" عندما يأتي الفساد" كتاب
عبارة عن وثيقة ناطقة صارخة تستند في مرجعياتها على الدراسات الميدانية الوصفية
التقريرية، كما تعتمد في سياقها على المقاربات القانونية المقارنة لتقوية فضائها،
وتستمد في نفس الآن
مكونات عناصرها من تقارير لجان تقصي الحقائق البرلمانية ومن
تلك التي أنجزتها لجان الفحوصات المالية الدولية مما يعطي للكتاب أهمية قصوى
باعتباره يلخص بأمانة ما عرفه المغرب في مؤسساته الكبرى من تقصير في التسيير وتغاض
في المراقبة وتهاون في الاعتبار إلى درجة تفاقمت فيها الآفات وتضخمت.
والكاتب المبدع محمد أديب السلاوي
يعرض في هذا الكتاب، ما أصاب هذه المؤسسات من وهن وضعف وما آلت إليه من مآس
وفواجع، كما يعرض لما ينقدها من هويتها ويعيدها لأمجادها بعين الكاتب المتفحص
الناقد، الوطني الصادق المحب لوطنه ولأمجاد وطنه.
الكتاب زاخر بالتفاصيل، مليء
بالاستشهادات، جامع لما تفرق من احصائيات، محلل لظواهر الفساد المتفشية في مجتمعنا
المغربي الأصيل، داقا ناقوس الإغاثة ليتدارك سياسيونا ومثقفونا، والغيورون منا على
وطنهم، لتدارك الأمر والوقوف في وجوه الفساد وتشجيع بل والانخراط في كل المبادرات
التربوية والتعليمية والسياسية لاجتناب الفساد من أصوله، وللعنوان دلالته الموحية
فهو ينفتح على كل القراءات أجملها وأجلها : عندما يأتي الفساد تساوي
بالنسبة إلى كل قارئ ناقد : عندما يأتي الإصلاح/ وبضدها تتميز الأشياء.
فالعنوان يحمل رؤية تفاؤلية لا ظلامية
حزبية كما يبدو لأول وهلة، لأن أغراض الكتاب هو تشريح الواقع لإصلاحه والنهوض به وتلكم مزية
يتميز بها مبدعنا الكبير محمد اديب السلاوي.
وغلاف الكتاب الحدث بدأ : عندما يأتي الفساد/
بلون أحمر وتأويله من منظوري/ عندما يأتي الإصلاح/ الإنقاذ/ التغيير ثم أتبع مخرج
هذا المدخل رقم 1 في مربع بلون برتقالي ومعناه- هذه عتبة الحل فالرقم 2 هو للجواب بالإيجاب/
أما الجزء الثاني فقد كتب فيه الفساد على شطرين " الف" بالأبيض وتشير
الى العدد الرقمي 1000 معرفة/ وساد بالأسود كناية عن ظلام المعضلة المعطلة لكل تقدم
كامل وازدهار تام- تتبع علامتي؟! الاستفهام والتعجب-
استفهام عن المرض إلى متى؟ وتعجب من استمراره- الف+ ساد/ انه يتضاعف بمعايير
الحساب+ ويسود ويعم/ ثم تظهر تحت هذا الثنائي ورقتين: أولهما من فئة 100 درهم يبدو
جزء منها، وثانيهما من فئة : 200 درهم.
والمعنى واضح بكون هذا السائد الألف
يستعمل المال الرشوة المحرمة دينيا/ أخلاقيا/ إنسانيا لتحقيق المبتغى/ الراكب على
الغش والتزوير واذاية الخلق...
