أصدر معهد الدراسات الأمريكية والعربية بواشنطن دراسة حول علاقة الأمن القومي
الأمريكي بالشركات الكبرى تحت عنوان
(التجسس علاقة ربحية متبادلة بين "وكالة
الأمن القومي" والشركات الكبرى)
نظرا لأهمية الموضوع حاولنا أن نقدم تحليلا لهذه الدراسة وترجمتها بتصرف في
مركز ابن بطوطة، حيث تعتبر هذه الدراسة مؤشرا جديدا في حرب جديدة حول الحصول على
المعلومات والبيانات عابرة للقارات التي أصبحت تشكل القوة الأولى لأي حرب قادمة،
وقد اعتبرت الدراسة أن هذا الأمر خطير لأنه أفشى سراً جللاً وعظيماً
في عالم التجسس حول العلاقة الوطيدة والترتيبات العميقة بين وكالة الأمن القومي National Security Agency وكبرى شركات الاتصالات
الأميركية، إيه تي آند تيAT&T،
حيث تم كشف العلاقات التي توثق كل الترتيبات بينهما الخاصة بالتجسس
على كافة وسائل الاتصالات الالكترونية والهاتفية، ليس على الأجانب المقيمين في
الولايات المتحدة فحسب، بل على المواطنين الأميركيين أيضاً في انتهاك صارخ
للقوانين المعتمدة في النظام الأميركي والمتمثلة في عدم التعرض للبيانات الشخصية
للفرد دون إذن قضائي مسبق أو مبرر قانوني هذا السر كشفت النقاب عنه نشرة ذي
انترسيبت الإلكترونية بتاريخ 25 يونيو 2018 في تحقيق مطول استند في جزئياته
على ما لم ينشر سابقاً من بيانات كانت بحوزة المتعاقد السابق مع الوكالة المذكورة
السيد إدوارد سنودن.
وقد أضحى من البديهيات في عالم التقنية المكثف أن شبكة الاتصالات العالمية
الهائلة تخزن العديد من البيانات بصورة أو بأخرى عبر خوادم وأجهزة وشبكات
أميركية إما داخل أراضيها أو تلك المملوكة لمصالحها الاقتصادية والمنتشرة حول
العالم لا سيما في أوروبا ومناطق أخرى من العالم وإستناداً إلى
"الملكية الأميركية" لتلك الأجهزة أو مكوناتها خوّلت وكالة الأمن القومي
نفسها باعتراض والاحتفاظ بنسخة أو أكثر من أي شيء يمر عبر تلك الاجهزة من
بيانات واتصالات الكترونية يومية غير مقيدة في المعاملات المصرفية مثلاً، وإنما
تشمل كل ما يطرأ على خيال المرء في القرن الحادي والعشرين.
من المسلمات أيضاً خضوع تلك البيانات اليومية إلى أجهزة تنقية ونسخ وفرز
واستغلال كامل حيث تستخدم تقنيات بالغة التعقيد تعرف بـ سيغ إنت SIGINT– ذكاء الإشارة تطبق أحدث
ما توصل إليه العلم في مجال "الذكاء الإصطناعي لتفكيك ورصد وتعقب جزئيات
متناهية من المعلومات المحددة سلفاً.
ويبدو أن العلاقة القائمة بين المؤسسة الاستخباراتية بمجملها والقطاع الخاص
الأميركي ظهرت للعلن في مطلع عام 2003 عندما تداولتها كبريات الصحف ووسائل الإعلام
الأميركية حينئذ بالقول أن شركة إيه تي آند تي صدًرت أمراً لأحد كبار خبرائها السيد
مارك كلاين لتسخير كفاءته وخبرته لمساعدة وكالة الأمن القومي بزرع معدات وأجهزة
تنصت داخل أقسامها الرئيسة (الواقعة) في غرفة رقم 641-A"
في مقر الشركة بمدينة سان فرانسيسكو.
كما أن العلاقة المترابطة بينهما سلط الضوء عليها في تقرير ليومية
نيويورك تايمز استناداً للوثائق المسربة عام 2015 عن طريق المتعاقد السابق إدوارد
سنودن.
بيد أن انخراط الشركة المذكورة في توفير خدمات تجسسية يعود لعام 1985، وفق
وثائق الوكالة المتداولة أما وقوع الاختيار عليها فيعزى إلى الثقة
الفائقة لوكالة الأمن القومي (بها) ونظراً واستعدادها الدائم توفير المساعدة أي
معالجة الكم الهائل من البيانات وفرزها وفقاً لمعايير ذات أهمية استخباراتي
وهناك العديد من البرامج في هذا المجال منها برنامج فير فيو FairView الذي استحدث عام 1985، لغرض رئيسي وهو
مراقبة المواطنين والمقيمين في الولايات المتحدة، حتى أولئك الذين لا يستخدمون
موارد وخدمات شركة إيه تي آند تي عبر مقرات رئيسة للشركة تخصصها بسرية تامة موزعة
على ثمانية مدن أميركية محورية: أتلانتا؛ شيكاغ. دالاس؛ لوس أنجليس؛ نيويورك؛ سان
فرانسيسكو؛ سياتيل؛ وواشنطن العاصمة.
