على إيقاع العروض العلمية والنقاش
الثقافي، انطلقت فعاليات اليوم الثاني، يومه الخميس 18 أكتوبر الجاري، من الدورة
الثانية لمهرجان "أجذير إزوران"، الذي
تنظمه
جمعية أجذير إزوران للثقافة الأمازيغية - خنيفرة، تحت الرعاية
السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، والذي سيمتد إلى غاية 20 من أكتوبر
الجاري، تحت شعار "الفعل الثقافي الأمازيغي دعامة أساسية لتنمية المناطق الجبلية".
ففي محور "الجبل: التاريخ،
الإنسان والمجتمع"، قال جمال فزة، أستاذ باحث بجامعة محمد الخامس-الرباط، في مداخلة له
بعنوان " براديغم الجبل"، إن الجبل يبقى "قوة نابذة للسلطة
المركزية وحامية للدير"، مشيرا إلى أن القبائل الأمازيغية ظلت سيدة الجبل
وسند الدير حتى النصف الأول من القرن العشرين.
وأورد المتحدث أن تاريخ
"المغرب/الدولة" والذي بدأ مع دخول الإسلام وانتشاره في البلد، "فإذا
كان يشهد على تمكن الإسلام من اقتحام الجبل، فإنه، مع ذلك، لا يعني تمكنه من ردع الجبل وتهذيبه وإحلال الشريعة محل العرف في مواجهة
وجها لوجه وندا لند؛ ولعل هذا ما يفسر استمرار عناصر من العرف الأمازيغي في زي
إسلامي إلى اليوم".
محمد جحاح، وهو أستاذ باحث بكلية
الآداب والعلوم الإنسانية جامعة مولاي إسماعيل بمكناس، فاعتبر في موضوع "ريف
الأنثروبولوجيين: من أنثروبولوجيا الهامش إلى هامش الأنثروبولوجيا "، أن كثيرا
ما يرد الجبل كـ"اصطلاح" مقرونا بالهامشية و"التهميش" في
خطابات الفاعلين السياسيين والتنمويين؛ و"كثيرا ما يعتبر مفتاح تنمية هذه
المجالات هو إخراجها من دائرة التهميش تلك، وذلك باتباع (وصفة) سياسة تنموية
"شاملة" و"عادلة" يكون فيها للجبل موقع في "مركز"
اتخاذ وتفعيل القرار التنموي".
ولفت الباحث الانتباه إلى أنه تم تناول
الجبل "مجتمعا" و"ثقافة" و"تاريخا" على أنه مجال
للهامشي والهامش، "والمعادلة كانت بسيطة في تصور هؤلاء: هامشية جغرافية
ومجالية تؤسس وتؤصل لهامشيات أخرى سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية، مما يضع
الجبل دائما في مواجهة الدولة وفي "انفصال" تام عنها".
عبد الكريم الجويطي، وهو أستاذ باحث،
يرى أن الجبل وخصوصا الأطلس المتوسط شكل "معضلة كبيرة للدولة العلوية وحاول
السلاطين إيجاد حلول راوحت بين الحملات العسكرية وإدخال قبائل أمازيغية في الخدمة
المخزنية ورعاية انقسامات عميقة بين الاتحادات القبلية"، مضيفا أن بعض هذه
الإجراءات نجحت ظرفيا "لكن سرعان ما تعود الأوضاع لسابق عهدها"، وفق
تعبيره.
من جانبه، قال علي واحدي ، عن جامعة
سيدي محمد ابن عبد الله بفاس، في مداخلة "الصورة الإشهارية لجبال الاطلس في
المصادر الاغريقية واللاتينية"، إن جبال الأطلس تعتبر مصدر الثروات الطبيعية
المقدسة والنفيسة، "إذ أنها موطن الحيوانات المقدسة مثل الكبش المتوج، كما
أنها كانت تزود روما بالحيوانات البرية التي كانت تسخرها للفرجة في المسارح وساحات
المصارعة"، فيما تم استعراض ذكر جبال الأطلس في المصادر التاريخية القديمة
والوقوف على الصورة الإشهارية التي سوقتها عن الكتابات عن مجالات مقدسة تطل على
المحيط الأطلس من جهة، ومن جهة الثانية على المجال الصحراوي.
