إلى ناجي العلي في ذكرى اغتياله الثالثة والثلاثين
الرباط: يعتبر الإيطالي موسيني Mosini أول من استعمل عبارة «كاريكاتير» (بالفرنسية:Caricature) في منتصف القرن السابع عشر (1646)، وتنحدر من كلمة «Caricare» التي تعني «المبالغة وتحميل الشيء ما لا يطيق». بينما نشرها النحات ورسام الكاريكاتير الإيطالي جيان لورينزو برنيني، بعد منتصف القرن السابع عشر في المجتمع الفرنسي أثناء رحلته إلى فرنسا عام 1665.
ينتمي الكاريكاتير إلى حقل الفنون التشكيلية، في ما يعد أحد الأجناس التواصلية والصحافية المعتمدة في استقطاب القراء والمهتمين، بناء على إمكانات الكاريكاتير في توظيف أقصى درجات السخرية والفكاهة، وعلى قدراته النقدية، المختزلة والصريحة، بحيث يمكن أن يمرر المواقف والأفكار والأحكام والتصورات، بشكل نافذ، قد يفوق أدق المقالات والتحقيقات والتقارير الموصولة بالأحداث السياسة والأوضاع الاجتماعية وغيرها. معه، يتشكل الخطاب Discours أساسا عبر الرسم Dessin (الذي يعتمد عنصر الخط La ligne) كأداة أساسية في تكوين «الموضوع»، ولذلك يقتضي مهارة الرسم، وكفايات التحويل والتحوير والتحريف، والتكبير والتصغير، والمبالغة والتشويه والمسخ، بقدر ما يتطلب المتابعة الحثيثة للوقائع والمتغيرات، إضافة إلى الموهبة والذكاء في الإنجاز، الذي يقوم على فكرة طريفة ومكثفة، بعيدا عن أي إطناب، بحيث يظل الكاريكاتير الذي يكتفي بالرسم فقط، بدون الاستعانة بالنص المكتوب الذي يتخذ صبغة ثانوية ومكملة، هو النموذج الأقوى والناجح والأكثر جاذبية.
في العالم العربي، يظل الفنان الفلسطيني الراحل ناجي العلي (ناجي سليم حسين العلي 1937- 1987)، نموذج الكاريكاتيريست، الذي تأكدت معه شساعة الخطورة التي يمكن أن تلحق ممارس الكاريكاتير، إذ اغتيل في لندن يوم 22 يوليو/ تموز 1987 (واستشهد يوم 29 يوليو) بقصدية التصفية، كما أكدت على ذلك تقارير الحادث، بعد أن تم اعتقاله عدة مرات من قِبَل القوات الإسرائيلية. بقدر كبير من النباهة، ابتكر ناجي العلي بطله الطفل «حنظلة»، «رمز الفلسطيني المعذب والقوي» في 1969 فيجريدة السياسة الكويتية، وجعله يدير ظهره بيَدَيْن معقودَتين إلى الخلف بعد 1973، وأمسى على هذه الهيئة يتناسل كتوقيع لرسوماته، مصرحا بكون «حنظلة هو بمثابة الأيقونة التي تمثل الانهزام والضعف في الأنظمة العربية».
على هامش معرضه، ألقى فنان الكاريكاتير السوري أكرم رسلان عرضا صرّح فيه بأن «فن الكاريكاتير ارتبط بالديمقراطية، لأنه وسيلة تعبير انتقادية تعطي صورة واضحة عما تعنيه حرية الفكر وحرية الاعتقاد»، وبذلك يكون قد انزاح عن «قواعد السلامة» التي سطّرها الإعلام الرسمي في سنوات الثورة السلمية بين 2011 و2012. فعلى الرغم من واقعية القَوْل والرسم، تم اعتقاله بتاريخ 10 أكتوبر/تشرين الأول 2012 من مبنى صحيفة «الفداء»، التي يشتغل فيها، وظل مصيره مبهما طيلة السنة الأولى من اعتقاله، إلى أن طفت إلى السطح أخبار تفيد بمقتله تحت التعذيب. وقد أثيرت قضية اعتقال أكرم رسلان (المولود سنة 1974) في منابر إعلامية دولية، ومنها المتخصصة في القمع، الذي يتعرض له رسامو الكاريكاتير، ليتم وضع مصيره ضمن الاهتمامات الأولى للشبكة الدولية لحقوق رسامي الكاريكاتير، التي اختارته فائزا بجائزتها السنوية لدورة 2013 «بسبب شجاعته الاستثنائية في مواجهة قوى العنف بالرسوم التي قال فيها الحقيقة فقط».