وقد أشار التقرير إلى الكشف على طبيعة المباني العالية لتلك المراكز
المخفية التي أنشئت كي تنساب تلقائياً مع ما يحيطها من أماكن تجارية وغيرها
تفادياً للكشف عنه وأردف التقرير المذكور أن هناك أجهزة رقمية منوط بها
اعتراض الإشارات اللاسلكية الصادرة عن الأقمار الإصطناعية والمتبادلة بين مختلف
الأقمار الوسيطة والأجنبية منها ماهو مخصص لمنطقة الشرق الأوسط للتنصت
على مكالمات وترددات الكتروني ترصد ما يدور من أحداث وغيرها، بحيث كان البرنامج
المعد يرسل نحو مليون رسالة الكترونية يومياً إلى مقر الوكالة في ضواحي واشنطن
العاصمة تتضمن جزءاً من مصطلحات شائعة: قنبلة، تفجير.قتل جهاد .. الخ.
وفي المعدل فإن ما يتوفر لدى الوكالة من بيانات يومياً يقدر حجمها الهائل بنحو
49 تريليون صفحة تسخر لها أحدث التقنيات الرقمية والحواسيب المتطورة والخبرة
البشرية المختصة لفرزها بعد جمعها من مقرات شركة الاتصالات المذكورة والتعاطي معها
في مقر الوكالة المذكور بالقرب من العاصمة واشنطن.
وثائق سنودن المفرج عنها في المرة الأولى تحدثت عن برنامج تحليل الكتروني ضخم
للوكالة يعرف بـنظام بريزم – الموشور، مهمته فرز بيانات الاتصالات الداخلية
للأميركيين. وقد أثار جدلا سياسياً وأمنياً أنذاك استدعى بعض لجان الكونغرس لعقد
جلسات استماع لمدراء الأجهزة الاستخباراتية لاستيضاح ما نشره سنودن في صحيفة
نيويورك تايمز والذين كذبوا على الملأ بالادعاء أن الوكالة لا تنشط في أعمال
التجسس الداخلي أو لجمع بيانات تخص المواطنين الأميركيين.
وبالرجوع وقائع الأحداث في التاريخ القريب فمن غير المتوقع
أن يتم تقييد صلاحيات ونفوذ اخطبوط الشركات الخاصة أو الشركة المعنية امتداداتها
داخل الأجهزة الرسمية، بسبب تداخل المصالح وما تملكه بعض الشركات من تقنية عالية
لتوفير أدق المعلومات لوكالة الأمن القومي الأمريكي رغم الخلافات الحادة في هذا
الموضوع وما الخلاف حول نتخابات ترامب إلا جزء من هذا الصراع، وبالتالي يمكن
اسنتاج مايلي:
.يبدو أن التنافس على الحصول على المعلومات بأي تكاليف وبأية طريقة من طرف
الأجهزة الأمنية، ودخول الشركات الخاصة على الخط والتنافس في كسب الصفقات ذات
الأرقام الخالية جعل استباحة المعلومات الشخصية والخاصة عرضة للكشف والبيع
والاستغلال بدون علم أصحابها ضدا على جميع القوانين الوطنية والدولية
.أن معظم المعلومات التي يتم الحصول عليها يتم بيعها والتصرف فيها وفقا للطلبات
المتعددة وكذلك الوكالات الاستخباراتية الدولية مما يمكن الدول العظمى
من إضعاف بعض الدول وابتزازها والضغط عليها
.أن الشركات التي تكلف بجمع البيانات أو بالأحرى التجسس عليها يمكن أن تكشف ذلك
في حالة خلاف مع الوكالات الاستخباراتية مما يؤدي إلى إفشاء الأسرار الأمنية
وخصوصا إذا كانت هذه الشركات أجنبية لايهمها إلا الربح من وراء ذلك
.أن المخالفات القانونية في مجال المعلومات والبيانات من طرف الدول العظمى تضرب
في الصميم كل القوانين السيادية للدول ومخالفة كذلك للقوانين الدولية التي توفر
حماية للدول والشعوب
.إنه يجب على الدول التي لاتملك قوة تكنولوجية أن تحتاط في التعامل مع الشركات
الخاصة التي لا تلتزم بحماية البيانات والمعلومات وفق الشروط المتفق عليها حتى
لاتتعرض الدول للخطر وكشف الأسرار الأمنية والمعلوماتية التي تعد سرا من أسرار
الدول .