الكواليس الخاصة بالحوار، عادة لا تهم سوى المحاوِر، إلا أنه في أحيان قليلة يصبح من حق القارئ أن يطّلع عليها؛ لأنها قد تحمل بعدًا إضافيًا للشخص المحاوَر سواء في فكره أو شخصيته، أو ربما لأهميتها في تفسير النهج الذي سار عليه الحوار الذي سيطّلع عليه القارئ. قبل عدة أشهر، كانت الاتصالات الأولى مع المفكر المصري سيد القمني لإجراء حوار مُطوّل، في البداية كان هناك نوع من الترحيب والموافقة. أيامٌ مضت قبل تحديد موعد الحوار ليواجَه القمني بسيل من الاتصالات الإعلامية بعدما حُرِّكت دعوى قضائية ضده بتهمة ازدراء الأديان، على خلفية محاضرة له نظمتها منظمة بلجيكية تدعى «آدهوك»، ليتعطل الحوار المُرتقب بعد انشغالات جديدة للقمني متعلقة بالقضية المرفوعة ضده. بعد ما يقرب من شهر، عاودنا الاتصال به وحددنا موعدًا، إلا أنه اعتذر عنه في اليوم التالي، وبعد عدة أسابيع قمنا باتصالات أخرى فيها قدر كبير من الإلحاح لا يستجيب له القمني، ويرفض الحديث أكثر من مرة، وتحت ضغط الإلحاح، وافق القمني على إجراء المقابلة، على مضض. في منطقة نائية شرق القاهرة، يعيش القمني منذ سنوات طويلة، هربًا من التهديدات اليومية بالقتل على خلفية الأفكار التي لا يكفّ عن بثّها، وبعدما جابه الكثير من المتاعب والمزيد من الهجوم، قرر أن تكون حياته بعيدة عن الصخب، هو ضجرٌ من أيّ صخب إعلامي ورافض لأيّ جدال حول ما يطرح من أفكار.. حالة من اليأس يعيش فيها القمني وبها أراد أن يُنهِي حوارنا قبل أن يبدأ. استغرق الوصول إلى منزل القمني في منطقة العاشر من رمضان ما يقرب من ثلاث ساعات. المنزل القابع في تلك المنطقة النائية تحدوه الأقفال والأبواب.. أقفال خارجية وداخلية ومنزل يقبع في عزلة كصاحبه، بعد اجتياز القفل الأول فتحت القفل الثاني وأغلقت الاثنين -بالمفاتيح التي ألقاها إليَّ من شرفته- ثم صعدت للمقابلة التي طال انتظارها. أهديته نسخة من المجلة. اطّلع بسرعة على عناوين الغلاف ثم سألني بسخرية «هل قرأتِ هذا الكلام؟»، أجبت «طبعًا». إذن لماذا تلبسين هذا الحجاب؟ لو عرفت أنكِ محجبة ما كنت قابلتك، إن كنتِ غير قادرة على التحرّر من شيء لا يمتّ للدين بصلة فكيف بغير المثقفات؟