إن الصناعة القصصية هي بناء و استراتيجية متفاعلة العناصر و المكونات . فلا يستقيم عود القصة القصيرة من دون الحوافز les Motifs ، بما هي الوسيلة و الأداة التي تساعد على تنامي الأحداث ، وتسارعها نحو تأزيم جميع عناصر الحكي من شخوص و مكان و زمان . وفي هذا الإطار يشير الباحث و الدكتور حميد لحمداني في كتابه بنية النص السردي ، إلى أن الحوافز تقتضي الخضوع لمبدأ السببية ، و للنظام الداخلي ؛ وهذا من أكبر الروافد الجماليّة ، التي تضخ الحيوية والرشاقة في جسد القصة بصفة عامة . علاوة على ذلك فالحكي هو مجموع الأحداث المتداخلة التي تشكل الحكاية ، فالحوافز لا تزيغ عن اللغة و وظائفها . كما أن للزمن يدا طولى في التأثير المباشر على تسلسل الأحداث في نسق و ناموس معين و خاص .
وفي هذا الإطار، فالتقيد بالزمن ، في الدراسات الحديثة ، أصبح غير
مجد و غير ملزم للقاص. فأسطورة الزمن التصاعدي في الحكي أصبحت متجاوزة في التاريخ
، وتنأى عن الواقع الذي يفرض التعاقب فرضا طبيعيا. فكما أشار الباحث الشكلاني
الروسي الكبير توماتشفسكي أن ثمة علاقة جوانيَّة بين تعدد الحوافز أو الحوافز
المشتركة ، في المتن الحكائي ، و الرؤية الفنية ، التي يسعى إليها الإبداع عموما .
إذن ، لابد أن نقف ، في ثنايا التحليل ، عند هذا المنعطف في دراستنا للجانب الجمالي في القصة .
وفي المقابل نجد عند عالم البنيوية الفرنسي رولان بارث ارتباط
الحوافز بالألفاظ و العبارات . وذلك من خلال البحث عن المعنى الثاوي في الخطاب
القصصي . فالحوافز ، عند بارث ، تـُخلق من اللغة ومن الدلالات. فالتبئير ينصب على
المفردات لاستخراج الوظائف ، التي تقوم بها
والحوافز التي يسعى إليها الكاتب .
في ظل هذا التجاذب المعرفي ، حول بناء محتوى
الإبداع القصصي بين مختلف المدارس
والتيارات ، إلا أن هناك اتفاقا حول شيء مهم ، اعتبر كجسرٍ يوحد مختلف
الروافد المعرفية ، التي تغذي الفكر الإنساني بعامة . فالجماليّة أو بلاغة الإمتاع
تكون حاضرة و متحققة من خلال إقحام مكونات ذات صلة بالواقع ، تدخل في تناغم و باقي
المكونات الأخرى . غير أن البناء لا يكتمل له صرحٌ إلا بالوقوف على البناءات
العامة ، التي تسيج محتويات القصة القصيرة ، وترمي بها في أتون إثبات وجود الذات ،
كجنس أدبي قادر على احتواء الظاهرة الإنسانيَّة . وفي هذا الصدد نشير إلى بعض هذه
الأنواع في عُجالة ، على أن نعود إليها بشيء من التفصيل . ومن بين هذه البناءات
نجد :
أـ البناء المنغلق : وفيه يكون القاص شديد
الحرص على الاختزال و تقليص الهوامش المولدة للحكي و الفعل السردي ؛
ب ـ البناء المتفجر : ومنه ينطلق الكاتب لينسج
عوالمه الخاصة ، و يتيه في دروب الإبداع . مفجرا للعلاقات ، حيث تغدو القصة مشتلا
للعديد من الإحساسات المتدفقة في سرد الحكاية ؛
ج ـ البناء المتشظي : وفي هذا الضرب تصبح القصة
تعرف التشتت و التلاشي وعدم الانسجام بين مكوناتها ؛ وبالتالي تختزل على شكل لوحات
فنية ، ينعدم فيها الترابط ، الذي يحفظ ماء النص القصصي.
إن لهذه البناءات الخارجية للنصوص القصصية فعلا
سحريا في التأثير المباشر على تلقي القصة القصيرة . إذن ، فبلاغة الإمتاع لا تقف
عند حدود الحوافز و الوظائف ، بل تتعدى ذلك لتصل إلى ما له صلة بالبناء الخارجي ككل . كما أن ربط المنتوج
الإبداعي بما هو واقعي شيء تثمنه التوجهات الحديثة في الإبداع القصصي، شريطة أن
يتحقق الانسجام و التوافقَ بين مختلف المكونات الأخرى .