تصريح وزير في الحكومة المغربية بأن أخلاقه السياسية ومسؤوليته تمنعانه من الإدلاء بتصريح حول مشروع قانون يصادر حرية المغاربة، نفهم منه بوضوح بأنه لا أخلاق في السياسة ولا مسؤولية فعلية.
لا أخلاق لأن المسؤول الحكومي من واجبه تحمل مسؤولية ما يقوم به والدفاع عنه من موقعه، وإخبار الرأي العام في حينه وبشفافية، بالتدابير المتخذة وبكيفية اتخاذها، ولا مسؤولية لأن الذي يبدو أن معضلة الحياة السياسية المغربية هي دائما وإلى أجل غير مسمى، أن المسؤولية الفعلية مسندة إلى كائنات شبحية غير محدّدة.
نحن أمام المشهد السريالي التالي: حكومة تصادق في مجلسها وبمكوناتها الحزبية المختلفة على مشروع قانون يتملص منه بعد ذلك كل طرف على حدة، ويسعى إلى إلقاء مسؤوليته على غيره عندما تسربت بعض مواده إلى الرأي العام، كما شرع بعض الوزراء الذين شاركوا في لجنة تدارسه بلعب دور الأبطال الخارقين الذين حاولوا تعديل المشروع، الذي لم يصغه في الواقع أي منهم، بل نزل عليهم كالصاعقة فتعاملوا معه كما يتعامل الأطفال بالبطاطس الساخنة، يرميها كل واحد للآخر.
الذي نحن متأكدون منه هو أن هناك أحزابا في الحكومة المغربية مستعدة لتمرير أي مشروع قانون والمصادقة عليه في جميع المحطات التي يمرّ بها، خاصة عندما تكون متأكدة من أن مضمونه يعكس إرادة السلطة العليا، ولكنها في نفس الوقت وبسبب أن كل اهتمامها منصرف منذ الآن إلى انتخابات 2021 ، تعمل على تغيير القبعات والأقنعة والألوان طلبا لودّ الجمهور الذي ساهمت في مصادرة حق من حقوقه الأساسية، وتسعى رغم ذلك للحصول على أصواته.
من باب الضحك على الأذقان القول إن مشروع قانون من هذا النوع قد صاغه وزير بعينه في وزارة بعينها، لأن الواضح منه أنه يعكس التوازنات والاختيارات التي تراهن عليها اللوبيات المهيمنة في الدولة، وخاصة منها اللوبي السياسي ـ الاقتصادي، لكن قواعد اللعبة السياسية التي تخضع لها الأحزاب وتعمل في إطارها تفرض على بعضها تحمل عبء كل الاختيارات التي ليست بالضرورة اختياراتها، وتعريض نفسها للنقد والهجوم بدلا من ذوي القرار.
خلاصة تركيبية:
يُظهر ما يجري حاليا درسين اثنين: الأول يقول بأهمية وحيوية الفصل بين السلطة والتجارة والأعمال، لأن اجتماعها يعرقل صدور قوانين عادلة ، والثاني يشير إلى استحالة وجود حكومة مسؤولة أمام المغاربة في غياب فصل السلطات الذي يجعل الحكومة المنتخبة تتحمل تبعات قراراتها النابعة منها.
إن القوانين من حيث المبدأ توضع لضمان الحق والعدل، لكنها قد تنقلب إلى عكس ذلك عندما يكون التعاقد الذي تقوم عليه الدولة مبنيا فقط على سلطة الأقوى لا على ترسيخ ديمقراطي حاسم.