-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

إفطار الغربة أشق من صيامها عزيز رزنارة

على امتداد حوالي ربع قرن من الإقامة في الإمارات، خبرت أجواء رمضان المعظم في الدولة خريفا وشتاء وربيعا وصيفا. هذا إذا جاز لنا أن نتكلم عن فصول أربعة في منطقة الخليج برمتها.
لم أستسغ منذ صيامي الأول في الدولة بعض طقوس الإفطار فيها، سواء لدى أهل البلد أو بعض المقيمين المشارقة، ومنها على الخصوص "فرشخة" الدجاج أو اللحم بمجرد انتهاء المؤذن من آذان المغرب. لن أستطيع أبدا أن أبلع قطعة صلبة أيا كان نوعها قبل توطئة سائلة من حليب أو ماء أو عصير وبالأخص كأس شاي منعنع ساخن. 
دأبنا في المغرب على ملء مائدة الإفطار بالسوائل أكثر من أي نوع آخر من الطعام. حتى الأكلة الرئيسية في إفطار المغاربة "الحريرة" هي كوكتيل سائل جامع مانع لمواد غذائية متنوعة بما فيها اللحم والخضراوات والبقوليات والدقيق والسمن وغيرها مما تتفرد به كل جهة من المغرب في "حريرتها". وتحف عادة بالحريرة مستلزمات أخرى ضرورية مثل التمر والتين المجفف والشباكية. هذا طبعا لمن دأبوا على بدء الإفطار بالحريرة، أما غيرهم، وأنا منهم، فيستهلون إفطارهم بسائل ساخن مثل الشاي المنعنع أو القهوة بالحليب ك"تدويزة" سلسة للمسمن والرغايف والبطبوط والبغرير وكلها عادة ما تكون مثخنة بالعسل وزيت الزيتون أو الزبدة البلدية. وهذا كله يكون بطبيعة الحال بعد "قطع" الصيام بشقة تمر تليها جرعة حليب أو جرعات من عصير فواكه طازجة قبل صلاة المغرب لمن هداه الله للصلاة قبل الجلوس لمائدة الإفطار. 

هل من دأب على هذه الطقوس "السيلية" يمكنه أن يبدأ بقطعة لحم، من دجاج أو خروف، كإفطار لرمضان؟

لهذا، وعندما أقضي شهر رمضان في الإمارات، كنت أفضل أن أحضر إفطاري بنفسي لكي أحرص على غلبة السوائل فيه حتى ولو كان بسيطا. وكثيرا ما كنت أعتذر عن تلبية دعوات إفطار من أصدقاء مواطنين أو عرب مشارقة درءا لما قد أعيشه من لحظات حرجة كما حصل معي في أول دعوة إفطار لي بالدولة منذ ما يربو على 22 سنة، مازالت تراجيديتها ماثلة أمام عيني وأستحضرها عند كل دعوة إفطار بالدولة:
كان ذلك خلال أول رمضان لي بالدولة وأظنه سنة 1995، حيث عزم رئيس المجموعة التي أشتغل بها كل مدراء وأطر مجموعته للإفطار في أول أسبوع من رمضان تلك السنة. كان ذلك أول إفطار جماعي أحضره منذ وصولي البلد. بعد الآذان مباشرة قطعنا الصيام بتمرة وجرعة ماء قبل أن نؤدي جماعة صلاة المغرب. بعدها انتظمنا حول "سماط" الأكل البلاستيكي الذي كان ممدودا على سجاد الصالة الكبيرة. وكانت الأطباق تملأ "السماط" كله وقد تنوعت بين مختلف الأطباق الشرقية (الشامية على الخصوص) والخليجية: أرز بمختلف الأشكال مع دجاج ولحم خروف، مقبلات شامية، محاشي مختلفة، سلطات متنوعة، عصيد، تمور، تتخللها أكواب العصائر والمياه وغيرها. ولأن الجلوس كان عشوائيا فإن كل واحد منا اكتفى بما أمامه من أصناف المأكولات دون أن يكون في مقدوره أن يمد يده إلى طبق بعيد عنه بحكم أن الجميع كان جائعا ومنشغلا بالأكل بعد يوم كامل من الصيام. وكان من حظي العاثر أن يكون أمامي مباشرة طبق كبير مما عرفت من بعد أنه يطلق عليه "التبولة". ولكم أن تتصوروا حالة إنسان صائم طيلة اليوم ثم لا يجد أمامه للإفطار سوى صحن "تبولة"، بينما انهمك الآخرون في "فرشخة" الدجاج وقطع اللحم التي كانت ترصع أطباق الأرز المختلف ألوانه. وانتابتني نوبة من الغبن و"الحكرة" كرهت بعدها "التبولة" لما يربو على ال20 سنة حتى صالحتني معها منذ أشهر قليلة زيت الأركان بعد أن أضفتها لها لأتمكن من بلعها. لم ينقذني من هذا الوضع المأساوي سوى زميل مصري رمقني وفهم وضعي، فانتقى طبقا وضع فيه من كل لون قليلا من الطعام وأتى به إلي. تحاملت على نفسي وأكلت بعض ما استطعت بلعه لأنني تعودت أن لا آكل شيئا في الإفطار قبل كأس شاي منعنع تنفتح بعده شهيتي لكل شيء. بعد تلك الليلة ، وعندما أقضي رمضان في الدولة،  لا أظن أنني أفطرت خارج بيتي إلا لماما وعندما لا يمكنني رفض الدعوة لأسباب خارجة عن إرادتي. 
لهذا أعتبر أن الصيام في الدولة، ومهما كانت حالة الطقس، لا يشكل مشكلا في حد ذاته، على الأقل بالنسبة لي، كما هو حال الإفطار. نحن شعب تعودنا على "السيولة" في إفطارنا ولذلك تفننا فيها وزادنا الله بسطة في علم "السوائل" الغذائية. وليكون هناك نوع من العدل في الأٍرض فقد قدر على أغلبنا "السيولة" النقدية ونحمد الله على ذلك لأن له فيه حكمة لا ندريها ومن الأفضل ألا نبحث فيها وعنها.

تقبل صيامكم وقيامكم أينما كنتم وكل عام وانتم بخير

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا