لن أنشر صُورة تفيض ببسمة توزع الأمل، لن أبعث لكم (ن) تهنئة حلول السنة الميلادية (2021). لن أرسل تهنئة لأحد ونحنُ نودع سنة (إنا لله وإنّا إليه راجعون) بامتياز. لن أحلم بقدوم سنة جديدة ونحن لازلنا نحصي الموت بدل الحياة، فقد تموت سنة (2020) حتى هي، بموت الفزع من (كوفيد 19) وبما قتلت، قد تموت وهي لازالت تحمل ظل نعش كل واحد في غيوم الغيب.
هرمنا تماما من سنة عرتنا كليا من بذخنا وترفنا وبهرجتنا المفبركة، تعبنا من سنة أبانت عن اختلالات شاملة في البنيات الاجتماعية، أبانت أننا نعيش الفقر والهشاشة ونفكر بعقلية البورجوازية المتطفلة. أبانت عن سوء تقدير الدولة في بناء الصحة والتعليم والتشغيل، وبتنا في سنة (2020) نحارب الوباء الذكي والجهل والهشاشة. صدمنا بالمرة، حين وجدنا دولة التخطيط لا تمتلك حتى السجل الاليكتروني الوطني للساكنة بالضبط و التصنيف والترتيب الاجتماعي. وقفنا أن سجلنا الاجتماعي يحمل أكثر من ثلاث أرباع من الفقراء والكل (باغي حقه) من القفة وصندوق الدعم.
لن أحتفل بقطع (حلوى البوناني)، ومنّا من يعيش الألم ويحتضر موتا ولا يجد حتى قنينة أكسجين الحياة منفذا لأنفاسه. لن أقطع حلوى عيد ميلاد عيسى عليه السلام، والسنة القديمة فرضت علينا العزل الذاتي والتباعد الاجتماعي والحجر الصحي. لن أنزع تلك الكمامة المشؤومة عن أنفي و لا فمي لأتلذذ بحلوى نهاية السنة، والموت الوبائي يتصيد الفرص لاحتلال الأجساد التي لازال عمومها بدون تلقيح.
حين تأملت قدوم سنة( 2021) برؤية المنجمين الشداد، وجدتها الأخت الشقيقة لما فاتها من الزمن الماضي لسنة (2020)، وجدتها أنها تحمل وصية مصادق عليها من قبل كل أطباء العالم (انتظروا الأسوأ)، وأن الوباء يجدد سلالته بألوان شعوب القارات. وجدت أنها تحمل كل بقايا جنود الموت الذين يأتمرون بأوامر الحاكم (كوفيد 19) المستبد بالأجساد والأرواح.
لن أحتفل بمولد سيدنا عيسى الليلة، وسأكتفي برش المعقمات القاتلة لما تحمله سنة (2020) من فيروسات متنوعة من الفتك. لن ألتزم بحظر التجول الليلي، فمن عادتي ألاّ أخرج ليلا لأن (كورونا) الفاسدة توزع الوباء بلا أداء و بتخفيضات (صولد) مخففة للجميع. لن أكن أول شخص يتذكركم ببعث رسالة قصيرة لتبريك ليلة السنة الجديدة، فسنة 2021 غير مضمونة بالتمام في أن تصنع السلام الصحي مع الأجساد والأوطان.
اليوم أستسمحكم جميعا إن لم أشاركهم فرحة تذوق (حلوى البوناني) الموبوءة، اليوم علينا أن نرفع الأيدي بكل لغات أديان العالم للتسامح والتآخي وصناعة التغيير نحو الصحة بدل محاربة الوباء والمرض وبتكلفة مالية مرهقة. اليوم أود ألاّ تقرع أكواب النبيذ المخثر، ولا أجراس الكنائس بدون إعلان نهاية للوباء.
اليوم أريد أن أعيش في أمن اجتماعي وصحي، أريد أن أعيش في سلام مع ذاتي وعائلتي ومجتمعي ووطني وعالمي الكبير. اليوم سأحتفل بأني لازلت أنتظر التلقيح ضد وباء كورونا في وطني العزيز الطيب، أنتظر تلقيحا عاما ضد الفقر والجهل والفساد والفوارق الاجتماعية. اليوم أريد تلقيحا كونيا للحرية والعدالة الاجتماعية لا جنسية له، حينها سأقول لكم جميعا (سنة سعيدة) وتصبحون على ألف خير.