الغلاف الأخير للكتاب الوثيقة يلخص بشكل
علمي محتوى فصول الكتاب بناظم يجمع بينها بقبول المؤلف بلا مواربة :
" الفساد الذي عرفه المغرب خلال
العقود الماضية في القطاعات السياسية والاجتماعية والمالية والإدارية لم يكن مرضا
ظرفيا فهو كما سبقت الإشارة-(يعني عبر مضمون المؤلف) منظومة كاملة سيطرت بنفوذها
على دواليب مكنتها من القضاء على أي مشروع إصلاحي أو انتقالي(مافيا الفساد) لذلك-
يقول الكاتب الباحث- سيكون من أهداف اضاءات المشروع الإصلاحي- الكشف عن مكامن بعض
هذا الفساد ومنظومته من خلال بعض الشهادات والقراءات العلمية والإعلامية والسياسية
في محاولة للتأكيد على أن الحياد السلبي الذي اتخذته العديد من الفعاليات تجاه
مصالح المواطنين وحقوقهم جعل من الفساد قوة ومن الديمقراطية مطية لأعدائها وسلاحا
مغريا بيد الانتهازيين.
·
موقع الكتاب في مؤلفات ذ.م.أ.س
يقع هذا الكتاب / عندما يأتي الفساد، ضمن
سلسلة كتبه السياسية بكل تنوعاتها، لكنه يتكامل معها ضمن مشروع م.أ.س الإصلاحي فهو
كالطبيب المتمكن من تشخيصه يصف المرض الاجتماعي والآفة السياسية والانحراف
الاقتصادي ويعرض الدواء الناجع من موقعه كمحلل سياسي/ والتحليلات التي يطلبها
الطبيب المعالج تتمثل عند كاتبنا المرشد عبر التقارير والاحصائيات الوطنية
والدولية التي تبصرنا لما هو عليه حالنا وتفتح أعيننا لما نحن عليه من درجة في
التأخر أو التقدم.
·
التوجه الحداثي والمستقبلي في الكتاب
ينبع هذا التوجه من مقترحاته الصريحة
والضمنية لإيجاد صيغ الحلول الملائمة للنهوض بكل ما يعوق تقدمنا ورقينا إلى مصاف
الدول التي يضرب بها المثل في التحضر والتمدن والتشقق ذات الرغبات الملحة "
لتحقيق مجتمع الرفاه والكرامة والاستقرار
وهو ما جعلها تتموقع بقوة في الفكر الإنساني الحديث" ص 145- والإصلاح ذاته
عند م.أ.س " هو التغيير إلى الأفضل، والانتقال بالحياة إلى درجات أرقى في
السلم الحضاري وفي سلم التطور البشري، خاصة إذا تبلور في ظل شروطه الموضوعية، وفي
أوضاع قابلة للإصلاح وقيمه واختياراته..." ص 145، ويضيف كاتبنا محللا :"
وفي نظر الفقهاء ورجال الدين والمصلحين المغاربة فان الأسباب الجوهرية لتفشي
الفساد على الجسد الإداري المغربي يعود بالدرجة الأولى إلى تصدع القيم الأخلاقية
في المجتمع العام، في ظل تنامي الأنانية والفردانية والبرغماتية وغياب الوازع
الديني..." ص 51.
أما رؤيته
المستقبلية فتتجلى في قوله : " لا ينبغي للإدارة أن تبني عملها على النهوض
والتشريعات فقط ولكن بالدرجة الأولى على التأطير والعمل الابتكاري الإبداعي، وعلى
توظيف مستجدات المعرفة والعلوم الإنسانية التقنية المختصة(الانترنيت) لتحقيق الأداء
الناجع والمنتجع" ص 54.
·
الكتاب دراسة أكاديمية/ قراءات علمية، إعلامية
وسياسية
يتوزع هذا الكتاب عبر فاتحة وخاتمة(وبعد) وستة محاور
تجوب خلال المؤلف في تراتبية سهلة التناول- متسقة الأجزاء، مترابطة المفاصل، تروم
مقاربة الفساد بتفاصيله عندنا وعند غيرنا- الفاتحة تتطرق للفساد والمفسدون : ماهي
أسبابه؟ منظومته و المفسدون/ ملفات الفساد/ وخاتمته - يعدد فيها المؤلف مواطنها
ويؤكد " أن لبناء مغرب جديد حداثي وديمقراطي يتطلب التعامل (مع هذه الظاهرة
المعضلة) بجرأة وشجاعة وموضوعية...) ص 13.
