يلجأ التشكيلي السعودي رجاء الله الذبياني إلى تشخيص المعالم الحضارية برؤية فنية خاصة، إذ يترصد الإطار الفني، وفق التتابعات الشكلية في تحولاتها المرتبطة
بالشخوصات، أو بالمعالم المعمارية والحضارية، وفق مرجعياتها الخاصة، ينجزها وفق الشكل الفني الخاص به، بقدر ما يستعمله من التقنيات العالية وما يوفره من إدراك معرفي وثقافي وفني للتأثير في العملية الإبداعية. لهذا تتبدى أعماله في مواجهة صريحة مع القارئ. فمن خلال مقاربة أعماله بالواقع المعماري، فإنها تتبدى ملأى بالمعاني والدلالات، فأعماله تحاكي الواقع المعماري، بما يتوفر عليه من معالم حضارية وشخوصات تضمر مفاهيم ذات مغازي عميقة، يتخطى بها الجاهز ويبني تصوراته على مبدأ التجديد، وتقديم منجز تشكيلي مغاير للمألوف بأوصاف جمالية تشكل آلية جديدة للتعبير، تجعل القارئ أمام فهم سليم لعمله الإبداعي. فالمبدع يشتغل وفق مشروع تشكيلي ذاتي. وأعماله تتواشج على نحو جمالي يرصد الواقع من زوايا فنية متعددة، بهاجس محرك للعملية الإبداعية، ليتبدى مجمل ما يقدمه من أعمال تشكيلية حمالة لدلالات وقيم تتبنى روحا من الواقع، ورؤية تشكيلية إبداعية تتجسد بمتعة الفنان، الذي يصنع الإيجاب بتصورات وتحويلات فنية وجمالية، تروق عين القارئ.
فمختلف الاستعمالات الموتيفية والأشكال التنوعية والتوظيفات اللونية؛ كلها عوامل تُخصب المجال التشكيلي، لدى الفنان للغوص في عالم الإبداع، بتعبير يستمد كينونته من تأصيل خاص به، ووفق أسلوب متفرد، مرتبط بالواقع وحيثياته ومن المحيط ومرجعياته الروحية. إنه يتخذ من هذا النسيج الإبداعي أداة لابتكار تدفقات الألوان بنوع من الانطباعية والسيولة، وتوزيع تدريجي للمساحة إذ تستحوذ الأشكال والألوان على كل الخامة، وهو ما ينعكس على الفراغ الذي يُطمَس بفعل قوة المربعات والمستطيلات اللونية، والأشكال المتنوعة التي تملأ كل المنافذ؛ ما يجعل جملة من الجدليات تنسج علاقات تجاورية بين مختلف الألوان والأشكال والعلامات اللونية، التي تحرر الأعمال من بعض القيود. وهو بُعد واضح في أعمال المبدع رجاء الله الذبياني، الذي يؤصل لفلسفة فنية بصياغة جمالية تستجيب لضرورات أعماله، حتى يتفاعل معها القارئ وفق مقومات فنية. وهي كذلك استجابة تعبيرية ومبررات لتحديث الأسلوب. وهذا في المنظور النقدي يرسل انطباعا بأن الفنان يبلور مادته التشكيلية وفق مرجع روحي، ووفق مسلك إبداعي مركزي تنبثق منه الأشكال والألوان لينصهر الشكل في المعنى، إنه توظيف يؤسس به الفنان هويته الفنية وأسلوبه الإبداعي، الذي يتكلل في عمقه بتعبير صريح. ولعل الشحنات اللونية والأشكال المتنوعة المتداخلة وما تحمله من أنساق شكلية تُحدث توليفات وانسجاما يضخ عوالم جديدة في هذه التجربة التشكيلية المميزة. إن تجسيد التقنيات المتنوعة، وتوظيف مفردات الثقافة المحلية يشكل في جوهره نواة حقيقية في صناعة أعمال تشكيلية بمنظور آخر، تتبدى فيها أهم الأدوار في إنتاج الجماليات المختلفة، وإبراز سماتها في مسلك تعبيري مليء بالتحولات على مستوى اللون، الذي يجسد المخفي بطرق إبداعية، وبشكل مقرون بصرامة الأشكال المتنوعة. وهو ما يمكن اعتباره نوعا من موضعة الواقع المحلي، في قوالب إبداعية وتركيبات إنشائية تشكيلية، بصناعة فنية أكثر ذاتية، وهي تستند بالأساس إلى تجربة المبدع ودوره المتميز في التجديد والابتكار. وبذلك تعد تجربة الفنان رجاء الله الذبياني غنية ومحملة بالإيحاءات والمغازي والدلالات، التي تخرج المادة التشكيلية إلى حيز وجودي واقعي، بصياغة فنية وجمالية تجعله في مصاف الصفوة الفنية المعاصرة.
٭ كاتب مغربي
