تقديم مصطفى
لغتيري كاتب من المغرب : في رحلتها الطويلة منذ انطلاقتها البكـر في صـحراء العـرب، مـرت
القـصيدة العربيـة بمراحل عدة، استغرقت في بعضها زمنا
طويلا، كما حدث مع طغيان
عمود الشعر كمعيار َّ للصوغ الـشعري، فعمـ ر طـويلا، وحـدد الذائقـة الـشعرية
العربيـة، بـل أثقلهـا بكثـير مـن القيود، التي قد تكون قد أفادت الشعر العربي في
بعض النواحي، كتحصينه مـن الـضعف والركاكة مثلا، لكنها من جانب آخر ضيعت عليه
الكثير، وخاصة الانطـلاق نحـو الأفـق العالمي الرحب، الذي كان –بلا شك- سيضيف لها
الكثير، غير أنها في غياب ذلـك ظلـت محافظة على محليتها بكثير من الإصرار المبالغ
فيه، ولم يتأت لهـا بعـض مـن الانفتـاح إلا مـع قصيدة التفعيلة، التي سمحت لرياح
التغيير بأن تهب على الشعر العربي، بسبب المثاقفة مع الغرب بالخصوص أولا، وبسبب
التحولات الاجتماعية المتسارعة في القرن العشرين ثانيا، تلك التحولات التي لا
يجادل أحد في تأثيرهـا العميـق عـلى الإنـسان العـربي، بـما في ذلـك ذوقه الفني
والشعري. ومن حسنات
قصيدة التفعيلة أنها فتحت الأبواب واسعة لقصيدة النثر، التـي ورثتهـا جماليـا،
لتـذهب بعيـدا في الاغـتراف مـن معـين الـشعر العـالمي الـذي لا ينـضب ، لتطـال ٤ القصيدة
العربية نتيجة لذلك تحولات عميقة طالت بنيتـه وبنـاءه، ومـست لغتـه وإيقاعـه، وأثرت
على فلسفته ورؤياه.
وفي رأيي المتواضع أن أهم فتوحات القصيدة النثر المعاصرة اهتمامها
بشيئين مهمين في غاية الأهمية، وأقصد بهما الصورة الشعرية ، التي أضحت مكونـا
أساسـيا ومحوريـا في بنـاء القصيدة، والانتقال من سيطرة البعد الشفاهي على
القـصيدة إلى الاهـتمام بالبعـد الكتـابي، الذي أخذ تدريجيا يفرض سطوته على جميل
القول، أقصد الشعر.
ولعل التجربة الشعرية للشاعر حسن العـاصي مـن خـلال ديوانـه هـذا
الـذي ارتـضى تسميته"........" تبرهن إلى حد بعيد على ما ذهبنا إليه
بخصوص الصورة الشعرية ، التي تبدو من خلال قراءة أولية للقصائد أنها مهيمنة بشكل
كبير على بناء النصوص، فـلا يكـاد المتلقي يتجاوز سطرا أو سطرين حتى يفاجئه الشاعر
بصورة شعرية اجتهد في جعلها قوية ّ وأخاذة، حتى ليمكننا الحديث مع هذا الديوان عن
إيقاع الصورة الشعرية، الذي يبدو أنـه يعوض تدريجيا الإيقاع التقليدي بنوعيه
الخـارجي المتمثـل في البحـر الـشعري أو التفعيلـة والإيقاع الداخلي الذي يتجسد في
محسنات البديع ، كالجناس والطباق و السجع وغيرها. وتتميز الـصورة الـشعرية في الـديوان بخـصائص أهمهـا عـدم الركـون إلى
التـشبيهات التقليديـة المعرفـة، كـما أنهـا تمـتح مـن تـصورات فنيـة وفكريـة
متنوعـة كمـدرس العبـث واللامعقول مثلا.
recent
كولوار المجلة
recent
recent
جاري التحميل ...
recent