عبّرت الرواية الأفريقية في أحايين كثيرة عن واقع المجتمعات الأفريقية، ودينامية الحياة فيها، ومشاعر أبنائها، خاصة المهمشين الذين يرزحون تحت نير الفقر والمرض.
ويقول المؤلف إن السيرة الذاتية الأفريقية تتمتع بميزتين، فهي تاريخ شخص، وهي في الوقت نفسه جنس أدبي له سماته الخاصة به، ويؤدي هذا الازدواج أحيانا إلى صعوبة تحديد القيمة الفعلية للسيرة الذاتية. ويضيف أنه من النماذج المهمة في مجال السيرة الذاتية للكتاب الأفارقة، كتاب “وول سونيكا” الذي يحمل عنوان “مذكرات سجين” أو “الرجل الذي مات”.
ويشير إلى أن حركة إحياء الأدب الأفريقي تتميز في بدايتها بميزة طريفة، فقد بدأت أفريقيا “أنتيلية” (نسبة إلى جزر الأنتيل في البحر الكاريبي)، وكان أول عمل في هذا الأدب الأسود الجديد هو رواية باسم “باتو والا” التي كتبها رينيه مارون.
ويوضح أن جميع الثقافات المعروفة في العالم تحوي بعض ثقافات كانت في الأصل شفاهية، ثم تحولت إلى مدونات موثقة ومعروفة ومدونة، لافتًا إلى أن الشفاهي عند بعض القبائل الأفريقية له قوة الكلمة المنطوقة بتأثيرها الفاعل والطاغي بحسب معتقدات هذه القبائل، إلى درجة أن أفراد القبيلة يعتقدون أن نطق بعض الكلمات بطريقة معينة وفي وقت معين قد يؤدي إلى الأذى والشلل في بعض الأحيان.
ويؤكد المؤلف أن هوية السرد الأفريقي تتبع تقاليد الثقافة الشفاهية الممزوجة بروح الحياة، والتي كانت غنية لدى القبائل الزنجية المستمدة من الحكايات والسير والملاحم والأساطير المعينة بالهوية الأفريقية في صورتها المحلية.
ويتوقف شوقي بدر يوسف عند رواية “رحلة العم ما” للكاتب الغابوني جان ديفاسانيانا، معتبرًا أنها تجسد أعماق المجتمع الأفريقي بأساطيره وموروث خرافاته، والصراع الدائر بين القديم والحديث، وبين الأسود والأبيض، وبين المدنية الحديثة والأنثربولوجي الأفريقي المتوارث عن الأجداد.
ويرى أن في مجتمع يصب تركيزه على المتعة كهذا المجتمع الذي يصوره الأدب الجماهيري في الشرق الأفريقي، تكون المسائل المتعلقة بالشراب والجنس وجمع المال هي الشغل الشاغل للناس، وتعتبر الكتابة عن الجنس في هذا الجانب من القارّة بمثابة الرد على العدمية في منطقة كشرق أفريقيا، بمعنى أنه إذا لم يكن بين حياة الإنسان وموته شيء ذو معنى، فالجنس هو الوسيلة لإزجاء الوقت.
ويتحدث المؤلف عن اللغة الفرنسية التي يعدّ الفن الروائي المكتوب بها الأسبق في الظهور في القارة الأفريقية، مؤكدا أن الكاتب كامارا لايي هو أول أديب أفريقي يكتب باللغة الفرنسية، حيث كتب روايته الأولى “الطفل الأسود” سنة 1953، ونال عنها جائزة شارل فيبون الأدبية، وتُرجمت إلى عدد من اللغات.
ويضيف أن الروائي أليكس لاجوما كتب ثلاث روايات هي “عشية في الليل”، و”الجبل ثلاثيّ الخيوط”، و”أرض الحجر”، مشيرا إلى أن هذا الروائي عاش مأساة شعبه كاملة، ويظهر هذا خاصة في روايته “أرض الحجر”، التي تصور عالم السجن في جنوب أفريقيا بما فيه من القتلة واللصوص وصغار المجرمين، إلى جانب الأبرياء الذين كان جرمهم أنهم لم يحملوا “بطاقة مرور”.
ويقول المؤلف إن الرواية التي تكتبها المرأة الأفريقية -سواء داخل القارة أو خارجها- رواية متعددة الوجوه والأساليب والتوجهات، حيث تحمل الروايات الأنثوية داخلها جينات التمرد والبحث عن الحرية الذاتية والعامة.
ويستشهد بدر يوسف هنا برواية “بطل الأطلسي” للكاتبة السنغالية فاتو ديوم، حيث تقوم البطلة بزيارة الجزيرة السنغالية التي وُلدت فيها، وهي ثيمة متكررة في الأدب الأفريقي، مبعثها الحنين والبحث عن الهوية والانتماء إلى الأرض والإنسان، إذ تقول الكاتبة في ذلك “إنني أذهب إلى موطني كسائحة في بلدي، إذ أنني أصبحت ‘الآخر’ بالنسبة إلى الناس الذين أدعوهم عائلتي”.
وفي خاتمة الكتاب، يتطرق الكاتب إلى السيرة الذاتية والتاريخ في السرد الأفريقي قائلا “إن السيرة الذاتية الأفريقية تتمتع بميزتين، فهي تاريخ شخص، وهي في نفس الوقت جنس أدبي له سماته الخاصة به، ويؤدي هذا الازدواج أحيانا إلى صعوبة تحديد القيمة الفعلية للسيرة الذاتية، ومن النماذج المهمة في مجال السيرة الذاتية للكتاب الأفارقة ما كتبه وول سونيكا في هذا المجال.
في كتابه ‘مذكرات سجين‘ والذي أطلق عليه اسم ‘الرجل الذي مات‘ يحكي وول سونيكا في هذه السيرة الذاتية سبب تسميته لمذكرات سجين بهذا الاسم المقتبس. وهو أمر محزن وممتع في نفس الوقت حسب قول سونيكا تحت عنوان ‘غير المعترف به‘.