شهدت الساحة الأدبية حراكاً ثقافياً نوعياً يتخذ وجهة جديدة من خلال محاكاة تجارب جديدة في الكتابة الحديثة تسمى بالكتابة الرقمية،
فظهور الوسائط والأدوات الجديدة اتصالياً ومعرفياً طرحت نفسها بقوة لقيادة موجة من التغيير في بنية الذهنية الكتابية، لكن هذه الموجة مازالت في إطار التنظير، حتى أنه لا يوجد الا تجارب نقدية محدودة تناولت الظاهرة بالدراسة والنقد.
منذ حوالي عشرين عاماً ظهر في الساحة الأدبية انتاج أدبي يقرأ على شاشة الكمبيوتر، ومن خصائصه أنه يقوم بدمج الوسائط الإلكترونية المتعددة، نصية وصوتية وصورية وحركية في الكتابة في فضاء يسمح للقارئ بالتحكم فيه.
وقد سمي هذا الانتاج بالأدب الإلكتروني أو الأدب الرقمي، كما ينعت أيضاً بالأدب التفاعلي، إن محاولة تحديد مفهوم للأدب الإلكتروني جعلنا نناقش مختلف المفاهيم التي تقدم لضبط مصطلح هذا النوع الجديد من الأدب وفي الوقت نفسه نتساءل عن المميزات التي جعلته مختلفاً عن الأدب التقليدي الورقي المطبوع لدرجة جعلته يصنف بالنوع أو الجنس الجديد.
في أمريكا يتم استعمال مصطلح (النص المترابط hypertext) وفي اوروبا يتم توظيف مصطلح الرقمي numerique والتفاعلي interactif، أما في الفرنسية ابتدئ باستعمال مصطلح الأدب المعلوماتي informatique باعتباره الجامع لمختلف الممارسات التي تحققت من خلال علاقة الأدب بالحاسوب والمعلوماتيات حيث تم عقد مؤتمر بباريس عام 1994 تحت عنوان (الأدب والمعلومات) لدراسة هذه العلاقة ليظهر فيما بعد وبالضبط،سنة2006 مصطلح جديد بعنوان الأدب الرقمي litterature numerique ، وبين هذين المصطلحين نجد مصطلحات سبق وان أشرنا اليها للدلالة على هذا النوع.
فالأدب الالكتروني يركز على شكل النص الجديد وتكنلوجيا المعلومات من اشتغال الوحدة المركزية، أما الأدب الرقمي الذي يستعمل في المدرستين الفرنسية والانجليزية، فوصفه بالرقمية يعود الى أن الرقمية هي الطريقة الجديدة في عرض الأدب من خلال النظام الرقمي الثنائي (0/1) والذي يقوم على جهاز الحاسوب، أما المترابط فهو يركز على تقنية الترابط التي تنظم النص الأدبي بناء على ما تقدمه المعلومات من روابط يجمع بينها متيحاً بذلك للمستخدم أو المتلقي الانتقال من نص لآخر حسب حاجته.
أما الأدب التفاعلي فيركز على خاصية التفاعل والتبادل المتعلق بنظام الكتروني، اتصالي بحيث يكون الجواب فيه مباشراً ومتواصلاً من خلال الحاسوب الذي يحقق التفاعل في أقصى درجاته ومستوياته بين النص وعلاماته بعضها ببعض (اللغة، الصورة، الصوت، الحركة سواء كانت متصلة او منفصلة وبين العلامات بعضها ببعض لكونها مترابطة).
وقد اجتهد النقاد في محاولة ضبط مفهوم هذا الابداع الأدبي الجديد والمخالف بمعطياته التكنلوجية فقد عرفته كاترين هيلس بأنه من أنواع الأدب الذي يتألف من أعمال أدبية تنشأ في بيئة رقمية كما تعرفه فاطمة البريكي بأنه جنس أدبي جديد ولد في رحم التكنلوجيا لذلك يوصف بالأدب التكنلوجي أو الأدب الإلكتروني ويمكن أن نطلق عليه اسم (التكنو - أدبي).
بينما تشير الناقدة المغربية زهور كرام بأن مفاهيم هذا الأدب لاتزال ملتبسة بعض الشيء لكونها حديثة العهد سواء في التجربة العربية أو في التجربة الغربية الرائدة وتعرفه بأنه حالة تطويرية لمسار الأدب في علاقته بالوسيط التكنلوجي الذي يغير من طبيعة النص اللغوية وكذا في مفاهيمه المتعلقة بمنتج النص ومتلقيه ومن ثم يؤسس لشكل أدبي مغاير تبعا لطبيعة اللغة الجديدة .
وعلى ضوء ما سبق من تعاريف نستطيع ان نجتهد ونضع ملمحاً تعريفياً للنص الإلكتروني أو الرقمي أو التفاعلي مقترحة أن يكون المصطلح أكثر عمومية وشمولا والأنسب والأدق - حسب تقديري - للتعبير عن هذا الأسلوب الجديد في عرض النص الأدبي هو مصطلح الأدب الرقمي التفاعلي.
وهو رؤية جديدة للنص الأدبي وللإنسان والكون وللأدب بشكل عام ، أساسها التواصل الإنساني والتفاعل الإبداعي الخلاق وعماده الربط بين ما هو إنساني وبين ما هو تقني وهو ناتج عن إفرازات ثورة المعلوماتية الحديثة، واعتبر هذا الوسيط الجديد الذي أدخل اختلافات جذرية على الأدب بما يوفره من تقنيات قائمة على الملتميديا multi - media من صورة وصوت ومؤثرات أخرى جعلت من الأدب انتاجاً متشعباً ، مقدماً ممارسة جديدة هي الآن بصدد تشكيل تأريخها المتميز عن الممارسة القديمة، ولعل تركيزي على صفة التفاعلية والصاقها بالأدب الإلكتروني يعود الى كونها جوهر النص الأدبي الرقمي الذي لا يتحقق الا بوجود ميزة التفاعل.