حلت يوم السبت 3 أكتوبر 2020 الذكرى التاسعة لرحيل الفنان الشعبي الكبير مصطفى سلمات، وهي مناسبة ذكرنا بها المبدع الكاريكاتوري الأستاذ بلعيد بويميد من خلال نص نشره هذا اليوم بمجلتنا الإلكترونية "رواق" تحت عنوان دال "مصطفى سلا... مات؟؟؟؟"، وتفاعلا مع هذا النص الجميل والرسم الكاريكاتوري المصاحب له أقترح الإطلالة التالية على المسيرة الفنية الزاخرة بالعطاءات المتنوعة للراحل سلمات أو "بوهالي" المسرح والسينما والتلفزيون ببلادنا:
مصطفى سلمات، المزداد بالدار البيضاء سنة 1944 والمتوفى بها يوم
3 أكتوبر 2011، فنان متعدد المواهب جذبه
المسرح إليه منذ مراحل الدراسة الابتدائية والثانوية فانخرط في عوالمه كممثل مع
فرق هاوية ومحترفة واحتك بكبار المخرجين والممثلين المسرحيين المغاربة أمثال أحمد
الطيب لعلج (1928- 2012) وفريد بنمبارك (رحمه الله) ومحمد الخلفي وعبد اللطيف هلال
ومصطفى التومي (رحمه الله) وعبد العظيم الشناوي (1939- 2020) وعبد القادر البدوي
والطيب الصديقي (1938- 2016)، الذي ارتبط بعوالمه المسرحية منذ سنة 1965 ورافقه في
مختلف مغامراته الفنية، وعبد القادر مطاع والشعيبية العدراوي ونعيمة المشرقي ومحمد
الحبشي (1939- 2013) وصلاح الدين بنموسى وغيرهم كثير.
وشكل انضمامه إلى مسرح الصديقي منذ لحظة إشراف هذا الأخير على إدارة المسرح البلدي بالدار البيضاء وعبر سنوات طويلة فرصة ذهبية للتكوين الرصين والشامل في مختلف جوانب وتقنيات أب الفنون بعد دروس الفن الدرامي التي تلقاها منذ سنة 1962 بالمعهد البلدي للمسرح والموسيقى، إلى أن أصبح مرجعا لا يستغنى عنه في فنون الفرجة. لقد دفعه عشقه الصوفي للمسرح وعوالمه إلى التضحية بالعديد من الوظائف وعدم تتويج دراسته الثانوية بالحصول على شهادة البكالوريا .
مارس سلمات إلى جانب التشخيص في المسرح والسينما والتلفزيون فنون الغناء والعزف على بعض الآلات الموسيقية وكتابة نصوص زجلية والمساعدة في الإخراج المسرحي وإخراج بعض المسرحيات ك "لهبال فلكشينة" و"أيام زمان" و"قلوب لحجر" و"ضلعة عوجة" و"البغلة هذا شهرها" في إطاري مسرح الهواة والمسرح الاحترافي وغير ذلك، وريبيرتواره المسرحي كممثل وتقني يزخر بعناوين دالة نذكر منها ما يلي: "الناعورة" و"ثمن الحرية" و"مدينة النحاس" و"سلطان الطلبة" و"محجوبة" و"سيدي عبد الرحمان المجدوب" و"سيدي ياسين في الطريق"، التي صورت للتلفزيون المغربي سنة 1967 وحولها الطيب الصديقي إلى فيلم سينمائي من إخراجه سنة 1984 بعنوان "الزفت"، و"مومو بوخرصة" و"حليب الضياف" و"عطيل" و"الأكباش" و"مقامات بديع الزمان الهمداني" و"الغفران" و"بوكتف" و"أبو حيان التوحيدي" و"ألف حكاية وحكاية في سوق عكاظ" و"حكايات بلا حدود" و"بوغابة" و"السحور" و"الحراز" ...
