- يحاول البعض هذه الأيام التشكيك والطعن في دوافع وأسباب ثورة الشعوب العربية في أكثر من مكان على أنظمة الاستبداد والطغيان، لينسبها إلى جهات خارجية دفعت باتجاه الفوضى والاقتتال
- لا يمكن بحال الحكم على الثورات العربية بمقياس رجعي بناء على نتائج اليوم، بمعنى أن نحكم على انطلاقتها قبل سنوات بما آلت إليه الأمور اليوم، من قفز عليها وحرف لها وتشويه وتآمر
- لا شك لدى أي متابع أو منصف بأن الثورات كانت عفوية ذاتية الدوافع بسبب عقود من الإجرام والطغيان والاستبداد والقمع، خرج فيها الناس بمطالب بسيطة وأساسية في القلب منها الحرية والعدالة، رفض الحكم الديكتاتوري والفساد المستشري، انطلقت بسلمية تامة في مسيرات جماهيرية لا عنف فيها ولا فوضى
- الأنظمة الفاسدة لم يرق لها أن تطالب الشعوب بحقوقها فعملت على ضرب المسيرات السلمية وتشويهها واتهامها بالإرهاب منذ اليوم الأول، وزادت أنها مؤامرة تستهدف الأمن والاستقرار
- الغرب بدوره كان وكعادته مستعداً بالخطط البديلة لإجهاض أي نهضة في المنطقة العربية، فحرك أدواته للقفز على الثورات وركوب الموجة، لتغيير دفتها وحرفها عن أهدافها وسلميتها، وهذا لا يعني إطلاقاً أن الثورات لم تكن عفوية، لكنه يعني أن التخطيط والهجمة المضادة كانت عنيفة ومنسقة وبمشاركة أنظمة الردة العربية
- نجحت الثورات في تحريك المياه الراكدة، وحققت نجاحات واضحة وحقيقية، هرب بن علي من تونس وكانت الانتخابات الأولى، وتنحى مبارك وسُجن، وسقط القذافي وجرت أولى الانتخابات بدستور مؤقت، واضطر علي صالح في اليمن للتنازل لنائبه، واستعاد الشعب السوري أكثر من 80% من أراضيه من براثن الأسد
- لكن في العامين 2013-2014 بدأت الهجمة المضادة العنيفة أو ما عُرف بالثورة المضادة لإجهاض كل إنجاز تم:
- في مصر قام السيسي بانقلابه
- في سوريا خلقوا داعش وتدخل الشرق والغرب وتحول الأمر لحرب على الإرهاب
- في ليبيا اسقطوا حفتر على المشهد الليبي ليخلط الأوراق
- في تونس اغتيل محمد البراهمي لتنهار حكومة الترويكا وينقلب المشهد لصالح أنصار النظام السابق
- في غزة عدوان إسرائيلي جديد جعل الوضع أكثر مأساوية
- السعودية والامارات ومعهم السيسي يطلقوا حملة شعواء على كل ما هو إسلامي، معتبرين الثورات العربية خريف عربي يستهدف المنطقة
- كان من أسوأ نتائج تلك الهجمة المضادة انقسام الشعوب العربية في كل قطر طولياً، فأصبح في كل قطر "مع وضد"، وعلى طريقة أغنية على الحجار الشهيرة "احنا شعب وانتو شعب"
- لا يمكن اعتبار الهجمة المضادة أو الثورة المضادة فشلاً للربيع العربي، فرغم التراجعات أعلاه إلا أن من يقودون الثورات المضادة فشلوا حتى اللحظة في حسم الأمور لصالحهم، وخرج الخبث بشكل واضح، وتعروا وفُضحوا على الملأ، وأصبحت المواجهة واضحة دون مواربة كما كان في السابق، أي أن الشعوب باتتأكثر وعياً بأعدائها ومن يتربص بها
- واهم من يظن أن أنظمة الردة التي تقود الثورة المضادة محصنة وفي مأمن، سيصلهم"البل" مهما حاولوا تأخيره
- تحميل الشعوب العربية مسؤولية ما آلت إليه الأمور فقط لمطالبتها بأبسط حقوقها هو جريمة بحد ذاته، وتبرئة للأنظمة الإجرامية التي قتلت وما زالت تقتل وتمارس أبشع الجرائم بحق الشعوب
- قلنا وما زلنا نكرر: مع الشعوب الثائرة المطالبة بحقوقها قلباً وقالباً، بلا مواربة، ظالمة أو مظلومة، وبغض النظر عن انتصارها اليوم أو غداً
- لا شك أن ما يُخطط للمنطقة كبير وبشع، وأن ما يراد هو منع أي صحوة ونهضة عربية، وأن تبقى "إسرائيل" هي المتفوق والأقوى
- سطوة الباطل، أو انتصار الباطل في جول أو جولات لن يجعل منها حقاً ابداً، فالحق حق والباطل باطل
- المواجهة بين الحق والباطل مستمرة، وستليها – في الربيع العربي – جولات أخرى، ولن تعود عقارب الساعة إلى ما قبل عام 2011