ليس واجبُ الخدمةِ العسكرية مسألةً جديدةً في
تاريخِ المغربِ الحديثِ أو المعاصر. لقد تَم اعتمادُ هذا الواجبِ بشكلٍ رسمي من
لدنِ الدولةِ المغربية منذ منتصف ستينياتِ القرن الماضي،
وبصفةٍ تطوعيةٍ كلما
تعرضتْ بلادنا للمخاطرِ الخارجية، في علاقةِ الحكمِ المركزي بالقبائل، وذلك منذ ما
قبل حكمِ العلويين...
ولا بد في هذا السياق، وبلادُنا تتوجهُ إلى
اعتمادِ واجبِ الخدمةِ العسكرية في الأمدِ القريب، من استحضارِ تلك التخوفاتِ
الموصولةِ بإعمالِ هذا الواجبِ، والمنحدرةِ من سوءِ التنفيذ خلال فترةِ حالةِ
الاستثناء... وهي الفترةُ المعروفةُ في تاريخنا الحديثِ بسنواتِ الرصاص القاسية أو
بالفترةِ الأوفقيريةِ البغيضة...
إن استحضارَ هذه التجربة، يعني من جملةِ ما
يعنيه أو ما يجبُ أنْ يعنيه، النظرَ إلى هذا الاستحقاقِ الوطني نظرةً بناءةً
خلاقةً مُثمرة، تترفعُ فيها الدولةُ عن أي استخدامٍ عشوائي أو انتقامي، لهذا
الواجبِ... ويترفعُ فيه شبابنا من أي تهربٍ أو تحايلٍ على أدائه وعلى الاستفادةِ
منه في تجربةِ المواطنةِ والتأهيلِ والحياة...
لا شك أن عدداً لا بأسَ به ممنْ عاشواْ هذه
التجربة كشباب، في الستينياتِ أو السبعينياتِ من القرنِ الماضي، هم اليوم أحياء
يرزقون بيننا... ولا شك أن البعضَ منهم يتذكرُ آلامَ الاستخدامِ السيئِ لهذا الواجبِ
في حقهم... لكننا اليوم، نوجدُ في أوضاع مغايرة، ويحتاجُ إعمالُ هذا الاستحقاقِ
على أرضِ الواقعِ إلى رؤيةٍ وطنيةٍ إصلاحيةٍ مندمجةٍ بناءة، تُحَولُ طقسَ هذا
الواجبِ الوطني إلى أوراشٍ حقيقيةٍ للتدريبِ ولاحتضانِ الطاقاتِ والميولاتِ
والكفاءاتِ الشبابية ولبناءِ الشخصيةِ الوطنيةِ المقاومة... ولنا في هذا السياقِ،
وفي تجاربنا الوطنيةِ الحديثةِ،دروس "طريق الوحدة" وحماس بدايةِ
الاستقلال...
ولا بد في هذا المضمارِ أيضاً، من أخذِ
النظرةِ العلاجيةِ بعين الاعتبار... سيما أن أعداداً وافرةً من شبيبتنا، تأنيثاً وتذكيراً،
تمر من وضعياتٍ نفسية كالكآبةِ والانطواءِ والقنوطِ والإدمانِ بكل حالاته
الحديثة... وذلك بما يجعلُ هذا الواجبِ يرتقي إلى صفةِ الاستحقاقِ الوطني، أو
الورشِ التأهيلي المسهمِ في إعادةِ الإدماجِ وبناءِ التفاعلِ الإيجابي للشبابِ مع
قضايا العصرِ، ومع مستجداتِ الحاضرِ وتحدياتِ المستقبل على حد سواء...
كَمْ أتمنى أنْ يُنظرَ إلى هذا الاستحقاقِ الوطني
من ثُقبِ ضياءِ هذه الزوايا البناءة وهذه الرؤيةِ السديدة... أعني من خلالِ نظرةٍ
تدريبيةٍ تأهيليةٍمبدعةٍواعدة، أوعبر نظرةٍ تكوينيةٍ علاجيةٍ إدماجيةٍ خلاقة...
وذلك بما يساعدُ الأسرَ في الاطمئنانِ على فلذاتِ الأكباد، وبما يسهمُ في تحضيرِ وإعدادِ
أكبرَ عددٍ ممكنٍ من شبيبتنا الغاليةِ،في أفقِ مجابهةِ التحدياتِ الذاتية
والجماعية، في الحاضرِ والمستقبل...
وإنني أحلم...!