صدر مؤخرا ضمن منشورات القلم المغربي كتاب جديد لعبد الفتاح الحجمري بعنوان: لماذا ننقُدُ النصوص الأدبية؟ مشتملا على العديد من المباحث التي تقارب أبرز
مسارات وتحوّلات الخطاب النقدي بالمغرب من خلال لحظتين أساسيتين : لحظة النصف الأول من القرن الماضي ، ولحظة النصف الثاني منه ، من أجل رصد أهم مراحل التطوّر و العلاقة بالأنواع الأدبية والعلوم الإنسانية.
يبرز عبد الفتاح الحجمري في هذه الدراسة كيف استطاع الخطاب الأدبي بالمغرب ، في مواكبته للحركة الأدبية منذ العشرينيات من القرن الفائت، أن يسهم في بلورة أسئلة ثقافية لم تكن منعزلة عن أسئلة المجتمع ولا عن قيمة الحوار، آنئذ ، مع المشرق العربي أو مع الغرب الأوروبي؛ و قد عبّر هذا الخطاب عن مقاصده من خلال المسامرات والسجالات والفهارس والخواطر، أو التعليقات النقدية، وتأليف المنتخبات ورصد الحركة الأدبية والنقدية ضمن كتب للتاريخ الأدبي وأعلامه.
كما يبين الحجمري أن التطوّرات اللاحقة التي سيعرفها الخطاب النقدي، إن على صعيد النظرية أو الممارسة وبدءا من نهاية الخمسينيات وإلى بداية الثمانينيات ، وعت قيمة الإطار المنهجي للنقد على أصعدة التصوّر والإجراء والفعالية، بحيث انفتح الموضوع النقدي على فهم خصائص الأسلوب، وأنساق الأنواع الأدبية ، والموازنات الثقافية لعلاقة الأدب بالواقع والمجتمع والإيديولوجيا .
لماذا ننقد النصوص الأدبية؟ هل مازال النقد ضروريا؟ هل تحتاج النصوص الأدبية إلى النقد؟ ماذا يضيف النص النقدي للنص الإبداعي؟ هل كل النصوص الإبداعية قابلة لأن تنتقد؟ عمّا يبحث النص النقدي في النص الإبداعي؟
لا شك أن هذه الأسئلة، وسواها، تضع المتأمل في جوهر ماهية ووظيفة النص النقدي، مثلما تضعه أمام البحث عن تصور (نظري) لطبيعة موضوعاته ومرجعياته ومناهجه التي يتوسل بواسطتها التعلق بألوان شتى من الأنشطة الإبداعية، وما يوافقها من تجارب ومجالات تحددها علاقة الأدب بالثقافة. وهذا ما يجعل تصورات الأدب والنقد تواقة – على اختلاف المراحل التاريخية - نحو اكتساب خصوصية "الخطاب العلمي، منذ اجتهادات "الوضعيين" الفرنسيين في القرن التاسع عشر وآرائهم الخاصة ببحث أسس للمعرفة الإنسانية وتحويلها إلى نسق ممتلك لقواعد ونظم محددة قادرة على تقريب خطاب النقد من مجال الخطاب العلمي كما تتداوله مختلف تطبيقات العلوم الإنسانية.
ويبين الحجمري في هذه الدراسة كيف حاول النقد الأدبي أن يستفيد من منجزات العلوم الإنسانية، وكيف حاول استثمار مفاهيمها ومناهجها في بناء أسلوب للمقاربة يؤهله لإنتاج خطاب علمي مكتف بذاته، ويُمكّنه من امتلاك جواز مروره إلى دائرة التفكير العلمي ؛ مهما يكن من أمر، يضيف الحجمري، فإن صفة العلم المستقل التي ينشدها النقد الأدبي لن تلقي به إلا إلى دائرة العلوم الإنسانية.