أما أعماله التلفزيونية فقد انطلقت في عقد الستينيات من القرن
الماضي واستمرت على شكل مسرحيات صورها التلفزيون المغربي، وتلت ذلك مشاركته في دور
القاضي في إحدى حلقات برنامج "محاكمات فنية"، الذي كان يشرف عليه الشاعر
والصحافي عبد الرفيع جواهري، وتعاونه مع المصري المقيم بالمغرب الراحل يسري شاكر
في سلسلة حكاياته الشعبية ك "زهور وقدور" وخاصة "لالة غنو" التي
حضر فيها مصطفى سلمات كراوي ومؤدي للأغنية المصاحبة للجينيريك. ويمكن اعتبار سلمات
عنصرا ثابتا في جل أعمال المخرجة التلفزيونية المتألقة فريدة بورقية مثل "المجدوب"
و"جنان الكرمة" و"الدار الكبيرة" ...، بالإضافة إلى أعمال
أخرى من توقيع مخرجين آخرين كجمال بلمجدوب في "خلخال الباتول" والراحل أمين
النقراشي في "الجوهر الحر" و"علال القلدة" و"الزمن
العاكر" لمحمد إسماعيل وغيرها.
وتتضمن فيلموغرافيته السينمائية عدة عناوين نذكر منها الأفلام
المغربية القصيرة" العرض الأخير" لنور الدين لخماري و"لحظة حلم"
لمحمد فاخر و"نوح" للراحل محمد مزيان و"شوف تشوف" للراحل أمين
النقراشي و"جزيرة يوم ما ..." لعز العرب العلوي و"بركة"
لمصطفى القادري و"نهاية اللعبة" لعبد الواحد الموادين و"انتظار"
لعلي الدرماوي و"طيارة الورق" لعز الدين الوافي والأفلام الطويلة "حلاق
درب الفقراء" للراحل محمد ركاب و"لالة شافية" للراحل محمد بن عبد
الواحد التازي و"الزفت" للراحل الطيب الصديقي و"أيام شهرزاد
الجميلة" لمصطفى الدرقاوي و"ريزوس دم الآخر" للراحل محمد لطفي و"عبروا
في صمت" لحكيم نوري و"الناعورة" لعبد الكريم الدرقاوي والراحل إدريس
الكتاني و"خيط الروح" لحكيم بلعباس و"حديث اليد والكتان" لعمر
الشرايبي وغيرها...، بالإضافة إلى مشاركته في بعض الأعمال الأجنبية المصورة جزئيا
أو كليا ببلادنا مثل "ريح توسانت" لجيل بيهات و"ألف ليلة وليلة"
لفليب دو بروكا ...
تجدر الإشارة إلى أن الفنان الشامل مصطفى سلمات، رغم قدراته
التشخيصية الهائلة، لم تتح له السينما فرصا لتشخيص الأدوار التي كان يحلم بها وذلك
لأن جل الأفلام التي شارك فيها كانت أدواره فيها جد ثانوية باستثناء بعض الأفلام
القصيرة التي تألق فيها وعلى رأسها فيلم "العرض الأخير" للخماري .
كما تجدر الإشارة أيضا إلى أن شخصية "البوهالي" أو "الهداوي"
ظلت مرتبطة بأدواره في المسرح والتلفزيون والسينما منذ تشخيصه الرائع لدور
البوهالي في مسرحية الصديقي "مدينة النحاس" إلى جانب الممثلة القديرة
الشعيبية العدراوي سنة 1966.
لقد عاش سلمات متيما
بالمسرح، عاكفا في محرابه، لم تغره الماديات كما أغرت غيره، ومات بيولوجيا عزيز
النفس رغم وطأة المرض اللعين، لكن فنه لن يموت وسيظل ذكره ساريا في تاريخ التشخيص
المسرحي وغيره لأنه ممثل أصيل يفيض إنسانية.. رحمه الله.