-1- العديد من المعلقين والمحللين والمفكرين في المغرب وفي العالم
العربي، واجهتهم "تصريحات" رئيس الحكومة السابق،
عن الفساد باستغراب شديد، ليس فقط لأن معضلة الفساد، كانت تنتظر من شخصية رئيس
الحكومة المواجهة الحادة والمسؤولة، ولكن لأن هذا الرجل / السياسي، وصل إلى سدة
الحكم، بفضل وعوده عن محاربة هذا الداء، لا من أجل مهادنته أو التطبيع معه.
إن رئيس الحكومة السابق - كما الحالي - كانت مهمتها الأساسية، كما
تؤكد الوقائع التاريخية، هي محاربة الفساد، كان منتظرا منهما أن يذهبا بعيدا في
هذا المنحى، لا أن يرفعا "الراية البيضاء" في وجه من أطلق عليهم "القلاع المحصنة"
التي تحول دون التغيير، وهو ما يعني بوضوح وصراحة وشفافية، عدم قدرتهما على تنزيل
الدستور، والوفاء بالالتزامات التي قادتهما وحزبهما إلى كراسي الحكومة وسلطاتها.
إن الذين صوتوا لصالح حزب بنكيران والعثماني، أغرتهم بلا شك، لائحة
الإصلاحات الطويلة والعريضة التي جاء بها برنامجه الانتخابي، والتي ركزت على
مكافحة الفساد/ محاربة اللهو واللعب بالمال ظلما دون وجه حق، ومكافحة كل أشكال
الانحراف وتدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة للدولة، كالرشوة والمحسوبية
والمحاباة وغيرها من الأفعال الشاذة والمشينة والمحزنة التي قال عنها السيد
بنكيران دون حياء بعد ستة أشهر من وصوله إلى كرسي السلطة "عفا الله عما
سلف"، وهو ما يتناقض ويتنافى مع برنامجه الحزبي ومع كل الشعارات التي رفعها
هذا الحزب إبان ممارسته المعارضة.
ولأن "التسامح" مع الفساد في قطر كالمغرب، يعاني من سرقة
المال العام، والرشوة، وخيانة الأمانة، وكل الأفعال المشينة التي تتوازى مع
الانحطاط والتدهور والتخلف والجهل والظلامية، من شأنه أن يقود البلاد إلى التهلكة،
جاء خطاب العرش لهذه السنة، ليعيد الأمل والاطمئنان إلى النفوس... جاء ليقول للشعب
المغربي، مازالت هناك سلطة عليا في البلاد، لا يمكنها أن تتسامح بهذه العشوائية مع
الفساد، أو المفسدين، وهو ما اعتبره خبراء السياسة المخزنية، إعادة عقارب ساعة
المحاسبة إلى بدايتها، احتراما وإجلالا لكرامة المواطن.
-2-
لا ندري أمام هذه الحالة الغريبة والشاذة، هل يحق لنا أن نتوجه بالشكر
إلى ملك البلاد الذي أظهر خطابه عدم قبوله التوجه السلبي للحكومة وأطرها وسلطاتها
مع الفساد و"عصاباته"، أم نتوجه إلى الحكومة، بدعوة الاعتذار بشجاعة
سياسية إلى الشعب المغربي، الذي عانى وما يزال من أمراض الفساد الفتاكة، الاعتذار
عما صدر عنها، كالزيادة في أثمنة المحروقات/ عدم إمكانية تشغيل العاطلين
والمعطلين/ العفو عن ناهبي المال العام.
أيضا، لا ندري في مثل هذه النازلة، هل يكون اعتذار الحكومة كافيا
للاستمرار أم أن الاستقالة ستكون خيرا لها وأبقى أمام سلوكها الدائم لطريق الخطأ
الذي يخرجها يوميا وباستمرار من نافذة المسؤولية التي دخلتها من باب الانتخابات؟
-3-
من موقعي كمواطن/ إعلامي، تتبع عن كتب إشكالية الفساد وأهوالها
المحزنة والمخيفة، قبل عدة عقود أسمح لنفسي قبل أن تسمح لي الحكومة، أن أقترح على
الذين يهمهم الأمر/ أصحاب الحل والعقد، أن يضيفوا إلى وزارات، أو إلى أية حكومة في
الطريق، وزارة جديدة في مضمونها وهيكلتها نطلق عليها وزارة الفساد.
