-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

قراءة في كتاب مغامرات ابن بطوطة : بقلم: الدكتور علي القاسمي

قراءة في كتاب  مغامرات ابن بطوطة تأليف: الدكتور روس إ. دان   
ترجمة: الدكتور أحمد بوحسن

   الرحالة المسلم في القرن الرابع عشر الميلادي

تأليف: الدكتور روس إ. دان    ترجمة: الدكتور أحمد بوحسن

بقلم: الدكتور علي القاسمي

علاقتي بابن بطوطة:

لا أعني بالعلاقة هنا صلة النسب أو القرابة أو المصاهرة التي تربطني بابن بطوطة، بل أقصد بها كيفية تعرّفي على كتابه العجيب "رحلة ابن بطوطة" واهتمامي بها. فمناهج المدارس الابتدائية والثانوية التي تعلّمت فيها لم تتناول تلك الرحلة من قريب أو بعيد، كما تفعل المدارس الأمريكية اليوم.

              ذات يوم أهدى إليَّ صديقي الدكتور علي الكتاني[1] كتابه الجديد "رحلة ابن بطوطة"[2] بمجلَّدَيه الذي حقَّقه وقدمَّ له وعلق عليه، إثرَ قيامه برحلات عديدة في العالم زار خلالها البلدان التي حلَّ فيها ابن بطوطة وذكرها في رحلته. وأخذتُ في قراءته.

              وبعد مدّة قصيرة زرتُ صديقي الدكتور عبد الهادي التازي[3] في منزله المسمّى "فيلا بغداد" في حي السويسي بالرباط، وقد خلع على المنزل ذلك الاسم لمحبّته العراق بعد أن عمل فيه سفيراً للملكة المغربية مرَّتين في الستينيات وفي السبعينيات. وأثناء الحديث، ذكرتُ له كتابَ الدكتور الكتاني؛ فأخبرني الدكتور التازي أن معظم مخطوطات رحلة ابن بطوطة هي مختصرات أو ناقصة، وشابتها أغلاط وهفوات اقترفها النسّاخ؛ وأنه يشتغل على تحقيق الرحلة، اعتماداً على حوالي ثلاثين مخطوطة مختلفة لاستكمالها وتصويب الأخطاء، وعندما يكتمل العمل سيهدي إليَّ نسخة منه.[4]

في ذلك الوقت، كنتُ أعمل مديراً في المنظَّمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو). وتقرَّر أن أسافر إلى جمهورية (جُزر) المالديف[5] للمساعدة في وضع منهج حديث لمدارسها. وكان من عادتي أن أدرس تاريخ كل بلد أسافر إليه وأتعرّف على أحواله السياسية والاجتماعية والاقتصادية، قبل السفر. وهكذا قرأتُ جملةً من المراجع العربية والأجنبية عن جزر المالديف ومنها "رحلة ابن بطوطة". وقد أعجبت بما أورده ابن بطوطة عن تاريخ دخول تلك الجزر في الإسلام، بأسلوب حداثي سلس. فقد كان أهالي جزر المالديف بوذيين ثم اعتنقوا الإسلام على يد رحّالة مغربي آخر يدعى أبو البركات البربري حوالي سنة 548 هـ/ 1153م. وعندما سافرتُ إلى عاصمة المالديف وزرتُ بعض الجزر واطلعتُ على كيفية احتفاظ أهالي تلك الجزر بالماء العذب الذي يحصلون عليه في موسم الأمطار، تبيّنَ لي دقَّة المعلومات والملاحظات التي أوردها ابن بطوطة بعد أن سكن في المالديف مدّة وعمل فيها قاضياً.

وفي تلك الأثناء ذهبتُ إلى مدينة طنجة. وفيما كنتُ أسير في المدينة القديمة التي تقع على جبلٍ مطلٍّ على البحر الأبيض المتوسط، رأيت بناءً قديماً ضخماً مهملاً، فهو في حاجة إلى ترميم، فتذكَّرتُ أحد برامج الإيسيسكو الذي يقدِّم الدعم لترميم المعالم الإسلامية القديمة. فطرأت لي فكرة ترميم ذلك البناء وتحويله إلى متحفٍ لابن بطوطة الطنجي. وتصوَّرتُ قاعةً في ذلك المتحف تضمُّ كتابَ "رحلة ابن بطوطة " بمخطوطاته المختلفة وطبعاته المتعددة وترجماته المتباينة في لغات كثيرة، ولوحاتٍ فنّيةً للرحالة الأسطورة، وقاعةً أخرى تشتمل على خريطة الرحلة ومصنوعات تقليدية من البلدان التي زارها وأعلامها ومعلومات عنها، إلخ. وقد حصل اقتراحي على موافقة المنظَّمة، واتصل المدير العام ببعض المُحسنين الذين تبرعوا للمشروع بمبالغ نقدية كافية، أخبرني المدير العام أنه أودعها في حسابٍ بنكيٍّ خاصٍّ منفصل عن ميزانية المنظَّمة. وهكذا راسلتُ الدول الأعضاء في المنظّمة، ورجوتها إرسال ترجماتها لرحلة ابن بطوطة وما كتب عنه ونماذج من مصنوعاتها التقليدية لعرضها في "متحف ابن بطوطة " الذي نخطِّط له. ووصلنا ما طلبناه من أغلبية تلك الدول.

