افتتحت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك الدار
البيضاء موسمها الجامعي 2018/2019، بدرس افتتاحي قدمه المفكر والباحث علي أومليل بعنوان
“مرجعيات
النهضة” بفضاء عبد الله العروي.
استهل اللقاء بكلمة ترحيبية وتقديمية لعميد الكلية
ذ.عبد القادر كنكاي، الذي اعتبر افتتاح الموسم الجامعي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية
بنمسيك بهذا العلم ذ.علي أومليل اعتراف ضمني من الجامعة المغربية بفعالياتها ومحيطها،
وبأن المشروع النهضوي ومرجعياته مازال مطلبا وقضية ومجالا للتداول.
وبسط مقدم الدرس الافتتاحي الأستاذ عبد الإله بلقزيز
رؤية علمية عن الدكتور علي أومليل وإسهامه المشهود في الدرس الفلسفي الجامعي المغربي
منذ مطلع الستينيات من القرن المنصرم حيث تخرج على يديه جيل يحمل مسؤولة هذا الدرس
في معظم الجامعات المغربية، إذ يشهد للرجل إسهامه الفكري على المستوى المغربي العربي،
من خلال درسه الفلسفي ومن خلال مؤلفاته، التي تراوحت محتوياتها بين الفكري والسياسي
والحقوقي، حقوق الإنسان تحديدا، التي يعتبر الأستاذ علي أومليل من مؤسسيها في التجربة
المغربية والعربية، ومتحملا لمسؤوليتها في عدة تنظيمات، ومنها مسؤولية أمينا عاما لمنتدى
الفكر العربي، تم تحمله لمسؤولية سفير المغرب بالقاهرة تم ببيروت.
ويعد الأستاذ علي أومليل من المشتغلين على مجمل
المتن الخلدوني، وقد تم ذلك من خلال أطروحـته كما ساهم في حركية الفكر الفلسفي ودرسه
وأبحاثه بمؤلفات مهمة منها قيامه بالمقارنة بين التنظير التاريخي والممارسة، تم كتابه
المراجع الإصلاحية العربية والدولة الوطنية، ومناقشته للسلطة الثقافية والرؤية السياسية
في مؤلف آخر، ورؤيته في شرعية الاختلاف التي كانت أرضية للرجوع إلى الجذور ومناقشة
منابته في التراث الإسلامي والنظر إلى الآخر، سيما وعلي أومليل استكمل دراسته بالسوربون.
في الدرس الافتتاحي تطرق علي أومليل إلى مرجعيات
النهضة عند الأوروبيين وعند العرب، في إطار درس مقارن بين النهضة الأوروبية والعربية
لإبراز ماهو مشترك وما هو مختلف بينهما، إذ لا تخلوا المقارنة بين النهضتين من ملامسة
المفارقة بينهما، وهنا يطرح السؤال لماذا هذه المقارنة؟ بين طرف موجود وهي النهضة الأوروبية
وطرف غير موجود وهي النهضة العربية. يشير المحاضر أن الدافع في هذه المقارنة هو أن
هناك مبررين:
المبرر الأول: راود النهضة العربية في القرن 19
كانت مرجعيتهم هي النهضة الأوروبية.
المبرر الثاني: رواد النهضة العربية أخذوا تقسيما
ثنائيا للزمان، سيما وقد جاءت نهضتهم بعد العصر الوسيط، القرون الوسطى للعرب هي مرحلة
الاحتلال العثماني.
وذهب المحاضر لمباشرة دراسته المقارنة بين النهضتين
إلى تحديد مفهوم الزمن الذي يختلف في النهضتين بين الماضي والحاضر والمستقبل: النهضة
العربية والأوروبية ينتابهما الإحياء، إذ إن النهضة الأوروبية تود إحياء الأدب والفن
اليوناني والروماني، ونلاحظ أن النهضة العربية ليس لها مرجع ماض بل مرجعيتها دينية،
والماضي الذي لديها هو إحياء ماض ديني معين.
كما أن هناك مفهوما مختلفا للحاضر عند النهضتين،
النهضة العربية حاضرها التخلف بين ثنائية التأخر والتخلف، والحاضر الأوروبي له رؤية
إحياء للعصر الذهبي المأمول.
الأمر المختلف نفسه حول مفهوم المستقبل تعرفه كلا
النهضتين اللتين بنيتا على إحياء الماضي، والملاحظ أن لكل منها ماضيه الأول مرتبط بالزمن
والمرحلة الذهبية الأدبية والفنية الرومانية والإغريقية والثانية مرتبطة بالديني.
وأشار المحاضر أن هناك فارقا آخر أساسي، النهضة
الأوروبية أنجزت أولا في القرن 15، تم أنجز المفهوم/الإحياء ثانية في القرن 19، التاريخ
هنا سبق المفهوم، وهنا لزاما أن نشير إلى نشأة الوعي الأوروبي تم في زمن الاكتشافات
والفتوحات العلمية، إذ ارتبطت النهضة الأوروبية مثلا باكتشافات كولومبوس وماجلان إلخ،
حيث نشأت إنسانوية الإنسان الذي أصبح المركز، وكان الفضل للإصلاح الديني الأوروبي،
إذ رجع إلى الفرد بدون وساطة، وقد تم ذلك في زمن اختراع المطبعة التي وفرت الكتابة
وتوفرت طباعة الإنجيل، التي أدت إلى ثورة القراءة، إذ أصبح كل فرد يقرأ ويفهم إنجيله
الذي وفرته الطباعة، وتم الاستغناء عن وساطة الكنيسة، التي كانت تحتكر القراءة.
الإصلاح الديني في أوروبا نشأ في حضن تطور ذاتي،
أما الإصلاح الديني عندنا فقد كان له حافز، لم يكن تطورا ذاتيا بل كان حاجة إلى مواجهة
التطور الخارجي، الأمر الذي يتطلب إصلاحات موازية، ويحتاج الأمر إلى تغيير العقليات
وبما أن العقلية العربية دينية جاء مطلب الإصلاح الديني أولا.
اعتبر جمال الدين الأفغاني ومحمد عبدو بصفتهما من
كبار الإصلاحيين العرب المسلمين، أن النهضة الأوروبية قادها الإصلاح الديني، ويلاحظ
هنا خلط لدى بين مفهوم النهضة ومفهوم الإصلاح اللذين يتميزان زمنيا، فالنهضة أتت بعد
الإصلاح، إذ النهضة كانت للنخبة والإصلاح الديني كان جماهيريا.
وخلص الباحث إلى أن الإصلاح الديني أمر قائم لحد
الآن، لكون تمركز مطلب الإصلاح والنهضة يتم عبر البعد الديني في الذهنية العربية الإسلامية،
ومفهوم هذا الإصلاح وتعدد تأويله هو الذي أفرز إلغاء الآخر والإرهاب، لذا فنحن الآن
في حاجة ماسة لإصلاح عميق للفكر الديني، لكي نندمج في العالم ونساهم في الحقوق والمنافسة،
وننخرط في السلم الاجتماعي لكي تستقر مجتمعاتنا مع العالم، ولن يتم هذا إلا بإصلاح
ديني عميق يغني ولا يلغي.