ضمن سلسلة محاضراته بالديار الإسبانية قدم د. محمد
البندوري محاضرة حول أسلوب الخط بغرناطة الاسبانية، وقال: إنه بالتوجه إلى المنطقة
الغربية من الرقعة الإسلامية،
تتخذ ملامح العمارة خصائص خطية ذات أبعاد دلالية، وأخرى
جمالية، يتبدى ذلك من خلال الأساليب الخطية في الأندلس والمغرب الأقصى، فعندكم في غرناطة
أثبتت بعض الدراسات الإحصائية أن بهو السفراء(قراميش) لوحده يحتوي على 3116 كتابة عربية،
وتتكر (ولا غالب إلا الله) أكثر من مائة مرة، وهو ما ينم على تجسيد العلاقة الوجدانية
القائمة على مبدأ الخط البصري. فأمام الإنجاز
الغرناطي الفخم، فإن الإحساس بالعظمة قائم،
والتكرار ملازم للوقع في البصر، ومنه إلى الشعور والاحساس بهذه العظمة، وهذا الإنجاز
الضخم، باعتبار أن مجال الرؤية البصرية، الذي بدأ مع ابن رشيق من خلال العمدة، ونما
بالموازاة مع توظيف الصورة الجمالية خلال هذه الفترة مع حازم القرطاجني، من خلال منهاج
البلغاء، والتجسيدات التي طالت مجال الأشكال البديعية مثل التختيم مع أبي البقاء الرندي،
والتشجير وغيرها مما برز في القرنين السادس والسابع الهجريين بالأندلس والمغرب، قد
كان له الأثر البليغ في اكتساب الخط المرئي دلالات بصرية، تقتحم مجال الحس بفضل المتكررات
من الحروف أو الكلمات أو الجمل. وهذا الأسلوب، تميزت به غرناطة تحديدا. أما من حيث
البعد الجمالي والذي يتحدد هو الآخر بالرؤية البصرية، فقد اعتبر النقاد التجليات الجمالية
للخط العربي في العمارة هنا بغرناطة بالديار الاسبانية، الأنموذج الأقوى الدال على
روعة وحسن الخط مقارنة بباقي الاستعمالات، بالرغم مما يصدفه المنحى الجمالي من نقدات
تتخد سبلا متعددة. لكن هناك دراسات، تمنح الجمال الغرناطي حقه، وتمنح الابداع في الخط
حقه في التجديد، وتخصص له حيزا دلاليا استشهادا بكل هذه الخطوط العربية المتكررة والمتقابلة
وكل المشاهد الخطية بغرناطة.
فالجمال والزينة
هنا بغرناطة يحملان دلالة مقصدية داخل البناء في القصور وكذلك في المساجد التي تحولت
إلى كنائس، فما هو مكتوب له سمات روحية ولعل من التفاسير التي وردت في هذا الشأن، تدل
على ذلك. كما أن تخصص الخط بطابع المناطق هو قائم وأذكركم بمحاضرات السنة الماضية بقرطبة
فللخط بقرطبة طابعه الخاص وباشبيلية طابعه الخاص وهنا بغرناطة له طابعه الخاص وذلك
لأن الانتقال من منطقة إلى أخرى يمنحنا تغييرا في الخط فعلى مستوى الأندلس جميعها نجد
كل منطقة يتغير شكل الخط الأندلسي نوعا ما بين شرقها وغربها وبين وسطها وجنوبها وهذا
كان قد انتبه إليه بعض الدارسين منهم العلامة المنوني رحمه الله. وهذا التغيير يرتبط
بعدة عوامل منها ما هو حضاري ومنها ما هو طبيعي ومنها ما هو فيسيولوجي ومنها ما هو
تقني ومنها ما هو معرفي.ولا شك أن هذه الأبعاد، قد حضرت كذلك في التجربة المغربية بالموازاة
مع التطور الذي عرفه الخط المغربي بالمغرب وتمظهربتجلياتهبطابعه الخاص في العمارة الإسلامية،
وتتجلى الاستعمالات
اليومية للخط الأندلسي والخط المغربي في النقود والأنسجة وكل وسائل الحياة اليومية.
وكلها تتوحد في اتخاذ الشكل الجمالي الأمثل وكذلك في اشتمالها على العبارات المتنوعة
ذات الدلالات المتعددة.
وقد اتخذت التجليات
منحى جماليا آخر في غرناطة، حيث بدت صور الحروف في أشكال تعبيرية مغايرة للمألوف وما
كان عليه حال الخط في الشرق، سواء على الخزف أو الخشب أو الجدران وغيرها من الوسائل،
واتخذ الخط الأندلسي هنا صبغة خاصة في تناوله المادة الشعرية بنوع من التغيير في الشكل
في نطاق ايجاد بلاغة جديدة تخرج القصيدة العربية من روتينها المعتادة، إلى شكل جديد،
فاتخذ الخط رمزا دلاليا اعتمد الرؤية البصرية ومجالا تعبيريا صرفا.
لقد خلد الخطاطون والصناع في غرناطة حضارة استوقفت
الناظرين، واستوقفتنا جميعا وإلا لماذا نحن هنا؟ وهي مثار إعجاب وذلك لطرقها أساليب
ابتكارية أضفت على المشهد الخطي والفني والثقافيبغرناطة أصباغا جمالية جديدة.وهي الآن
تسهم في التنوع السياحي والثقافي. إن تنوع الطرق والأساليب الخطية بالأندلس والمغربأفاد
بوجود بصمة خطية بغرناطة وأسلوب خاص هو أسلوب غرناطة.جميل في استعمالاته وفي كل الوسائلتظهر
روعتهوجمالهلأنها تمتلك مفاهيم فنية تمتح من الأساليب المغربية / الأندلسيةمقوماتها
الفنية ومن روح الثقافةالمحلية كل الجوانب المعرفية والجمالية التي يتم توظيف مفرداتها
بدقة بالغة وعناية فائقة مما منح غرناطةامتزاجا فنيا وروحا خطية ذات قابلية للتشكيل
وجاذبة للعيون. وقد تنوعت الكتابات الإبداعية بالخط الأندلسي داخل غرناطةوتنوعت الطرق
الفنية والأشكال الجمالية بتوظيف محكم لمختلف الجماليات الفنية غير المعلنة في عدد
من النصوص، وهي تعد إبداعات جمالية عالية القيمة الفنية من حيث دقة الوضع ودقة الرسم
وجمال الإيقاع والتنسيق.وبذلكيعتبر الخط الأندلسي بهذه البقاع الجميلةإرثا ثقافيا وحضاريا
خصبا متنوع الرؤى والتصورات والمعاني ويتمتع بحب الزوار من مختلف بقاع العالم.