في السياق السوري ذاته، لم يسلم فنان الكاريكاتير علي فرزات (المولود في 1959) من التعنيف المفرط، لكونه قرر الدفاع عن المواطنين المقهورين بسلاح الرسوم الساخرة، ونشرها في الجرائد والمجلات الوطنية، غير أن أحد أقسى تعبيراته الخطية كانت دافعا لاختطافه بعد نشر الرسم بساعات معدودة في يوم 25 أغسطس/آب 2011، ليتم اقتياده إلى مكان مجهول، حيث خضع للتنكيل والتعذيب، وتم إطلاق سراحه بيدَيْن مكسورتَيْن، كرسالة تحذيرية موجهة إلى كل ممتهني الكاريكاتير. ساهم هذا الحدث في إبرازه أكثر على الصعيد الدولي، إذ بعد أشهر، تم تتويج السوري علي فرزات بجائزة «ساخاروف» لحرية التفكير في بروكسيل (بلجيكا)، تسلمها من لدن الرئيس الأوروبي. وقد أصدر علي فرزات عام 2000 صحيفة خاصة بفن الكاريكاتير سماها «الدومري»، باعتبارها أول صحيفة مستقلة يتم منحها ترخيصا منذ 1963 في سوريا، غير أنها قوبلت بالإغلاق بعد سنتين من صدورها نظرا لجرأتها غير المعهودة.
بعد أسبوعيْن من إطلاق سراحه بكفالة مالية في قضية نشره رسما كاريكاتيريا عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، تم اعتباره «يمس الذات الإلهية»، قُتِل الكاتب والصحافي الأردني ناهض حتر أمام قصر العدل وسط عمان يوم 25 سبتمبر/أيلول 2016، رميا بثلاث رصاصات غادرة من قبل شخص عُرف بتشدده في المنطقة التي يقطن فيها، كما له سوابق أمنية. عرفت الجريمة استنكارا واسعا من قبل مختلف القيادات المجتمعية والسياسية والإعلامية، فيما استنكرت دائرة الإفتاء الأردنية بدورها اغتيال الكاتب ناهض حتر، مؤكدة على براءة الدين الإسلامي من هذه الجريمة البشعة، بدليل منعه الاعتداء على النفس البشرية لكونه دين الرحمة والعدالة والتسامح.
هذه القضايا والوقائع الأليمة، تعيدنا إلى مبحث علاقة الفن بالحرية عموما، وعلاقة فن الكاريكاتير بحقوق الإنسان، خاصة أن النماذج السابقة، تؤكد لنا قوة الكاريكاتير في التأثير والاستفزاز والقساوة، في ما تـُمَوْضِعنا بشكل جلي داخل جدل الفعل ورد الفعل، ذلك أن الكاريكاتير يُعَدُّ جَمْرَة لاهبة في يد ممارسيه، إذ ينبني على المُزْحَة والفكاهة والدعابة، بقدر ما يقوم على الفَتْك والتَّدْمير، لأنه يكشف أعماق الجروح الدفينة، والتناقضات والاختلالات، ورؤية الآخر والمجتمع للأنظمة والقيادات والمقرِّرين، في الوقت الذي تشتغل فيه الريشة بحد السهم الذي يشرح ويُشَخِّص، باختصار شديد وبسيط القضايا والمفارقات السياسية والاجتماعية والتنموية وغيرها.