 رحَّب المسؤولون المحلِّيون في طنجة بذلك المشروع، وأخبروني أنَّ تلك البناية هي سجنٌ قديمٌ مهمل، وهي في عهدة وزارة الثقافة بالرباط أسوة ببقية الآثار أو المعالم المعمارية القديمة في البلاد، ومن الضروري مفاتحة الوزارة في الموضوع.  ولدى الاتصال بالسيد وزير الثقافة ومساعديه، رحَّبوا كثيراً بالمشروع، ولكنَّهم نبَّهوا إلى ضرورة إيداع المبلغ المخصَّص للمشروع في ميزانية الوزارة، حسب القواعد الإدارية المعمول بها؛ في حين كانت القواعد الإدارية المعمول بها في المنظَّمة تنصُّ على ان تبقى الأموال لديها وتقوم الوزارة بالاشتراك في الإشراف على المشروع، وتخطيطه واختيار الشركة المعمارية المنفِّذة، وتقوم المنظمة بتسديد التكلفة بعد كلِّ مرحلة من مراحل التنفيذ. وتعدَّدت الاتصالات بين الوزارة والمنظمة لحلّ ذلك الإشكال. وفي غضون ذلك، حان وقت مغادرتي المنظَّمة، ولم أسمع بعد ذلك شيئاً عن المشروع.

ولكني فرحتُ كثيراً عندما علمتُ أنَّ إمارة دبي في دولة الإمارات العربية قد أسّست سنة 2005 مُجمَّعاً تجاريا يحمل اسم (ابن بطوطة مول) يقع في شارع الشيخ زايد في بلدة جبل علي، ليس بعيداً عن فندق (بوابة ابن بطوطة) في نفس الشارع. وفي هذا المُجمَّع التجاري ستةُ أقسام، كلُّ قسم له هندسته المعمارية وزخرفته الخاصة المستوحاة من البلدان التي زارها ابن بطوطة: تونس، مصر، فارس، الهند، الصين، الأندلس. (وطبعاً فاتهم بلد ابن بطوطة، المغرب، الذي يتميّز بعمارةٍ فريدةٍ وزخرفةٍ ونقوشٍ للزرابي والملابس وأغطية الرأس، ليس في البلد برمته فحسب بل كذلك في كلِّ مدينة من عواصمه التاريخية، مثل طنجة وفاس ومراكش ومكناس، التي تنفرد كلُّ واحدة منها بثقافتها الفرعية في المأكل والملبس والعمارة واللغة الدارجة إلخ.).[6] 

العلاقة بين المؤلِّف والمُترجِم:

