رغم أن الرواية المكتوبة بأقلام نسائية في عُمان لم تظهر إلا في أواخر تسعينات القرن الماضي، مع صدور رواية “الطواف حيث الجمر” (1999) لبدرية الشحي، فإنها وُلدت ولادة طبيعية، فجاءت محملة بالكثير من مقومات التجربة الروائية النسائية الناضجة، إذ يجد قارئ هذه الرواية علو صوت المرأة الرافض للصمت الطويل ضد الأنساق والأوضاع الاجتماعية البالية، كما يتضح له أنها تنطوي على وعي فني ولغوي ورؤية فكرية متقدمة.
“اعذرني يا حبيبي، إن كل ما تقرأه قد فات أوانه، أو أتاك متأخرا، لقد بت سجينة تلك الأيام التي قضيتها معك، تجربة الأمومة الأولى التي أتت كتجربة عمر بأكمله”.
سرد للأحداث بلغة سلسة وبتوصيف رومانسي
بهذه الكلمات تخاطب الأم شمسة ابنها راشد الذي لم تستطع أن تقترب منه سنوات طويلة، وهي تحترق شوقا لرؤيته، وتضع كل لهفتها في رسالة مطولة يستعيدها الابن من خلال مجموعة أوراق تسلّمها من رجل لا يعرفه وهو يغادر بلده إلى بداية جديدة ونهاية لزمان لا يريد له أن يعود أو يتذكره.
تسرد الروائية التوبي الأحداث بلغة تقريرية سلسة، وأحيانا بتوصيف رومانسي، ولا تتوقف عند الموضوع بوصفه مشكلة اجتماعية فحسب، بل تناقش القضية من وجهة فلسفية وإنسانية بوعي الشخصيات التي لا تستسلم للواقع الذي يرفضها ولا يعترف بها، بل تكافح لإعطاء معنى آخر للحياة.
تتعرض الفتاة القاصر شمسة لاعتداء من زوج أمها، وتحمل طفلا سفاحا وهي على مقاعد الدراسة، ويُحكم عليها بالسجن، ويفتح المولود عينيه في عتمة السجن، ثم ينقل إلى دار الأيتام، ويكافح للنجاح في الدراسة، وينخرط في العمل، وهنا تبدأ الصدمة التي تطحنه وتفجر رأسه بالأسئلة عن اسمه وعائلته.
وتتعمق المأساة حينما يتعرف على الأنثى التي يرى فيها الحبيبة والأم في آن معا، ويقف أمام الأبواب المغلقة التي يسدها المجتمع في وجهه بالصمت المريب والنظرات التي تمزق جسده وروحه.
توظف الروائية شريفة التوبي في الرواية عددا من التقنيات والأساليب التي تخفف من ثقل الحكاية الإنسانية ومأساويتها بتعدد الأصوات، واختيار مستويات الحكي باستعمال اللهجة المحكية العُمانية حسب الشخصيات ومستوياتها المعرفية لتحقيق واقعية الخطاب الروائي، فضلا عن تنويعها بين الحوار والحلم والتداعي والرسائل والوصف.
ولأن رواية “سجين الزرقة” تقع في عدد من الساعات، هو الوقت الذي تستغرقه الرحلة، فإن الروائية تعمد إلى المناورة على الزمن بوسائل الحلم والخطي والاسترجاعي الذي يتيح للشخوص سرد حكاياتهم بعدد من القصص التي جاءت في خطين متوازيين: حياة راشد الذي يستعيد حياته في دار الأيتام، وصديقه سالم الذي وُجد في كرتونة أمام مستشفى، ولم يبلغ من عمره اليومين، وخلال ذلك يعبّر عن رأيه في الحياة والمجتمع، وأمه شمسة التي تروي حكايتها في السجن، وتسرد خلالها العديد من الحكايات لرفيقات لها وقعن في ما وقعت فيه، وعانين ما عانت، منهن حليمة ووردة ومروة وسلوى.
ومع كل تلك العقبات التي تواجهها شخصيات الرواية وصدماتها، فإنها تبقى متفائلة في رهانها على الأمل وتجاوز الماضي، فالروائية تغلق حكاية الأم شمسة بنجاحها في العودة إلى الدراسة، وزواجها من رجل ناجح ومتفهم لماضيها، في حين تبقى حكاية راشد مفتوحة على الأفق في اختياره للسفر، والانفصال عن ماضيه ليبدأ حياة جديدة.



