القدس العربي : ما من فن أوسع وأفسح يسع تجارب الأقدمين والمحدثين مثل الفن التشكيلي، ذلك أنه الفن الذي لا حدود لمعطياته المتجددة، بتجدد الرؤى والتجريب.
وتجربة التشكيلي المصري سعيد العبد ــ من مواليد عام 1975، ماجستير في الرسم والتصوير في كلية التربية الفنية جامعة حلوان 2003 ــ تندرج في هذا الإطار، ذلك أن منجزه التعبيري المتنوع والمتفرد بسمات كثيرة منها التماسك والتكامل المبني على تكوينات، تتحد لتخلق ملمحا جميلا يحافظ على فرادته في كل لوحاته، المتعددة الملامح والمفردات. ومن هذا المنطلق تمكن الفنان من إرساء قالب فني خاص به، رغم بعض التجاذبات التي تربطه بشكل ما بمدارس كالتكعيبية والسيريالية والتجريدية، لكن بطرازه الخاص وبنظرته وتجربته الذاتية.
التكراروالاختلاف
في لوحات كل فنان ـ عامة ـ تجد ثيمات أو موضوعات يشتغل عليها على الدوام، وحتى لا يتهم بالتكرار، الذي يبعد المنجزات الفنية عن الإبداعية بعمقها وجِدّتها، يعمد إلى تنويع التقنيات والمفردات والأبعاد، في تجسيد الثيمة ذاتها. والحال أن الفنان يحاول أحيانا أن يجسد الموضوع نفسه، بتقنيات وأساليب وتلوينات مختلفة فالسفن بأشرعتها قد تجدها في أكثر من لوحة، لكن الفضاءات التي تؤويها تختلف اختلافا ملحوظا، وفي كلٍّ تجد الفنان يحافظ على البصمة ذاتها، ما يجعل تجربته تجربة تضيف ملمحها الجمالي، إلى تجارب الآخرين، وفق مقاييس فنية تجسد إحساساته إزاء بيته بكل معطياتها. بهذه الفنية خاض سعيد المجال الفني، معبرا عن المعمار بأبوابه وأزقته وأبراجه، تعبيرا رائعا يجعلك مأسورا إلى رحابه، مستحضرا عبق تاريخه وتاريخ أهله. في لوحاته البحر بطقوسه وكائناته في ملمح يمزج بين معطياته امتزاجا منسجما، يتطلب من المشاهد التحديق المكرر بغية القبض على وضعيات المفردات، الممتزج على فضاء اللوحة بواجهتها وخلفيتها. لوحات يحضر فيها عنصر الإدهاش بشكل لافت، وقد عمد الفنان في ذلك إلى لعبة اللون والشكل، عبر الاتزان المنبني على الاتصال والانفصال، بين الانكسار والانحناء للأشكال التي ينجز بها إبداعاته. وما يغلب على إيحاءات لوحاته هو هذا الهدوء المريح، خاصة وهو يختار موضوعاته من البيئة، بثباتها وصمودها أمام سطوة الزمن، كذلك تتميز لوحاته بكثافة المفردات، فلا يترك للفراغ سوى حيز ضيق، ما يحيل على صبر الفنان وتعايشه الوجداني مع اللوحة، مدة كافية تخرجها ممتلئة بعناصر متناغمة، متداخلة، عبر قالب جمالي يجعله ذا أثر على النفس. وبهذا المنحى الإبداعي جاءت أعماله الفنية عميقة الإيحاء والدلالة، عبر ألوانه المتوازنة المتراوحة بين الساخنة والباردة، بانسجامية خاصة، فهو أبعد من أن يكون ممن يعقدون توترا بين لون ولون وشكل وشكل، فكل المعطيات تتحد وتتكامل من أجل ملمح أخير يقدمه الفنان كهدية مُبهجة لجمهوره.
تعدد الخامات والتقنيات
إن الفنان المتفرغ لدرب الفن يكتشف عبر مشواره الإبداعي الكثير من الإمكانيات التعبيرية، كما يكتشف تقنيات وخامات من شأنها أن تحقق الكثير وتمنح التميز للإبداعات حين تتأسس على الابتكار، والحال أن تجربة الفنان ثرية ومتناسلة ومتجددة، ونشير إلى استعماله الكثير من التقنيات تصويريا وتكنولوجيا إلى جانب استخدامه ضروبا من الخامات منها الألوان الزيتية والمائية والأقلام الملونة والأحبار وغيرها من كل ما يراه يثري ويطعم فحوى إبداعاته. لذا تنضاف تجربة سعيد العبد إلى تجارب مبدعين يعلنون أن لا نهاية لبحثهم وتجربتهم الإبداعية التي يطوعونها لتنساق لرؤاهم إزاء المحيط والبيئة وما يتفاعلون به في حياتهم اليومية. إضافة إلى احترافية العبد التي تجعله قادرا على تدجين كل الأشكال وفق مبتغاه الملائم للاتجاه الإبداعي الذي يختاره.
٭ كاتب وتشكيلي مغربي