-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

الحب في زمن الفايسبوك : زهرة عز

في ركن منزو من مقهى الشاطئ، جلست تتأمل الغروب، وتشهد قبلة الشمس للبحر، وهي تتوارى خجولة بدلال وجمال. نظرت الحسناء للشفق ما وراء الأفق، تبحث هناك عن حلم وردي راودها
ذات خفقة. انتبهت لفنجانها وقد برد، ثم ارتشفت بهدوء قهوتها السوداء، وهي تدندن " أغدا ألقاك" مع أم كلثوم، وقد صدح صوتها مبدّدا وحشة الصمت.
كانت عقارب الساعة تميل إلى السابعة مساء، والمقهى خال من الرواد. تعجبت، ثم تذكرت أنه موعد مقابلة لكرة القدم بين الفريق الوطني ونظيره الجزائري. لم يكن بالمقهى شاشة لعرض المباراة ففقدت زبائنها ذلك المساء. انتبهت لعيون ترقبها بتمعن وتخاطبها بإصرار.
 التقت نظراتهما. شاب ثلاثيني، وسيم بشعر أسود ناعم، وغمزاتين. ابتسم لها، فأبان عن أسنان ناصعة البياض.
استخرجت مرآة صغيرة من حقيبتها الجلدية واطمأنت على وضع الكحل بعينيها. أضافت بعضا من أحمر الشفاه وعدّلت من ياقة فستانها الأحمر، تريده أن يظهر مفاتن صدرها اليافع ما استطاع.  ثم ابتسمت له ورمته بنظرات كحيلة قاتلة..
وقف الوسيم، وتوجّه إلى مائدتها بخطى واثقة. كان رياضي المظهر، وفاتنا  بقميص أبيض وبنطلون أسود:
- هل تسمحين لي بالجلوس ؟ همس لها مبتسما،،
- تفضل
- سمير
- جميلة
مدت له يدا ناعمة، طبع عليها قبلة دافئة، فقدّرت لطافته وأدبه..
_ اسم على مسمى ما شاء الله، جميلة فعلا..
حكى لها عن حياته. هو ابن الحاج التاقي، المقاول المعروف، ويدير شركته الخاصة للاستيراد والتصدير. يسافر كثيرا لعقد الصفقات و يهوى الصيد والسباحة.
حكت له عن والدها الإطار الكبير بوزارة المالية ووالدتها الحاجة أمينة صاحبة مجموعة من المحلات للملابس الراقية.
كان لها موعد مع صديقة لها رجعت من فرنسا. اعتذرت آخر دقيقة لسبب طارئ، لذلك هي بالمقهى. كانت تستعد للمغادرة قبل مجيئه. إنها صدفة جميلة.

