-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

أشرار القصص - فضيلة الفاروق

هل يمكن للأدب أن يحوّلك إلى شخص شرير؟ ذاك المليء بالألاعيب التي تهيّج غريزة العنف والمُحاك بخيوط الشرّ كقاعدة لمسار حكائي مثير.
الأخوان جاكوب وفيليهلم غريم جمعا القصص الشعبية الألمانية حتى لا تندثر في القرن التاسع عشر، وقبل أن تصلنا في صيغتها اللطيفة المحببة للأطفال المدعومة بالرسوم السّاحرة، كانت محشوة بكثير من الشخصيات المخيفة، والأحداث المرعبة، ذلك أن طرق التّخويف بالقصص عادة شائعة عند كل الشعوب البدائية.. فقد اُعتبر التّخويف آنذاك - كما لا يزال عند أغلب شعوبنا - الطريقة الأمثل لتربية الأطفال، وكسب ثقتهم ليظلوا تحت أجنحة الكبار وفي حمايتهم.
وجد الأخوان غريم صعوبة في نشر الكم الهائل من تلك الأساطير والخرافات التي جمعاها، ذلك أن كمية الشر فيها مبالغ فيها، فقد كان الإقدام على نشر القصص في كتاب، مغامرة حقيقية لتخليد النصوص كما كانت، وذلك ما أخاف صناع الكتاب في ذلك الزمن المبكر. الشيء الذي أرغمهما على تحسين القصص وتلطيف بعض ما جاء فيها من أشياء سيئة.
فمثلاً، لم تكن الساندريلا اليتيمة تخدم زوجة أبيها وابنتيْها فقط، بل كانت اليتيمة التي يلطّخ وجهها يومياً برماد المدفأة حتى تبدو متسخة وبشعة، وكانت أهوال التّعذيب تلاحقها في البيت وخارجه، من جرذان تقضم قدميها حيث تنام، إلى حشرات تنهش جسدها الصغير ليلاً، وغيرها من الأمور المقززة والمخيفة التي حيكت بها القصة، إلى أن نوقش تأثير ذلك على أطفال المدارس في مطلع القرن العشرين، فخضعت القصص لكثير من الاختصار والتحوير لتكون ذات تأثيرات إيجابية.
إلى هنا يبدو الأمر مفهوماً، ولكن ما هو غير واضح تماماً انعكاسات ذلك الكم على نفسية الطفل، ونوعية نتائجه. والمفاجئ هو أن كمية الشر التي تزخر بها بعض الكتب لا علاقة لها بالكاتب إن كان شريراً أو طيباً، ولا يمكنها أن تنتج قراء أشراراً أيضاً.
إن عملية التخويف التي كانت ناجحة في زمن مضى من خلال سرد القصص، أنتجت جيلاً جباناً، من الصعب أن يكسر خوفه بعد سن النضج، أما الاعتداء اللفظي والجسدي الذي يتجاوز رواية حكاية فإنّه ينتج بالضرورة فرداً عنيفاً وغير أخلاقي، هذا بالمختصر ما توصلت إليه دراسات طبقت في عدة جامعات عالمية، تابعت أطفال المدارس وتطور سلوكهم من خلال طرق التربية التي تقدم لهم من ذويهم ومن أساتذتهم، وقد اكتشف أن العنف سلوك مكتسب، وأن القصّة مهما كانت تعج بشخصيات شريرة فإنها في ذهن الطفل تبقى قصّة، خاصّة إن كان الشرير ذئباً أو ثعلباً، أو حية، أو أي حيوان آخر..
غير ذلك فإن سرد الشر في كتاب يدرب القارئ على مجابهته، ويعلّمه كيف ينتصر عليه.

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا