حكاياتُ المهرجِ
والملك، أو قصصُ الملكِ والمهرج، ليستْ جديدةً أبداً...!؟
إن عددَ خرجاتِ
المهرجِ عندنا، كلما فاضَ عن لسانِ الملك قولُ في التعليم، أو عن التعليم، أو
بجوارِ التربيةِ والتعليم...
يؤكدُ استمرارَ تدفقِ هذه الحكايات، وكذا التوالدَ
المتواصلَ لمهنةِ المهرجِ في تاريخنا المعاصر...!
بهذه المناسبةِ فقط، والسيد عيوش شاهداً،
تحضرني واحدةً من أجملِ حكاياتِ المهرجِ والملك أو من قصصِ الملكِ والمهرجِ، سوف
أرويها لكم ولكن، على سبيلِ التوطئةِ وتعديلِ المزاج:
في غابرِ الزمن، وقبل أنْ تصيرَ مهنةُ المهرجِ في
متناولِ مَنْ هَب ودَب من الدخلاء، يُحكى أن الملكَ قد خرجَ يوماً، متخفياً
متفقداً أحوالَ الناس،فطافَ أرجاءَ العاصمةِ،ورأى بأم عينيه أصنافَ معاناةِ الناس
وحجمَ تدهورِ أحوالِ البلد، ثم تألم ألماً شديداً لما رأى ولما سمع...؟
وحين استلقى الملكُ في آخرِ المساءِ فوق فراشه المريحِ في قصره، أحس بالعياءِ وشعرَ بالوجعِ ينغُلُ شديداً في جسده وروحه منأخمصِ قدميه، وذلك من سوءِ حالِ الطرق ومن كثرةِ ما مشى،فنادى على المهرج، شاكياً له حالَ رِجليْه، ثم طالبه بأنْ تُستصدرَ التعليماتُ والأوامرُ باسمه، كي تُفرشَ بالجلدِ المريحِ كل شوارعِ وطرقِ وأزقةِ المدينة، حتى إنْ خرجَ في الغدِ لاستكمالِ تفقدِ أحوالِ الناس، سلِمتْ قدماه من أوجاعِ الألمِ والعياء...
وحين استلقى الملكُ في آخرِ المساءِ فوق فراشه المريحِ في قصره، أحس بالعياءِ وشعرَ بالوجعِ ينغُلُ شديداً في جسده وروحه منأخمصِ قدميه، وذلك من سوءِ حالِ الطرق ومن كثرةِ ما مشى،فنادى على المهرج، شاكياً له حالَ رِجليْه، ثم طالبه بأنْ تُستصدرَ التعليماتُ والأوامرُ باسمه، كي تُفرشَ بالجلدِ المريحِ كل شوارعِ وطرقِ وأزقةِ المدينة، حتى إنْ خرجَ في الغدِ لاستكمالِ تفقدِ أحوالِ الناس، سلِمتْ قدماه من أوجاعِ الألمِ والعياء...
قال كبيرُ البَصاصين ومَنْ معه؛ مِنَ الآن
نحولُ كل شبرٍ في العاصمةِ وغيرِ العاصمة، جلداً ناعماً مرصوصاً، يا أيها السلطان
العظيم، ثم انصرفواْ للتنفيذ... أما مهرجُ السلطان، فقد ظل صامتاً بعضَ الوقت، ثم
قال للملك؛ لماذا لا نكتفي بوضعِ الجلدِ في قدميك، وكفى المملكة شر الجلدِ
والتجليدِ والمُجلدين...؟
راقتِ الفكرةُ الملكَ كثيراً، فوضعواْ الجلدَ على
رجليه وطافَ العاصمةَ وكل البلد، بلا وجع... وفورَ عودته للقصر، علمَ أن كل الناسِ
قد فعلواْ مثله... ويُقالُ فيما يُقال، أن اختراعَ الحذاء قد بدأ من هنا... وأن
الحكمةَ في أنْ يبدأَ الحاكمُ من إصلاحِ نفسه، فيصيرَ قدوةَ لكل الناس، قد انطلقتْ
من هنا أيضاً...