إن مساحة الفساد في بلادنا كما أكد ذلك جلالة الملك حفظه الله في خطاب
العرش / مساحة واسعة وشاسعة، تشكل قطاعا مخيفا، يمتد من المال العام إلى العرض
العام، ومن السياسة إلى الاقتصاد، ومن المجتمع إلى الدين والثقافة والأخلاق. وهو
ما يجعلها مستحقة لوزارة دولة كبيرة،
ونعتقد أنه سيكون أمام هيكلة هذه الوزارة (المقترحة)، مهام متعددة، لا
ترتبط فقط بمحاربة سرقة المال العام والرشوة والمحسوبية، ولكن أيضا مواجهة الفساد
الأخلاقي الذي أخذ في ظل الفساد الإداري/ السياسي/ الاقتصادي، يكتسح المجتمع في
عمقه... وفي تمظهراته المختلفة.
ونعتقد أنه إضافة إلى الفساد الإداري المتعدد الصفات الذي على الوزارة
المقترحة مواجهته ومحاربته، ستبرز أمامها ولربما منذ اللحظات الأولى لميلادها،
إشكاليات: الفساد الانتخابي/ تركيز السلطة بيد الذين وصلوا كراسي المسؤولية
بانتخابات مزورة أو بشراء أصوات الناخبين/ انعدام الشفافية في الحكومة، وفي مراكز
صنع القرار/ احتقار وإهمال ممارسة حرية الرأي وحرية الصحافة/ ضعف المساءلة،
وانعدام الإدارة المالية الملائمة/ ضعف سلطة القانون/ غياب الرقابة الكافية للحد
من الرشوة وسرقة المال العام/ إساءة استخدام السلطة العامة من قبل النخب الحاكمة/ الكسب غير المشروع/
وضع اليد على المال العام.
كما سيكون أمام مديريات هذه الوزارة مهام مكافحة الفساد الاقتصادي في
البلاد، ويرتبط ارتباطا وثيقا بالفساد الإداري والسياسي، ومن أهم مظاهره: التهريب
الضريبي/ غسل المال الحرام/ الغش الصناعي/ تزوير العملة/ سوء استخدام الوظيفة/
انعدام الرقابة على أسعار الاستهلاك/ تدهور أسعار الصرف وما يترتب عنها من عجز
ميزان المدفوعات/ تضليل المستثمرين في سوق الأوراق المالية/ تضليل المستثمرين في
المشاريع الصناعية أو الاجتماعية أو التجارية/ تهريب السلع والمخدرات والعملات
الصعبة. وغيرها من الجرائم التي تعيق الاقتصاد والاستثمار في بلادنا.
وسيكون من بين مهام هذه الوزارة أيضا... وبلا شك، مكافحة الفساد
الاجتماعي، وهو –كما يعلم الجميع- ليس معزولا عن الفساد السياسي/ الإداري/ الاقتصادي،
ويتوزع بدوره على مساحة واسعة، من الأفعال اللاأخلاقية إذ يتضمن الدعارة/ الإتجار
في الجنس البشري/ الرقيق الأبيض/ القمار/ التعاطي للمخدرات/ الانحراف الأخلاقي/ انتهاك منحى قواعد المجتمع/
تفسخ منظومة القيم/ ضمور القيم والمبادئ السامية، التجرد من المثل الأخلاقية/ استغلال الطفولة في
أعمال لا أخلاقية.
-4-
في نظر العديد من الخبراء، أن الفساد بأصنافه هذه، زيادة عن كونه لا
ينخرط بالقدر الكافي في اهتمامات الحكومة المغربية الراهنة، فإنه أيضا يؤدي إلى
إهمال إجراءاتها واستنزاف مصادرها المالية، وتقويض شرعيتها، وهو ما يؤدي إلى تقويض
التنمية الاقتصادية، وإحداث تشوهات وحالات عجز ضخمة، وإلى زيادة كلفة الأعمال
التجارية، وازدياد النفقات الإدارية الناجمة عن فساد الصفقات وانتهاك الاتفاقيات.