·
الاضاءات الست :
خصص للعلاقة المترابطة بين السياسة والفساد/ بين الإدارة
والفساد،(الزواج الكاثوليكي) مساحة واسعة، حيث ركز على: البيروقراطية، الرشوة،
استغلال النفوذ، المحسوبية، الغطرسة، الانتهازية/ فقر السياسة وسياسة الفقر دوليا
ووطنيا/ الفساد المالي : أية رقابة على بحر الظلمات ( الصناديق وتدابيرها)/ آليات
المراقبة والتخليق ماذا تستطيع أن تفعل؟ (المجلس الأعلى للحسابات)/ إصلاح الحالة
أم حالة الإصلاح.
يقول باحثنا في خاتمة هذه الاضاءات :
" الإدارة المطبوعة بالتطلع الشعبي إلى أعتاب العصر
التكنولوجي الجديد، هي المفتاح السليم لكل تغيير ولكل تقدم وازدهار اقتصادي/
اجتماعي/ وحضاري قادم (التطلع للمستقبل). ص 162
·
المنهج والأسلوب
أ- المنهج : يزاوج الكاتب في هذا المؤلف بين منهجين اثنين في تناسق بينهما. المنهج
الوصفي بما له من خصوصيات تلامس قضايا المجتمع المغربي/ معضلاته عن قرب بآلية
مكبرة، ويقوم في ذلك بتحليل لمضامين الفساد وأنواعه وظروف تكوينه وانتشاره. دارسا
كل حالة على حدة، آتيا بكل المعلومات الدقيقة المتعلقة بها/ معتبرا إياها ظاهرة
اجتماعية وآفة خطيرة معززا أطروحاته بإحصائيات وطنية ودولية/ مفصلا تحاليله عن
ظواهر الفساد بكل تمظهراته/ رابطا بين عناصره، مستخلصا النتائج مما آل وسيؤول إليه/
مقدما الحلول والتوصيات الضمنية والصريحة. كل ذلك في تسلسل وضاء، من أجل ذلك سمى
فصوله بالاضاءات.
المنهج الاستقرائي زاوج به في ثنائية علمية ملحوظة بينه وبين
الوصفي، معتمدا في ذلك تجميع البيانات والاحصائيات عن كل ظاهرة عندما يأتي الفساد
ظاهرة للفساد متنقلا من الواحدة إلى الأخرى من الكل الى الجزء في عملية استنباطية déduction, متممة.
ب- الأسلوب :
الكاتب الباحث ذ.م.أ.س ينوع أساليبه في الطروحات التي
بتناولها اعتبارا للمادة التي يتناولها، وهو قادر على تشكيلها وتطويعها لتكون
مناسبة للمواضيع التي يتناولها بالبحث والدراسة.
وهو في هذا الكتاب السياسي ينهج نهج الأسلوب العلمي،
المخاطب للعقل بوضوح في التغيير وسهولة في العرض معتمدا على إظهار الحقائق وكشفها
بترتيب منطقي مستنجدا بالأدلة المتوفرة لديه والبراهين المستقاة من مصادرها-معطيا
للمصطلحات العلمية حظها.
ومع ذلك فالكاتب الباحث م.أ.س يراوده بين الحين والحين
خلال مضامين كتاباته المتنوعة الأسلوب الأدبي بإشراقاته ، فينساق مع
موسيقاه الجميلة، وتعابيره الرقيقة، وينغمس في إبداء عواطفه/ غيرته على ما حدث/
ويحدث، مقترحا الحلول المناسبة داعيا للعيش ضمن وطنه " ابنرشدي " فاضل،
كامل الصفات، نموذجي بين الأوطان في ارتدائه لحلل القيم الإنسانية المثلى.