آنذاك، كان المهرجُ أصيلاً، يقدرُ حجمَ وثقلَ
المهامِ الملقاةِ على عاتقه، يُرَوقُ مزاجَ الحاكمِ... وإنْ اضطر لإسداءِ النصحِ مرةً،
جاءتِ النصيحةُ حباً في الملك وحباً في إصلاحِ أحوالِ الناسِ والبلاد، كي يظل
الملكُ عادلاً حصيفاً محبوباً في سجل التاريخِ وذاكرةِ وطنه وشعبه... بيد أن
الأمرَ يبدو اليوم، في زمنِ التطفلِ والمتطفلين والطفيليين، كما لو أن يدَ الردةِ
والرداءةِ قد امتدتْ لتطالَ كل شيء، بما في ذلك مهنة مهرجِ الملك المنقرضة...!؟
ولعل حالُ التعليمِ عندنا، وقد صارَ تاريخه
تاريخَ أزماتٍ أو تأزيماتٍ منذ الاستقلال، لم يعدْ يحتمل لا خردةَ العطار ولا مقصَ
الحجام ولا دارجةَ المهرجِ أيضاً...
إن القسطَ الأعظمَ من مشكلِ التعليمِ ببلادنا
يوجد في محيطه، والقسطُ الباقي يوجدُ في السياساتِ والاختياراتِ وفي المنهاجِ
أيضاً.. أما بخصوصِ مسألةِ اللغاتِ عموماً وقضايا لغةِ تدريسِ العلومِ خصوصاً،
فالتركيزُ عليها بمعزلٍ عن التوجه لإصلاحِ محيطِ التربيةِ والتعليم واستصلاحِ
السياساتِ والاختياراتِ والمنهاجِ أيضاً، فكمثلِ مَنْ يحرثُ بالدجاجةِ، إنْ تُركتْ
نَقبتِ الزرع، وإنْ ضُربتْ ماتتْ...!؟
لا أريدُ هنا، لا رأس العطار، ولا رأسَ الحجام
أو المهرجِ مثلاً... سيما، وأننا قد تعبنا من خردواتِ فرنسا والتبعيةِ العمياء وغيرها،
ومن نشاطِ مقص الحجامِ على رؤوسِ اليتامى، ومن دوارجِ المهرجِ المعاصر وخرجاته
المسمومة...!؟
ولنا أنْ نتساءل، هنا والآن، على سبيلِ
الافتراضِ فقط؛ ماذا كان سيحصل لو نَحا ملكُ ذاك الزمان منحَى فرشِ الطرقاتِ
والأزقةِ جلداً رحمةً بكعبيه، عوض أنْ يكتفي بوضعِ الجلدِ على أخمصِ قدميه...؟
ألنْ يكونَ المصيرُ ساخراًوشبيهاً بمآلِ الدعوةِ إلى فرشِ مسالكِ تعليمنا
بالدوارجِ، عربيةً أو أمازيغيةً كانتْ، وذلك في سياقِ محاولاتِ إرجاعِ البلادِ
والعبادِ إلى عهودِ ما قبل ظهورِ اللغة والأبجدية على حد سواء...؟ وأيضاً في إطارِ
ما يريده العطارون والحجامون القدامى والمهرجون المُحْدثون لتعليمنا وللبلدِ كله،
من إغراقِ الغريق أو الإلهاءِ عن إنقادِ الغريق...!؟
على المحيطِ أنْ ينفتحَ على التعليمِ، وليس
العكس... على الإصلاحِ الحقيقي العميقِ أنْ يمتد لأعماقِ هذا المحيط ولمعالجةِ
أسبابِ الداء عوض الأعراض... وإلى إصلاحَ واستصلاحَمفاصل الدولة
والمجتمع، قبل كل شيءٍ وأي شيء... ولحظتئذٍ فقط قد تنبثقُ أسئلةُ تعليمنا
الحقيقية، أما والحالُ على ما هو عليه، فيُرجى أنْ يُتركَ تعليمنا على ما هو عليه
(...)، ذلك أن حالَ هذا التعليمِ ليس سيئاً أو سوداوياً كما قد نتصور... لكن حال
هذا المحيط، أعني حالَ محيطِ التعليمِ الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي،
ليس أبداً على أحسنِ ما يُرام...!؟