وعلاوة على ذلك يولد الفساد الذي عفا عنه رئيس الحكومة السابق، تشوهات
اقتصادية على مستوى كبير من الخطورة، في القطاع العام عن طريق تحويل استثمار المال
العام إلى مشروعات رأسمالية تكثر فيها الرشى. تدفع المسؤولين إلى زيادة التعقيدات الفنية لمشاريع القطاع العام،
وإلى إخفاء أو تمهيد الطريق للتعاملات غير المشروعة، ما يؤدي بالنتيجة إلى زيادة
تشويه استثمار المال العام. وفي القطاع الخاص، يؤدي الفساد الذي عفا عنه السيد
رئيس الحكومة السابق إلى خفض معدلات الالتزام بضوابط البناء والمحافظة على البيئة
والضوابط الأخرى، وإلى تردي نوعية الخدمات وزيادة الضغوط على ميزانية الحكومة
المهترئة. وهي مهام تقنية/ قانونية/ علمية، ستتطلب من الوزارة المقترحة، إضافة إلى
العلم... الخبرة الإدارية... والإيمان بالمواطنة وحقوقها. يقول خبراء الاقتصاد بأن
أحد أسباب اختلال معدلات التنمية الاقتصادية يعود إلى أن الفساد في بلادنا قد اتخذ
شكل منظومة تحرك رأس المال إلى الخارج بدلاً من استثماره في الداخل (وهو النمط
التقليدي والمحبط الذي نشهده في قيام بعض المسؤولين بإنشاء حسابات مصرفية لهم في
بنوك سويسرا وفرنسا وغيرهما). وتخزين ثرواتهم خارج البلاد لكيلا تطالها قرارات
المصادرة الحكومية في المستقبل.
-5-
وعن أسباب هذا الفساد الذي نقترح له وزارة مختصة، تتفق العديد من البحوث الأكاديمية، على أن "السلطة السياسية" في عالمنا اليوم، هي أصل وهوية كل فساد. (إداري/ اقتصادي/ سياسي) تعلل ذلك بالقرارات والتصرفات السياسية للعديد من الشرائح والفئات... فالسياسة لا تنحصر أثارها في القطاع السياسي، بل تمتد إلى الأفراد والأحزاب والمؤسسات والمجتمعات والقطاعات، خاصة وأن فاعليتها في كل الأمم والشعوب، تعتمد على "النخبة" التي تعمل على توزيع المصالح والمسؤوليات المتحكمة في المجتمع والقيم والأخلاق والأموال فيما بينها، وهو ما يجعل "الفساد" ابنا شرعيا للسياسة ولنخبتها.
وعن أسباب هذا الفساد الذي نقترح له وزارة مختصة، تتفق العديد من البحوث الأكاديمية، على أن "السلطة السياسية" في عالمنا اليوم، هي أصل وهوية كل فساد. (إداري/ اقتصادي/ سياسي) تعلل ذلك بالقرارات والتصرفات السياسية للعديد من الشرائح والفئات... فالسياسة لا تنحصر أثارها في القطاع السياسي، بل تمتد إلى الأفراد والأحزاب والمؤسسات والمجتمعات والقطاعات، خاصة وأن فاعليتها في كل الأمم والشعوب، تعتمد على "النخبة" التي تعمل على توزيع المصالح والمسؤوليات المتحكمة في المجتمع والقيم والأخلاق والأموال فيما بينها، وهو ما يجعل "الفساد" ابنا شرعيا للسياسة ولنخبتها.
وبتجربة الشعوب التي نخرها سوس الفساد. فإن النخبة السياسية
"المخدومة" والتي تصل السلطة خارج المشروعية أو بواسطة انتخابات مزورة،
أو في ظل ديمقراطية مغشوشة، قدرة على التوالد والتنامي والتجديد. وعلى تزويده
"بالآليات" التي تمكنه من فرض نفسه على البلاد والعباد، ليلقى بظلاله
على مصالح الناس، أينما وجدوا وكيفما كانت حالتهم الاجتماعية والمادية.
وبحكم العلاقات التي تفرضها السياسة على نخبتها، تصبح المصالح بين أفراد هذه النخبة خارج الشرعية والقانون، أو مرتبطة بقرارات ارتجالية. على يد هذه النخبة أهدرت قيم القانون في العديد من بلدان العالم الثالث. وصودرت الحريات العامة، وغيبت الرقابة القضائية والشعبية، وألغت مؤسسات المجتمع المدني، لتصبح "السياسة" مصدرا أساسيا للفساد، في أصنافه ومستوياته المختلفة.
وبحكم العلاقات التي تفرضها السياسة على نخبتها، تصبح المصالح بين أفراد هذه النخبة خارج الشرعية والقانون، أو مرتبطة بقرارات ارتجالية. على يد هذه النخبة أهدرت قيم القانون في العديد من بلدان العالم الثالث. وصودرت الحريات العامة، وغيبت الرقابة القضائية والشعبية، وألغت مؤسسات المجتمع المدني، لتصبح "السياسة" مصدرا أساسيا للفساد، في أصنافه ومستوياته المختلفة.
إن اتساع
الأدوار السياسية والاقتصادية والمالية للفاعلين السياسيين، الضعفاء والأميين
والموهومين، قد أدى في أقطار عديدة من العالم، إلى اتساع مواز لمنظومة الفساد...
وبالتالي أدى إلى انهيارات اقتصادية وأخلاقية، مازالت أثارها السلبية جاثمة على
الأرض.
وقد كشفت العديد من الدراسات الأكاديمية، أن الفساد الأخلاقي/ السياسي/ الإداري /
المالي، هو فساد مترابط ومتداخل مع ظواهر الإجرام الأخرى، المتصلة بالمجتمع
ومؤسساته المختلفة. وكشفت هذه الدراسات، أنه بسبب التراكم أصبح للفساد في العالمين
المتقدم والمتخلف على السواء، تقاليده ومؤسساته وسلطاته، لتصبح مكافحته صعبة
ومستحيلة في العديد من الدول، إذ بلغ اليأس حدا جعل العديد من الناس بها، يسلمون
بأن المكافحة لن تكون سوى ضربا من العبث، أو ربما كانت كالاعتراض على قوانين
الطبيعة، بعدما أصبح الاعتياد على الفساد، سنة أو نهجا في العيش وفي المعاملات
والخدمات وفي السياسات، له القدرة أكثر مما للقوانين التي تكافحه أو تنهى عنه.
-6-
وحسب منطق الدراسات العلمية والاجتماعية، فإن الفساد عندما يتخذ شكل "المنظومة" يتحول
إلى أداة فاعلة للقهر والضعف والهشاشة والتهور، وإلى مرجعية مركزية للتخلف الشامل،
الذي يحبط ويقضي على كل إصلاح... وعلى كل انتقال.
وعلى أرض الواقع، ساهمت "منظومة الفساد" إلى حد بعيد، في
إحباط وتآكل المشروعية السياسية، لعلاقة السلطة بالمجتمع، في العديد من البلدان
السائرة في طريق النمو، مما أدى إلى فشل مبادراتها الديمقراطية ومبادراتها في
الاستثمار الخارجي. وإلى استئثار جهة أو جهات معينة بالثروة الوطنية وبالامتيازات
الاقتصادية والسياسية، وهو ما أدى بالتالي إلى تعميق الهوة بين الشعوب وبين طموحات
العديد منها في الانتقال والإصلاح والتقدم.
السؤال: ألا يحق علينا في المغرب العزيز، الذي يعاني بشهادة قائد البلاد وسيدها من مساحة واسعة من الفساد الرجيم / ألا يحق لنا أن نخصص لهذا الفساد "العظيم" وزارة، لمحاربته ومواجهته، يمكن أن نجعل منها ومن هيكلتها، أم "الوزارات"، للتصحيح والإصلاح..؟
السؤال: ألا يحق علينا في المغرب العزيز، الذي يعاني بشهادة قائد البلاد وسيدها من مساحة واسعة من الفساد الرجيم / ألا يحق لنا أن نخصص لهذا الفساد "العظيم" وزارة، لمحاربته ومواجهته، يمكن أن نجعل منها ومن هيكلتها، أم "الوزارات"، للتصحيح والإصلاح..؟
أفلا تنظرون..؟
أفلا تدركون..؟