ابتسـام تملايـــن، وهي أستاذة باحثة بكلية
الآداب والعلوم الإنسانية ، جامعة إبن زهر بأكادير، فأحاطت في مداخلها بجوانب من
علاقة "المجتمع القبلي لجبل فازاز بالمخزن والمستعمر الفرنسي قبيل وإبان
الحماية "، مشددة على أهمية جبل فازاز في تأطير العلاقة بين المجتمع القبلي
والمخزن والمستعمر الفرنسي، "تلك الأهمية فرضها الموقع الاستراتيجي الهام
للجبل بحكم قربه من كبريات العواصم السياسية والتاريخية للمغرب ونقصد مدينة فاس
التي بالنظر لمكانة الجبل استمدت اسمها منه حسب ما ذهب إليه بعض الباحثين في علم
الطبونيميا )علم أسماء الأماكن(".
وترى عضوة مختبر تاريخ سوس والصحراء
والمجتمعات الواحية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة إبن زهر بأكادير، أن الجبل
السالف الذكر أسهم في توجيه أحداث سياسية كما كان علما لوقائع تاريخية ارتبطت به، مستعرضة
في مداخلتها علاقة المجتمع القبلي لجبل فازاز بالسلطة المخزنية المحلية والمركزية
قبيل وإبان توقيع معاهدة الحماية الفرنسية على المغرب وبالمستعمر الفرنسي في إطار
دينامية المواجهة والتراجع .
من جهته، قدم عسو ايت علي محمد، عن النيابة
الاقليمية للمندوبية السامية لقدماء المقاومين واعضاء جيش التحرير بخنيفرة، عرضه
حول "موقع أجذير دلالته ورمزيته التاريخية"، بذكر زيارة المغفور لهما
الملك محمد الخامس والملك الحسن الثاني طيب الله ثراهما إلى موقع اجدير التاريخي
يوم الاربعاء 11 يوليوز 1956
وكذا زيارة صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى نفس الموقع يوم الاربعاء 17
اكتوبر 2001 .
وطرح العرض أيضا تساؤلات منهجية حول
مسار البحث العلمي والاكاديمي والبحثي خاصة ما يتعلق بفترة الاحتلال الاجنبي وما
رافق ذلك من تحولات بنيوية وهيكلية على المجال والانسان، وإشراف المغفور له الملك
محمد الخامس رفقة ولي عهده انذاك المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراهما، على
عملية انضمام افراد جيش التحرير المتمركز بجنان اماس وبعض المراكز الاخرى بالاطلس
المتوسط الى صفوف القوات المسلحة الملكية والامن الوطني والقوات المساعدة بعد ان
نظم على شرفه عرضا عسكريا باجدير بمشاركة افراد من جيش التحرير الجزائري الذين
كانوا يتدربون بجنان اماس على حمل السلاح لتحرير الجارة الجزائر من الاستعمار
الفرنسي.
أما الطالب الباحث بكلية الآداب
والعلوم الإنسانية، القنيطرة، حوسى أزارو، فكان محور بحثه يهم قضية "الجبل الأمازيغي والهرم الاجتماعي لمنظومة أمغار
الثقافية"، معتبرا أن مجمل التغيرات
التي مست عناصر التوازن التقليدي للأسرة المغربية- ومكوناتها البنيوية
الاجتماعية خلال القرن الماضي- لم تفض إلى
اجتثاث القيم الثقافية والتاريخية المؤسسة لها. "لأن انتقال النظام القبلي،
الجماعوي المتدهور إلى نظام مجتمعي
رأسمالي، وما رافقه من تراخ في مختلف أشكال التضامن الأسري والاجتماعي المعهودة
تاريخيا، لم يحد حقيقة من معايير منظومة "أمغار" خاصة في دلالاتها
الثقافية والرمزية، التي لا تزال حاضرة إلى جانب مظاهر العصرنة".