حكت له عن والدها الذي يلح عليها للذهاب لبريطانيا كي تتابع دراستها. هناك، يريدها أن تكون مسلحة بشهادة عليا تخول لها العمل إلى جانبه. هي غير متحمسة، وتحلم بإنشاء شركتها الخاصة لتنظيم الحفلات واللقاءات والمهرجانات، لذلك فهي تراوغ والدها وتحاول أن تقنع والدتها بوجهة نظرها..
عرض عليها أن يوصلها للبيت، لمحت له أنها ستنتظر السائق، وبعد إصراره وافقت بدون تردد. جلست إلى جانبه بسيارته الفخمة ولم تُبْد أي ملاحظة. بالتأكيد هي متعودة على حياة البذخ قال سمير في نفسه.
بحي آنفا الراقي، طلبت منه التوقف، غير بعيد عن فيلتها الكبيرة. لا تريد أن يراها أحد تنزل من سيارة غريب... تبادلا أرقام الهواتف، وحسابهما بالفايسبوك . طبع قبلة طويلة على يدها. ودّعها وهو يقول يكرر على مسامعها جمالية الصدفة التي جمعتهما.
تلصّصت جميلة على حساب سمير بالفايس. سمير البرينس. وجدت صورا لسيارات ومواضيع عن الصيد، وكثيرا من الأغاني الأجنبية. ابتسمت، وتأكدت أنه شخص مختلف، راق، يحب الحياة.
تلصّص سمير على حساب جميلة الأندلس. أغاني رومانسية، وصورا لملابس أزياء راقية، والكثير من الطبخ وحفلات الولائم. استنتج أنها راقية، وماضية قدما في تحقيق مشروعها ...
في الأيام الموالية، التقيا كثيرا بالعالم الأزرق، تقاسما كل شيء، اللقمة والهمسة واللمسة، وعندما دعا سمير جميلة لقضاء يوم الأحد بمراكش لم تمانع. كانت سعيدة وهي ترى أن فارس أحلامها بين يديها، ودفوف الزفاف ستدقّ قريبا.  كان سمير سعيدا وهو يرى أن صنّارته قد أصابت حلمه الذي ظل يبحث عنه. ها هو بين يديه. استعدّ سمير لحفل زفاف صديقه يوم السبت. كان وسيما بقميصه الزهري وبنطلونه الرمادي. زيِّن السيارة بالورود، وتوجّه للعرس.
في زقاق ضيق بدوار "الهجاجمة"، أوقف سيارته. أخذ صورة سيلفي وبعثها لجميلة. أجابته بقلب كبير أحمر تبعتها بصورة لها وكانت في أبهى طلّة. ماكياج كامل، متناسق. تلبس قفطانا مغربيا أحمر. كتب لها في تعليق عبر الواتساب: الأحمر يليق بك وأنت  أجمل من وردة برية حبيبتي، سأعد الساعات حتى نلتقي غدا.
استقبل العريس سعيد صديقه مرحّبا وصعدا درج البيت. كان السطح يعج بالمدعوين والمدعوات. يجلسون فوق كنبيات وكراسي داخل خيمة العرس. كان هناك ديدجي يمتع الحاضرين بأغاني شعبية تتمايل على أنغامها وإيقاعاتها الراقصة الفتيات الجميلات القصيرات والطويلات، النحيفات والبدينات، الشقروات والبيضاوات، وشباب الحي المتعطش لجغرافيات الأجساد والموسيقى.
حينما اقتربت منه رشيدة، أخت العريس، كان سمير يبتسم مجاملا، متابعا الرقصات وهو يرتشف الشاي الأخضر. سلمت عليه بحرارة، وقالت له:
_ تعالى معي، لم أنت جالس بمفردك؟ سأعرفك بشخص يسليك، حتماً سيعجبك....
 ابتسم مرحّبا، وهم واقفاً حين نادت رشيدة من باب السطح:
_  رابحة،  رابحة، أجي دابا....
 صعدت رابحة بسرعة. تسمّرت بالباب وهي ترى رشيدة تمسك بيد الوسيم.
- أعرفك بعبد الصادق صديق أخي منذ الطفولة، وولد الدرب. انتقل إلى درب غلف منذ سنتين، وهو سائق الحاج التّاقي، المقاول المعروف، وقد استأذن من الحاج الليلة لكي ينقل سعيد بسيارته...
-  رابحة بنت مّي سعيدة الطباخة، صديقتي وتساعد أمها في الأعراس والحفلات...
_ أكيد ستستمتعان مع بعض، ارقصا معا، فاليوم عرس سعيد، العقبة ليكم... ما شاء الله غزيولين بجوج... ههه
مدّ عبد الصادق يدا باردة، ومدّت رابحة أنامل مرتعشة، لم يبتسما. كانت عيونهما غاضبة وتصرخ:
_ أنت لست سمير وأنت لست جميلة.
جلسا صامتين وكأن على رأسيهما الطير . رأت رابحة حلمها قد تبخر، ورأى عبد الصادق حلمه وقد أصبح سرابا.
- لم لم تخبريني باسمك الحقيقي وهويتك الحقيقية؟؟
- ولم لم تخبرني أنت من تكون بدون زيف؟؟
انتفض عبد الصادق من مكانه،  متحججاً بالضوضاء كي سفر من عيون الحضور، ساحباً رابحة إلى خارج بيت الحفل. تبعته باستكانة حتى السيارة. أدار المحرك. وضع أغنية لأم كلثوم ثورة الشك، وقال لها بصوت متحشرج:
- أنا فعلا أعجبت بك، عاجلا أم آجلا كنت ستتعرفين على شخصيتي الحقيقية. ولدت بالهجاجمة، من أسرة فقيرة. درست وتخرجت من الجامعة، شعبة الاقتصاد لكنني لم أجد وظيفة، وعندما ضاقت بي السبل، توجهت لسمير وكان معي بالجامعة، لم يكمل تعليمه، لكنه أسس شركة للاستيراد والتصدير. عيّنني عند والده كسائق، وأنا أيضا أساعدهما في  حسابات الشركة والمقاولة التي يملكها أبوه  . أجد الثغرات والمنافذ الذكية كي يتهربا من الضرائب بأنجع الطرق. كنت متفوقا بدراستي ومتمكنا من أسرار المحاسبة.
طبعا لا أتقاضى أجرا إضافيا عن خدماتي الأخرى، ربما لهذا السبب أقدم نفسي كسمير ابن الحاج، راتبي الشهري، يصرفه سمير في جلسة مسائية مع أصحابه وهم يشربون قناني البيرة والنبيذ الفاخر ببلكونة بيتهم المطل على البحر. سئمت من عملي، وضقت ذرعاً بحجم الاستغلال الذي أعانيه. استويت مستلباً أشتغل ضد مبادئي. أشعر وكأني في دوامة عجلة أكسيون. لكني لم أجد بديلا. فكرت في منقذ ينتشلني من ضياعي، ولم أجد من حل سوى السعي وراء فتاة غنية  تقبل بوضعي، وقد تتغير حياتي بضربة حظ. كانت رابحة تستمع لعبد الصادق بتمعن واهتمام:
_ أنا أيضا من الهجاجمة. كبرت بغرفة صغيرة، ضيقة، مازلت أملأ قارورات الماء من ساقية الحي، وآخذ الخبز للفران الشعبي. انقطعت عن الدراسة بمستوى الباكالوريا بعد رسوبي المتكرر، لم أجد نقودا لدروس الدعم. أرافق أمي لمساعدتها في الطبخ في الولائم والأعراس. جمالي ربما جعلني أحلم بلقاء فارس يحبني، يقبل بوضعي وينتشلني من ظروفي القاسية، ويحقق أحلامي. رأيت فيك فارس أحلامي المفقود، وأجلا أم عاجلا كنت سأخبرك بحقيقتي بعد أن تقع في حبي.
دمعت عينا رابحة خيبة ويأسا، وهي تروي له معاناتها وأحلامها. لعلّ القادم أجمل، أضاف عبد الصادق. قد نحقق معا أحلامنا. من يدري؟؟.
عندما رجعت رابحة لبيتها الصغير، و كان قلبها مازال يدق خيبة، و طنين الصدمة يحفر  خازوقا برأسها، تمدّدت على سريرها البارد و هي تتطلّع لسقف رمادي بلون كآبة لبستها،،، فتحت هاتفها، دخلت لصفحة عبد الصادق، قرّرت أن ترميه خاج جدارها، و تطرده من عالمها ،، وكان هو قد سبقها...


عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا