هذه المقالة هي
الفصل الأول من سلسلة مقالات تحت عنوان "الأقواس المغلقة" هذا المفهوم
الذي استخدمه جان دومينيك سيفال لوصف المسارات التي أعادتنا بها الثورة الرقمية
إلى بعض سلوكياتنا ومؤسساتنا القديمة .
إن العودة اليوم إلى تاريخنا الشفهي قد أوشكت على إغلاق قوس الثقافة المكتوبة منذ عدة قرون . لقد دخلنا بالفعل عصر الفيديو وشبكات التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي وغرف الشات . ومن شأن هذا التحول أن يخلخل طرق تفكيرنا وقدراتنا المعرفية.
إن العودة اليوم إلى تاريخنا الشفهي قد أوشكت على إغلاق قوس الثقافة المكتوبة منذ عدة قرون . لقد دخلنا بالفعل عصر الفيديو وشبكات التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي وغرف الشات . ومن شأن هذا التحول أن يخلخل طرق تفكيرنا وقدراتنا المعرفية.
لقد أصبح ممكنا
أن نمضي يومنا كاملا من دون قراءة ولو سطرا واحدا . هذا هو المعيار الآن والمسار
الطبيعي للأشياء . مثل قضاء شهر أو سنة دون الحاجة إلى العودة بالكتابةً في
ممارسات الحياة اليومية . هذا السيناريو الذي يؤشر على بداية انمحاء ثقافتنا
المكتوبة لصالح حضارة شفهية جديدة هو السيناريو الذي أتوقعه الآن في مستقبل قريب
فيما أعتقد. وإذا كنت متأكدًا أيضًا من ذلك فإن بوادر مثل هذه الاضطرابات قد شرعت تبزغ
بالفعل اليوم . إنه طوفان من الإشارات التي من المحتمل أن تتسبب جميعها في حدوث
مثل هذا التغيير.
غزو الفيديو الذي
لا يقاوم .
مما لاشك فيه أن
أهم شيء بهذا الصدد هو الدور المهيمن الذي بات يلعبه الفيديو في حياتنا كل يوم بدرجة
أكثر من ذي قبل . لقد صار هو المحتوى الفائق كمعيار فعلي في التواصل. هذا التيار
ليس جديدا . يتعلق الأمر بحد الفصل الخفي الذي ظهر في نهاية القرن التاسع عشر مع
اختراع السينما ثم التلفزيون في الثلاثينيات من القرن العشرين . لقد تخلل هذا القرن
العشرين تطور مستمر لهذه الوسائط الجماهيرية الحديثة التي ألصقت بها جميع الشرور
قبل أن تصير في المرتبة السابعة في عالم الفن والمصدر الأول للمعلومات والترفيه
.. إلخ
.
"لقد وصلنا اليوم بكل يقين إلى نقطة
التحول التي تم التنبؤ بها والإعلان عنها منذ عدة عقود والتي تتعلق بظهور الفيديو
كوسيلة اتصال ذات أولوية فائقة " لم تكن تلك سوى البداية فقط. أصبح الفيديو
متاحا للجميع وهو في طريقه لتجاوز الدور الذي لعبه التلفزيون بالأمس . ومما لاشك
فيه أننا لم نستهلك الكثير بعد .
إن انتشار
الشاشات من جميع الأحجام إلى جانب منصات أخرى للنشر والتوزيع فضلا عن الكاتالوغات
الضخمة كلها تتيح إمكانية للاستهلاك الحر حيث تتوالى الابتكارات التي تحظى باستحسان
الأجيال الشابة التي جعلت منها محتوى مرجعيا مثلما كان لدى أسلافهم فنون المسرح والأوبرا
والرواية والسينما .
بعد الرواية المسلسلة
، المنشورة في حلقات على صفحات الجرائد في القرن التاسع عشر ظهرت المسلسلات التلفزيونية في القرن الحادي
والعشرين. ثم استبدلت قراءة بالزاك بمشاهدة نيتفليكس واستبدل الكتابي الشفهي .
وساهم الإنترنت بشكل وافر في تضخيم هذه الظاهرة .
بداية هناك
وسائط الكتابة التي من خلال بنائها وأهميتها انفتحت بسرعة على الصور ثم أشرطة
الفيديو منذ أن تطورت سرعة صبيب الإنترنت
. لقد بلغنا اليوم نقطة التحول التي تم الإعلان عنها منذ فترة طويلة ، والتي تنبأت
بظهور الفيديو كوسيلة للاتصال ذات الأولوية لدى
عامة الناس.
