها المستعمر الفرنسي غنيمة ،كما اللغة الفرنسية
التي استكثرها بعض السياسيين الانتهازيين على ابناء الشعب؛واقتطعوها ريعا لابنائهم
فقط؛بمسمى التعريب.
لتقويم زلات الحزبيين في قطاع استراتيجي ،بالنسبة
للدولة،تم اختيار المرحوم بلفقيه؛كما تم تحديد عشرية كاملة لتنزيل الميثاق وتقويمه؛لكنها
ومع كامل الاسف صرفت في نخر مواده وتسويسها والقفز عليها،ليعود الوادي الى مجراه القديم
الذي لا تعيش التماسيح الا فيه،بله الدببة والثعالب والذئاب التي تلازم تخطف شوارد سمك "السومو" في ضفافه.
لم نكن وقتها نسكت عن كل هذا ،كهيئةللاشراف التربوي؛وكم كتبت من مقالات تنبه بان امورا غريبة
تحدث ،على مستوى الوزارة،لميثاق بلفقيه؛وكل ما جنيناه هو الاقصاء ،والاصرار على تهميش دور المراقبة التربوية،تفاديا
للازعاج.
حدث كل هذا وغيره،رغم استمرار المستشار الملكي بلفقيه،على
راس لجنة التتبع؛وربما حالت مهامه الاخرى دون انجاز تقويم دقيق،وحتى دون محاسبة الوزراء
الانقلابيين.
استعدت كل هذا للتاكيد على التشابه الكبير الموجود
بين الظروف التي استوجبت انتاج ميثاق في المستوى،وما حاق به من اهمال لمواده ،وفي احسن
الاحوال خلخلة تماسكها وتراتبيتها؛والظرف التعليمي الذي استوجب عدم تكرار الاخطاء ،والحرص
كل الحرص على تنزيل حصيلةاشتغال المجلس الاعلى
للتربية والتكوين ، التي حدد لها افق2
2030 لاكتمال تنزيلها .
هل توكل استراتيجية المجلس،وهو دستوري كما نعلم،لوزير
سياسي ؛ولو من الوسط الجامعي الاكاديمي،حتى يسير بنا ،مرة اخرى،صوب مخطط استعجالي انقاذي،بهذه
الذريعة او تلك؛مخطط يستزف مرة اخرى الخزينة ،ويتبخر في الطبيعة ،كما حصل مع الذين
استحوذوا على "خناشي" من المليارات ،احصاها عددا المجلس الاعلى للحسابات،ولم
يبق الا ان يحسم القضاء في الامر.
وفي تفاصيل نظامنا التربوي ،واشتغال الادارة التربوية،وهيئة
التدريس والمراقبة،ما يستدعي فعلا تتبعا مباشرا من المؤسسة الملكية والا تسارع الانهيار.
اقول هذا وانا واع بان اللجوء الى المؤسسة الملكية
لتقويم القطاع،مشكل في حد ذاته وليس حلا؛لانه يؤكد على ضعف الادارة التربوية الوطنية
والجهوية والاقليمية.بغياب دور الاستاذ الصادق في اداء الرسالة تفكك القسم اخلاقيا،حتى
غدت حجرة الدرس ركحا للملاكمة،وكل ما لا يخطر على البال من صنوف الشغب.
حضور الهاجس المالي لدى اغلب الاساتذة ،الى درجة
فرض الساعات الاضافية،خارج المؤسسة،حول التعليم العمومي الى شبه قطاع خاص مهرب؛في وجود
قطاع خاص ،يشتغل بدوره كبورصة ،لا يشكل المحتوى التعليمي لديها سوى اخف الاهتمامات.
وكل هذا لا يعدل ما يلاحظ من انقلاب خبيث على اهداف
برنامج مسار ؛بحيث يعمد اغلب الاساتذة الى اعتماد اقصى سبل التيسير ،في عمليات التقييم،حتى
ترتفع نقط التلاميذ،حاجبة مستواهم التحصيلي الرديء.وصل البعض ،حسب روايات بعض الاباء
والتلاميذ،والمراقبين،الى حد اعادة نفس الفروض للتلاميذ الذين حصلوا على نقط ضعيفة؛وبموت
تام للضمير ينقط الفرض المعاد ليصبح التلميذ الفاشل،من ضمن الاوائل،بهتانا وكذبا .
الا يعتبر هذا خيانة عظمى للوطن؛وعرقلة كبرى لبنامج
يشتغل من اجل رفع مستوى التحصيل ،واشراك الاسر في تتبع مسار تمدرس الابناء؛وفي نفس
الوقت توفير المستنددات الميدانية لتطوير منظومتنا التربوية.
اما عن التعليم في العالم القروي ،النائي والقريب،فيمكن
اعتباره كذبة وطنية كبرى،تكلف الدولة اجورا ،وميزانيات،غير مستحقة اطلاقا.
يحضر التلاميذ ويغيب الاستاذ،ربما اياما واسابيع.واذا
حضر تطرده وضعية حجرة الدرس.واذا صمد تعوزه اللوازم الديداكتيكية.
ورغم كل هذا تتواصل المسرحية:انتقال التلاميذ من
مستوى الى اخر،دون ان يكون اغلبهم قد فتح كتبه المدرسية،بله الاحاطة بمضامينها.
نخطئ حينما نتحدث عن الهدر المدرسي،وكانه طارئ على
العملية التعليمية.لا ياسادة انه ملازم لها ،في مدرسة القرية والدوار، منذ تسجيل التلميذ
في القسم الاول ،ووضعه بين يدي معلم مفترس ،ياكل ايامه وحياته اكلا.معلم يواظب فقط
على تسلم اجرته.
يعلم جيلي من رجال التعليم كم تعذبنا في الارياف
،بل جعنا وجوعنا،لكن ضمائرنا وفرحنا بالنتائج الحقيقية كانت تغذينا.
ونحمد الله اليوم اننا نلتقي بتلامذتنا ،وهم كهول،ولا
نخجل منهم.
هذا غيض من فيض اوجهه الى الذين استكثروا على رجل
سلطة ان يتولى تدبير قطاعنا التربوي.حينما يندلع الحريق في البناية يكون رجل الطفاء
اعز من يطلب،وليس المهندس..
ان حيازة المؤسسة الملكية لقطاع التعليم،حيازة تدبير
مباشر ،وصارم،اصبحت امرا ملحا ،والا ضيعت الاحزاب كل شيء،واكتمل الانهيار المدفوع الثمن
غاليا.لم يكن وراء تعيين محمد حصاد غير ادارة تربوية فاشلة ،وهيئات تربوية خانت الامانة،ففيما
العجب؟
وتحية للفئة المخلصة من رجال التعليم ،والتي استبشرت
خيرا بمقدم القائد ليدير الثانوية،بعد ان تقاعس المدير عن ادواره.
sidizekri.blogvie.com