تابعت يوم البارحة، وأنا على الطريق السيار، جلسة مساءلة رئيس الحكومة التي عقدها مجلس المستشارين حول موضوع تنمية اللغات والتعابير الثقافية،
وهي مبادرة مؤسساتية مشكورة لكنها تطرح عدة أسئلة أمام تكرار مثيلاتها دون أن يحصل التقدم المطلوب في تنمية اللغة والثقافة الأمازيغية وإنصافها الفعلي قانونيا ومؤسساتيا بعد طول انتظار على امتداد أكثر من سبع سنوات من الزمن المغربي المهدور، وبسبب وجود هوة كبيرة بين الخطاب والنقاش والمساءلة والممارسة، ومنها:
حظيت الأمازيغية بأكثر من 90 في المائة من مداخلات رئيس الحكومة والفرق البرلمانية، وهناك إجماع على نقد الوضعية التي آلت إليها والتراجعات المسجلة والتأخر الحاصل في تفعيل ترسيمها، ولم تثار بقية اللغات والمكونات الثقافية إلا بشكل جزئي، مما يؤكد أن نقاش الأمازيغية فرض نفسه كنقاش بارز وأولوي على الجميع ولا يمكن تصور أي تطور في النقاش الديمقراطي والحقوقي والتنموي الوطني دون إنصافها الفعلي وتمكينها من الشروط المؤسساتية والقانونية والمالية والبشرية الضرورية لذلك. لكن إلى متى سيستمر هذا الوضع إن كان الجميع متفق على نقده وضرورة إيجاد الحلول لتجد الأمازيغية سيرها وطريقها السوي، وما مصداقية هذا النقاش والمساءلة إن لم يحصل تقدم فعلي في تدبير الملف الأمازيغي وواقع الممارسة المؤسساتية؟
فرق الاتحاد الاشتراكي والحركة الشعبية والدستوري، وهي أحزاب مشاركة في الائتلاف الحكومي، تؤكد على الاختلالات والتأخرات الحاصلة وضرورة التقدم في ورش تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وفريق حزب الاستقلال كرر للأسف الأسطوانة القديمة، بل أن ممثله انتقد تركيز رئيس الحكومة على الأمازيغية في حين أن العربية تحتضر، وهذا تقييم ومقارنة غير صحيحة كما يعلم الجميع، وهو نفس الاتجاه الذي دهب فيه فريق العدالة والتنمية الذي كان الوحيد الذي يرى أنه تحققت انجازات في تدبير وضعية الأمازيغية، وركز على أكاديمية اللغة العربية وانتقد الفرنسية وموازين...وبقية الكلام مكرور ومعروف...
رئيس الحكومة ورئيس فريق الأصالة والمعاصرة تبنيا حرفيا الخطاب المطلبي الأمازيغي، وتنافسا في ذلك، "البام" انتقد أداء الحكومة خاصة السابقة وتساءل عن الخلفية الإيديولوجية لاستهتارها بالأمازيغية وتأخير القانونين التنظيميين لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وهدر الزمن المغربي، واستعار من خطابنا مقوماته العلمية والحقوقية مؤكدا على الإطار الثقافي التنموي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وأنه لا يمكن تصور ووضع مشروع تنموي جديد دون مقاربة تعتمد اللغات والثقافة وعلى رأسها الأمازيغية كمدخل أساسي، وسعد الدين العثماني يقر بالأخطاء والتخبط الذي تعاني منه الأمازيغية وانتقد قرارات بعض مديري الأكاديميات بتكليف أساتذة الأمازيغية بتدريس مواد أخرى، ووعد بعدم تكرارها، بل ذكر ببيانات المجتمع المدني الأمازيغي وساندها وثمن خبرته ونضاله. أين المشكل إذن؟ هنا يطرح من جديد سؤال المسؤولية والمصداقية على محك التفعيل والممارسة المؤسساتية الملموسة.
هادشي لعطى الله، غادرت الطريق السيار بعد هذه الرفقة، والسؤال العالق بدهني: متى ستغادر الأمازيغية طريق المنحدرات والارتجاجات لتأخذ طريقها السوي على المحاور الوطنية دون لف ولا تردد؟ وإذا كان الكل، باستثناء بعض الأصوات النشاز التي تجاوزها النقاش اللغوي والثقافي الديمقراطي الراهن، ينتقد الوضع الحالي ويؤكد على ضرورة إنصاف الأمازيغية والتمكين لها قانونيا ومؤسساتيا، فما المشكل وما مكمنه إذن، ومن المسؤول عن هذا الوضع، وما مصداقية النقاش والمساءلة والنقد والإقرار والمؤسسات إن لم يكن واقع الممارسة يعكس الخطاب ويساءل الأحزاب والمسؤولين والمدبرين؟ أزول.