أجدني مسكونا بمستقبل وطني ومتوجسا مما قد تحمله الأيام القادمة على ضوء الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش الأخير. من هنا أرى أنه من واجبي، كمواطن مغربي عادٍ
وبسيط ليس له أي موقع سياسي أو إداري داخل الدولة، أن أتقدم بنصيحة قد تكون محل إهتمام أو تفكُهٍ ممن لا تزال له القدرة على السخرية في بلد يحتاج المبادرة الجادة فردية كانت أو جماعية.
أعتقد أن خطاب "ثورة الملك والشعب"، يوم 20 غشت القادم، محتاج لمداد غير المداد الذي كُتِبَ به خطاب 29 يوليوز، فالمستقبل المشترك يحتاج الى خطاب يحمل مشروعا لدولة عاشت من التجارب ما يكفيها لكي تفهم أن الديمقراطية هي القطار الوحيد الضامن للسير قدما وأن مدخلها الأول هو المدرسة العمومية مرورا بمحطة رفع اليد عن الفعل المجتمعي (حزب، نقابة، جمعية، صحافة، مقاولة..) علَّنا نصل الى محطة فيها الحد الأدنى من الرفاه والعدالة والحرية.
لقد بقي الخطاب الملكي منذ مدة رهين "شخصنة السلطة دون التّفكير في الدولة كفضاءً مستقل" كما جاء في كتاب «النصيحة السياسية» لعز الدين العلام، وإذا كان لابد للملك من مبادرات لإطفاء بعض الغضب الناتج عن أزمة الريف كمُعَبِرٍ عن أزمة دولة بأكملها فإن القصر الملكي محتاج في ظني المتواضع لما يلي:
1 – إجراء عملية "جْلالة" مستعجلة تزيل "الغشاوة الأمنوية" عن عين الدولة فورا حتى تُحول الأمن الى سياسة عمومية خادمة للمواطن والوطن بما يجعلها سلطة تنظم ولا تقمع الناس بناء على تقارير وتقديرات سياسية.
2 - النظر الى حراك الحسيمة والريف المجاور كفرصة تاريخية، ربما أخيرة، للإصلاح وليس حلبة لتكسير العظام.
3 - إعمال مبدأ المحاسبة بمنطق التأسيس لخطوة أولى في مشوار إستقلالية القضاء بإخضاع جميع الفاعلين لهذا المبدأ إبتداء من القصر مرورا بـ"خدام الدولة" في الحكومة والادارات وصولا لآخر مستشار جماعي مرتشي في جماعة قروية منسية، تجنبا لحملة تطهير لحظية.
4 - الفهم بأن الدمقرطة، في سياقنا المغربي، وجب أن تكون من فوق دونما انتظار لنتائج صراع طبقي أو ثورة إجتماعية تأتي من تحت لأن أي زلزال إجتماعي، أمام هذه الهزات الارتدادية في ظل مجتمع أمي وفقير ونخب جلها فاسد، ستسقط جَمَلنَا، جميعا، بما حَمَلْ، لا قدر الله.
هناك نقاط عدة يمكن اعتبارها مداخل أولية لبعث الأمل، يصعب سردها في مقال، لكن المهم هو أن تفهم المؤسسة الملكية والمشتغلين فيها وحولها أن المجتمع المغربي عرف تحولات غير مرئية كفاية وأن القصر ليس من مصلحته "إتلاف" إرثه في ميدان العدالة الإنتقالية، عبر قتل رمزي لتراث ادريس بنزكي، بتكديس المعتقلين السياسيين داخل السجون كما ليس من مصلحته خدش المجهود المنجز لصالح المرأة، على محدوديته، عبر صفع النساء في الفضاء العام واعتقال شابة فنانة في عمر الزهور كما أن القصر أنجز تقريره الخمسيني الذي وجب معاودة قراءته لتذكر ما حدثنا به عن حلم سَّماه "المغرب الممكن".
تاريخ المشرق والمغرب حافل بصور ملوك لبسوا تيجان الذهب وخر رعاياهم لهم ساجدين عند الأعتاب ولم يبقى من التيجان والصولجان سوى الصور وعلى مقربة منا ملكيات حديثة اعتذرت لشعوبها عن رحلة قنص للفيلة وأخرى حملت بلونات برتقالية في إحتفالات وسط الشارع/الفضاء العام يتقاسم فيها الملك كما الشعب فرح الإنجاز والإعجاز. إعجاز الملكيات البرلمانية المولودة هناك من رحم ثورات ملك وشعب.
الله يدينا فالضو.