على هامش معرضه، ألقى فنان الكاريكاتير السوري أكرم رسلان عرضا صرّح فيه بأن «فن الكاريكاتير ارتبط بالديمقراطية، لأنه وسيلة تعبير انتقادية تعطي صورة واضحة عما تعنيه حرية الفكر وحرية الاعتقاد»، وبذلك يكون قد انزاح عن «قواعد السلامة» التي سطّرها الإعلام الرسمي في سنوات الثورة السلمية بين 2011 و2012. فعلى الرغم من واقعية القَوْل والرسم، تم اعتقاله بتاريخ 10 أكتوبر/تشرين الأول 2012 من مبنى صحيفة «الفداء»، التي يشتغل فيها، وظل مصيره مبهما طيلة السنة الأولى من اعتقاله، إلى أن طفت إلى السطح أخبار تفيد بمقتله تحت التعذيب. وقد أثيرت قضية اعتقال أكرم رسلان (المولود سنة 1974) في منابر إعلامية دولية، ومنها المتخصصة في القمع، الذي يتعرض له رسامو الكاريكاتير، ليتم وضع مصيره ضمن الاهتمامات الأولى للشبكة الدولية لحقوق رسامي الكاريكاتير، التي اختارته فائزا بجائزتها السنوية لدورة 2013 «بسبب شجاعته الاستثنائية في مواجهة قوى العنف بالرسوم التي قال فيها الحقيقة فقط».
في السياق السوري ذاته، لم يسلم فنان الكاريكاتير علي فرزات (المولود في 1959) من التعنيف المفرط، لكونه قرر الدفاع عن المواطنين المقهورين بسلاح الرسوم الساخرة، ونشرها في الجرائد والمجلات الوطنية، غير أن أحد أقسى تعبيراته الخطية كانت دافعا لاختطافه بعد نشر الرسم بساعات معدودة في يوم 25 أغسطس/آب 2011، ليتم اقتياده إلى مكان مجهول، حيث خضع للتنكيل والتعذيب، وتم إطلاق سراحه بيدَيْن مكسورتَيْن، كرسالة تحذيرية موجهة إلى كل ممتهني الكاريكاتير. ساهم هذا الحدث في إبرازه أكثر على الصعيد الدولي، إذ بعد أشهر، تم تتويج السوري علي فرزات بجائزة «ساخاروف» لحرية التفكير في بروكسيل (بلجيكا)، تسلمها من لدن الرئيس الأوروبي. وقد أصدر علي فرزات عام 2000 صحيفة خاصة بفن الكاريكاتير سماها «الدومري»، باعتبارها أول صحيفة مستقلة يتم منحها ترخيصا منذ 1963 في سوريا، غير أنها قوبلت بالإغلاق بعد سنتين من صدورها نظرا لجرأتها غير المعهودة.
بعد أسبوعيْن من إطلاق سراحه بكفالة مالية في قضية نشره رسما كاريكاتيريا عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، تم اعتباره «يمس الذات الإلهية»، قُتِل الكاتب والصحافي الأردني ناهض حتر أمام قصر العدل وسط عمان يوم 25 سبتمبر/أيلول 2016، رميا بثلاث رصاصات غادرة من قبل شخص عُرف بتشدده في المنطقة التي يقطن فيها، كما له سوابق أمنية. عرفت الجريمة استنكارا واسعا من قبل مختلف القيادات المجتمعية والسياسية والإعلامية، فيما استنكرت دائرة الإفتاء الأردنية بدورها اغتيال الكاتب ناهض حتر، مؤكدة على براءة الدين الإسلامي من هذه الجريمة البشعة، بدليل منعه الاعتداء على النفس البشرية لكونه دين الرحمة والعدالة والتسامح.
هذه القضايا والوقائع الأليمة، تعيدنا إلى مبحث علاقة الفن بالحرية عموما، وعلاقة فن الكاريكاتير بحقوق الإنسان، خاصة أن النماذج السابقة، تؤكد لنا قوة الكاريكاتير في التأثير والاستفزاز والقساوة، في ما تـُمَوْضِعنا بشكل جلي داخل جدل الفعل ورد الفعل، ذلك أن الكاريكاتير يُعَدُّ جَمْرَة لاهبة في يد ممارسيه، إذ ينبني على المُزْحَة والفكاهة والدعابة، بقدر ما يقوم على الفَتْك والتَّدْمير، لأنه يكشف أعماق الجروح الدفينة، والتناقضات والاختلالات، ورؤية الآخر والمجتمع للأنظمة والقيادات والمقرِّرين، في الوقت الذي تشتغل فيه الريشة بحد السهم الذي يشرح ويُشَخِّص، باختصار شديد وبسيط القضايا والمفارقات السياسية والاجتماعية والتنموية وغيرها.
تشكيلي مغربي