تحتاج جل مواقع
الويب إلى إدراج محتوى فيديو لجذب انتباه مستخدمي الإنترنت . وتعمل منصات التواصل
العالمية الكبرى مثل جوجل وفيسبوك وسناب شات على الانتقال من الكتابة والصورة إلى
الفيديو لدرجة أن مارك زوكربيرج أعلن أنه في غضون خمس سنوات فقط سيحل الفيديو محل
المحتوى النصي في فيسبوك . وهو ما أكده مدير هذا الفضاء الأزرق في أوروبا نيكولا
مندلسون الذي قال أن "فيسبوك سيصبح بكل تأكيد جوالا ومتنقلا وربما عبارة كله عن
منصة فيديو بالكامل : في كل عام نلاحظ انخفاضًا في كتابة النصوص على صفحات فيسبوك ...
وإذا كنت سأراهن على شيء ما فسأقول وأكرر : إنه زمن الفيديو .. فيديو.. فيديو.."
" لقد أثبت الشرح باستعمال الفيديو فاعلية أكثر من
النص التقليدي المكتوب ، وتكون له أيضا جاذبية أكثر لانتباه مستخدمي الإنترنت
المهتمين في تزايد مستمر" ومن الواضح أن هذه الظاهرة تنشط كثيرا بين منتجي
صفحات الإنترنت المحترفين أو الهواة على حد سواء الذين يفضلون الفيديو كوسيلة
للاتصال لدى مستخدمي الإنترنت .
ممارسة القراءة
النصية ماضية في التقهقر لأن شاشات الهواتف الذكية هي الآن الوسيلة الأكثر شيوعًا
لتصفح الإنترنت التي تتطلب تنسيق أشكال نصية أقصر بشكل متزايد. وعلى الخصوص لأن
شرحا بالفيديو يبدو غالبًا أكثر فاعلية من النص المكتوب وأكثر جاذبية بكثير
لانتباه مستخدمي الإنترنت المهتمين بالموضوع : هذا هو السبب وراء النجاح المتزايد
في البرامج التعليمية بجميع أنواعها مثل وصفات الطبخ والافتتاحيات الصحفية
والخرائط المتحركة والإعلانات ... كل ذلك على منصة الفيديو الذي غالبًا ما يكون
قصيرًا ومؤثرًا وتعليميًا. ونظرًا لأننا يمكن أن نشاهدها في جميع الظروف فنصوص
الفيديو غالبًا ما تكون مترجمة لمشاهدتها من دون صوت عندما نكون في حافلة أو مترو
أو في لحظة ترفيه أو أثناء اجتماع عمل لفترة طويلة جدا.
إننا لم نخطئ في
هذا الأمر ، فهذه ليست ظاهرة هامشية بل هي خلفية من وجوهها البادية هؤلاء الجيوش
من مستخدمي اليوتيوب الذين يعقدون لقاءات افتراضية منتظمة لآلاف بل حتى الملايين
من المعجبين الذين يضحكون ويغنون معهم ، يتعلمون ، يتثقفون ... كما هو الحال في أي فضاء آخر في الأدب أو
النشر حيث نجد الأسوأ والأفضل حاضرا على حد سواء .. هناك أكثر من مليون قناة
مستضافة على الموقع الرئيسي غوغل : نجوم مثل هؤلاء المعلمين والطلاب والهواة الذين
يستعدون كل يوم لنشر وتعميم العلوم أو الأدب أو التاريخ أو الفلسفة .
إنها ظاهرة صارت
منظمة بل وبنيوية لا محيد عنها إلى حد جعلت جل وسائل الإعلام تتجه إليها . فعديد
من المحطات الإذاعية قد نصبت كاميرات في استوديوهاتها ومواقع الصحف تنتج محتويات
فيديو والجامعات تعقد دوراتها مباشرة على الإنترنت حتى صار بعض أساتذتها هم أيضا من
نجوم الويب الحقيقيين مثل والتر ليوين أستاذ الفيزياء في معهد ماساتشوستس
للتكنولوجيا أو مايكل ساندل أستاذ فلسفة القانون في جامعة هارفارد.
تعاظم آليات
الشفهية
كل هذا التحول
لن يكون ذا قيمة بدون توجهات إضافية أخرى تسعى لدق آخر مسمار في نعش الكتابة .
إنها ترسانة من التقنيات التي بلغت النضج من خلال موثوقيتها المتزايدة والتكاليف الرخيصة
للوصول إليها والتي فتحت الباب أمام جميع البشر وحفزت قدرتهم على التعبير. وسيتعين
علينا إذن أن نتعايش ونتعود على ذلك وسنتحاور مع اختراعاتنا التكنولوجية أكثر
فأكثر. بينما كنا بالأمس نعتمد على الضغط أو الكتابة بالأزرار على
لوحة المفاتيح .
إن التقدم
الحاصل في تكنولوجيا التعرف على الصوت سيجعلنا أكثر عزما على الاستغناء عن لوحة
المفاتيح للكتابة . وسيكون هذا بمثابة الموت الرمزي الثاني للكاتب . إذ سيكون هذا
الأخير قادرًا على كتابة نصوصه على غرار ما قام به ميشيل دي مونتين وذلك بإملاء
مقالاته بينما كان يسير بخطى سريعة ويداه خلف ظهره.
سوف تتم كتابة
النصوص عن طريق إملائها شفويا على الآلة .
وذلك ممكن حقا بوجود معالجات نصوص في المتاجر الإلكترونية . لقد أعلن البعض عن جيل جديد من الإنترنت حيث
سيحل الصوت محل النقرات وحيث سيبحر المرء أو يتشاور أو يحتفظ أو يقتني بواسطة التحاور
مع هذه التطبيقات المساعدة والذكية"
غير أن الوعود
النهائية لهذا التطور هي في الواقع امتداد لمجال المعرفة بالصوت. فقد أعلنت عنها
شركة آبل أثناء إطلاق جهاز أيفون 4 في عام 2011 حيث أثبتت التكنولوجيا فعاليتها .
إلى جانب الهواتف الذكية تم إقحام الجهاز الصوتي أيضا في لوحات قيادة السيارات حيث
ستكون الفائدة جلية وهي على وشك تعميمها أيضا على جميع المعدات الأخرى . هذا إذن
هو معنى الحرب الجديدة التي يشنها عمالقة الإنترنت : وضع مساعدين رقميين عالميين
في عقر كل بيت لنكون قادرين على تجربة تطبيقات (البحث ، أو برنامج الأعمال الشخصي
، أو الطقس ، أو المعلومات وغير ذلك) بواسطة الأوامر الصوتية. كما ستتكاثر في
البيوت الأجهزة المتصلة بالشبكة مثل (مكبرات الصوت ، الأضواء ، المزالج ، أجهزة
الإنذار .. إلخ).
هل سيكون لدينا
قريبًا مساعد شخصي يطيع أوامرنا الصوتية ؟ ترجع العلاقة بين جميع تطبيقاته إلى
التقدم المتوقع في الذكاء الاصطناعي (والتعلم العميق) والذي يجد في هذا المجال كما
في مجالات أخرى من التطبيقات فضاء متميزًا للابتكار. بدءاً من تطبيقات الكتب
السمعية ونصوص الفيديو هذا فقط للأشخاص ضعاف البصر مرورا من السوق الهائل لمراكز
الاتصال وعلاقات العملاء مع احتمال أتمتة جزء كبير من الخدمات والأعمال وكنتيجة
لذلك تحقيق مكاسب كبيرة في الإنتاجية إلى دور الوسائط التي شرعت في استخدام مكبرات
الصوت الرقمية التي تقرأ تقارير الطقس والمعلومات العامة أو حتى الأدوات اللازمة
لإنشاء تلقائي لملخصات أحداث الفيديو من جميع الأنواع.
والأهم من ذلك كله
هو أن الويب قد دخل للتو في عصر chatbots أي الروبوتات التحاورية التي تمنح تطبيقات
أكثر تنوعًا لموهبة الكلام ، وهي برمجيات صغيرة قادرة على إجراء محادثات واقعية مع
متصفح إنترنت والتكيف مع إجاباته .
إن أدوات الصوت قد
مكنت من تحويل النص إلى كلام والكلام إلى نص والكلام إلى كلام وذلك بفضل التقدم في
تكنولوجيا (الترجمة العصبية الآلية) الترجمة الفورية كسماعات الرأس التي تترجم
اللغات الأجنبية فوريا . انتهى إذن عصر الحواجز بين اللغات ، حيث سيكون من الممكن
قريبًا العمل والسفر والتحدث وفهم لغة المحاورين عبر محادثات بسيطة ونحو حضارة
شفهية بلا حدود.
الخطوات الأولى
لثقافة شفهية جديدة
ما الذي يجب أن
نتوقعه عندما ستتقارب جميع هذه الاتجاهات وتتلاقى في ثقافة شفهية مهيمنة رقمية جديدة
أثبتت فعاليتها ؟ إنها بالطبع ستكون أخبار سيئة لعشاق الكتاب الورقي المتوقع
اختفاؤه تدريجيا تحت الضربات المتتالية لتقهقر النشر والتوزيع بالإضافة إلى تغيير
في عادات القراءة التقليدية . حتى لو كان هذا الانتقال طويل الأمد (انخفضت مبيعات
الكتب الرقمية في الولايات المتحدة انخفاضًا حادًا في عامي 2015 و 2016) فمن
المحتمل أنه لن يكون لدينا وقت لكي نعتاد عليه القراءة الشاشاتية لأن هناك جيلا
انخرط بالفعل في عصر الشفهية ... يقينا لن تختفي الكتابة في المدى المتوسط ولكنها
ستؤول حتما إلى الأفول شيئا فشيئا وستقتصر ممارستها على عشاق الكلمة المكتوبة أو
أولئك الذين يبرهنون الأشياء بالكتابة بدلا من الذهن ...
"هل سنرى
جيلًا جديدًا من المثقفين الذين سيشعرون بالراحة في خلق واستعمال المفاهيم ، دون
الاضطرار إلى وسيط الكتابة ؟ "لأنه
من دون شك أن مثل هذه التحولات ستكون لها عواقب وخيمة . إن القراءة الشاشاتية أو على
أي حامل إلكتروني تغير بالفعل من مهاراتنا بفوائد جلية وثابتة مثل إثراء التجربة
التي تتيحها الروابط التشعبية باستخدام قاموس أو صفحة معلومات . ولكن أيضًا هناك
مخاوف متعلقة بسرعة القراءة والتي ستنخفض بنسبة 25٪ في المتوسط بسبب بعض الاهتمامات
الطارئة التي تفاجئنا مثل (البريد الإلكتروني والإشعارات وعمليات البحث ..إلخ ) أو
اضطرابات الانتباه لدى الأطفال الصغار أو تعطيل القدرة على القراءة العميقة على الشاشة
. هناك بعض الخبراء مثل المؤلف الأمريكي نيكولاس كار الذين ذهبوا إلى حد بعيد إلى
إثارة مشكلة تهديد الكسل الفكري الذي يكمن في استخدام القراءة الرقمية كأولوية.
ــ كيف يمكن أن
يؤثر تغيير الوسيط ونهاية أسانيد الكتابة التقليدية على كفاءاتنا المعرفية؟
هذه المخاوف
التي ما تزال تسكننا والمتعلقة بالانتقال من الكتابة الورقية إلى الكتابة الرقمية
لن تكون ذات قيمة مقارنة بتلك المخاوف التي سوف تنشأ أثناء الانتقال من الكتابة
إلى الشفهية. ما الذي سيحدث لقدراتنا
المعرفية عندما سنتخلى عن الكتابة ؟ كيف سنبرر ونبرهن ذلك ؟ كيف سترتبط ممارستنا
الشفهية السائدة مع العديد من العلاقات الرقمية المتاحة (الذاكرة ، الترجمة ، من
الكلام إلى نص ...) ؟ هل سنرى جيلًا جديدًا من المثقفين الذين سيشعرون بالراحة في
استعمال وخلق المفاهيم دون الاضطرار إلى وسيلة الكتابة التقليدية ؟ هكذا سنرى أن هذه
الثقافة الرقمية الشفهية ستكون مختلفة تمامًا عن الثقافة التقليدية التي سادت منذ
فجر الإنسانية على الأقل من حيث أنها ستشمل الكتابة بوضعها في خدمة الشفهية.
ربما سنشعر
بالحسرة على ذلك مثل أفلاطون الذي تذمر من أخطاء الكتابة مما جعل سقراط يقول في
كتابه أن الكتابة "لاإنسانية" بسبب ما تقوم به من ممارسات خارج العقل والتي
في الواقع لا تجد مكانها إلا في العقل. لكن من جهة أخرى هناك شريحة واسعة من البشر
لم تتمكن من الوصول إلى الكتابة وهناك كثيرون مثل هؤلاء الهنود الحمر الذين عاشوا
أربعة آلاف سنة الماضية دون الكتابة والذين بمجرد حصولهم على هاتف ذكي سيتمكنون من
الوصول إلى معرفة بقية سكان الأرض عبر الإنترنت والفيديو ومنصات التحادث الرقمي.
إنه نوع من
انتقام السكان الأميين .. لأن عديدا من الشعوب سيتخطون عقبة الكتابة مثلما تجاوزوا
الهاتف والإنترنت الثابت للدخول مباشرة في عصر التجوال الرقمي ."يمكن لأي بلد
إحياء ماضيه المجيد الذي جعل من أسلافه ينتصروا لحضارة النقل الشفهي مما جعل منهم عمالقة
في الخطابة معترف بهم في جميع أنحاء العالم"
نفس الشيء
يمكننا أن نتخيل أن كتاب وشعراء المستقبل سيكونون حكواتيين وسوف ندعوهم خلال سهراتنا
الرقمية أو لمجموعة من الأصدقاء المنتشرين في الجهات الأربع من العالم . سيكون هذا
الحكواتي "الرقمي" حاضرًا بقوة الواقع الافتراضي بيننا في سهراتنا وسيجعلنا
نسافر في إبداعاته بفضل قوة كلامه المثير والمؤثر.
ليس موت الكتاب
الورقي وحلول الكتاب الرقمي محله هو السؤال الملح لأن هذا النقاش بات متجاوزا...
ودعونا ندفع بالنقاش أكثر إلى الأمام فهو لم يعد يثار حول "ما إذا كان
الإنترنت سيحل محل الكتاب الورقي" ولكن "ما إذا كان الفيديو سيحل محل
الكلمة المكتوبة".
مما لاشك فيه
أننا لم نكتب بمثل ما كتبناه اليوم منذ ظهور الإنترنت ووسائل الاتصال الرقمية
الجديدة على الحواسب وعن طريق البريد الإلكتروني أو النص القصير"التيكستو".
كما لو أن السنوات الأولى للإنترنت كانت بمثابة "معركة الشرف" وكما لو
كنا نحتفي بنهاية عصر ما لنعلن عن ولوجنا عصرا جديدا يتسم بكلمة أخف من الكلمة
المكتوبة في العصر السابق ... إنه أمر يشبه إلى حد ما استهلاكنا للأوراق البيضاء
الذي لم يتوقف عن الزيادة في وقت النسخ والطباعة الرقمية على الرغم من طموحنا
لبلوغ "صفر صفحة" ... وهو ما سيحدث في النهاية هذا المسلسل الماضي في تنحية
مواد صناعة الكتابة والتي تنطلق من إنشاء المحتوى إلى تخزينه وستكون أكثر ثقة
واكتمالا . فهل سنعود إلى الثقافة الشفهية التي فضلها الإغريق القدماء على الثقافة
المكتوبة ؟
في نهاية هذا
التحول الرقمي الذي سيغلق قوس "حضارات الكتابة" والتي استمرت لعدة آلاف
من السنين إذا ما أرخنا لبدايتها في بلاد ما بين النهرين وأكثر من خمسة قرون إذا
ما انطلقنا من اختراع مطبعة غوتنبرغ التي أسهمت بشكل خارق في دمقرطة الكتب
وانتشارها بين جميع الطبقات الاجتماعية .
ــ المؤلف جان
دومينيك سيفال هو نائب المدير العام لمركز أبحاث متخصص منذ 40 عامًا في تحليل
الأسواق والتحديات الدولية للاقتصاد الرقمي. كما عمل في عدة شركات مما أتاح له
فرصة تطبيق التحليل الاستراتيجي و المقاربات المستقبلية . وهو أيضا محاضر في
العديد من الجامعات وهو مؤلف كتاب "أنت بالفعل في 2025 يوميات حياتنا الرقمية" الذي أصدرته دار النشر Multimédi @
جون دومينيك
سيفال
Révolution numérique : la fin de la civilisation de l'écrit
? Jean-Dominique Séval