              من خبرتي الشخصية في ترجمة الكتب، سواء تلك الكتب التي ترجمتُها أو كتبي التي تكرَّمَ بترجمتها الآخرون، أنّ المُترجِم الحرَّ (أي ليس المُترجِم الموظَّف الذي يُترجِم ما يُعهَد به إليه) لا يُقدِم على ترجمة عملٍ مالم يكُن مُحبّاً للمؤلّف شخصياً أو معجباً به أو بأعماله أو كليهما، أي أن بينهما علاقة ودّية شخصية أو أدبية. وهذا المبدأ ينطبق على مؤلِّف كتاب "مغامرات ابن بطوطة" الدكتور روس دان ومترجمه الدكتور أحمد بوحسن؛ فقد نشأت بينهما صداقة لما اطلع الأستاذ أحمد بوحسن على كتاب روس دان "المجتمع والمقاومة في الجنوب الشرقي المغربي: المواجهة المغربية للإمبريالية الفرنسية 1881ـ 1912" [7] الذي أنجزه لنيل الدكتوراه من جامعة ويسكانسن، وزار خلالها في الستينيات من القرن العشرين مدينة "فجيج"[8]، التي كانت مركزَ تلك المقاومة في الجنوب الشرقي من البلاد، وقاعدةً في الخمسينيات ومطلع الستينيات لجيش التحرير الوطني الجزائري في حربه لطرد المُستعمِر الفرنسي. ونظراً لأهمية هذا الكتاب بالنسبة لتاريخ المغرب المعاصر، اقترح أحمد بوحسن، أحد أبناء مدينة فجيج، على روس دان أن يقوم بترجمة كتابه، فرحَّب روس دان بذلك. ولما أُنجِزت الترجمة، وقبل صدورها بقليل، التقى روس دان بأحمد بوحسن، وزارا مع بعض الأصدقاء مدينة فجيج، وتمَّ هناك تقديم كتاب روس دان للتعبير عن الامتنان لهذا المؤرِّخ الأمريكي الذي أنصف المقاومة المغربية وأمضى وقتاً طويلاً في البحث والتنقيب ودراسة الوثائق في المغرب وفرنسا وأمريكا لإعداد أطروحته. واستمر التواصل بينهما، ثم نُشرت ترجمته إلى اللغة العربية في شكل كتاب، خدمة للعلم والوطن، وتخليداً للمقاومة المغربية، ودعماً للبحث التاريخي العربي. ونال الدكتور أحمد بوحسن باستحقاق لقاء ترجمة هذا الكتاب (جائزة المغرب للكتاب سنة 2006 في حقل الترجمة).

وأثمرت أواصر الصداقة والعلاقة المعرفية بينهما كذلك اضطلاع الدكتور أحمد بوحسن بترجمة كتاب الدكتور روس دان، "مغامرات ابن بطوطة" بناء على رغبة المؤلّف الذي أعرب عنها لصديقه المترجم، كما يخبرنا الدكتور بوحسن في مقدِّمته للكتاب.

المؤلِّف:

              مؤلِّف الكتاب، الدكتور روس إ. دان، مؤرِّخ وكاتب أمريكي، ولد سنة 1941، التحق ببرنامج الدارسات العليا لتاريخ العالم في جامعة ويسكانسن ـ مديسون ونال الدكتوراه سنة 1970. له مؤلفاتٌ عديدة وشارك في تأليف بعض الكتب، لعلَّ من أشهرها كتاب " التاريخ على المحك: الحروب الثقافية وتدريس الماضي". انتُخِب سنة 1984 رئيساً لجمعية تاريخ العالم. مارس التعليم في "مركز الدراسات الإسلامية العربية" في جامعة سانديغو الحكومية، وهو الآن أستاذ فخري فيها، ويتعاون مع " المركز الوطني للتاريخ في المدارس".

لمس الدكتور روس دان، من خلال تجربته الشخصية في التعليم، ضعف تدريس التاريخ في المؤسَّسات التعليمية في الولايات المتحدة، ويضرب مثلاً في الطلاب الأمريكيين الذين يعرفون أن ماركو بولو (1254ـ1324) هو الذي فتح طريق التجارة مع آسيا، على حين أنه كانت للمسلمين علاقاتٌ تجاريةٌ وطيدة مع مختلف الأصقاع الإفريقية والآسيوية قبل ماركو بولو بقرون عديدة.  فكتب روس دان مقالات علمية للفت الانتباه إلى تلك الأخطاء التاريخية التي يتعلّمها الطلاب الأمريكيون في مدارسهم.  ودبج مقالات تبيِّن تفوَّق ابن بطوطة على ماركو بولو في معارفه ورحلاته، كما في هذا الكتاب الذي ختم المقارنة بين الرحّالتين بقوله:

              "علاوة على ذلك، فقصة ابن بطوطة هي قصةُ رجلٍ مشبع بروح إنسانية لا نكاد نجد لها مثيلاً في قصة ماركو بولو."[9]

وعندما حاولتُ الاطلاع على أحد مقالاته المعنون بـ " الرحالة المسلم الذي نافس ماركو بولو" المنشور في  دورية "وقائع سان فرانسيسكو" "Revealed: Muslim traveler who rivaled Marco Polo"San Francisco Chronicle.   

وبحثتُ عنه في الشابكة، ظهرت لي عبارة تقول " غير متوافر لأسباب قانونية/ نأسف، هذه المادَّة غير متاحة في منطقتك."

451 Unavailable For Legal Reasons ـ

                                                                        Sorry, this content is not available in your region

فتذكرتُ ما تعلَّمتُه عن حرّية التعبير في الجامعات الأمريكية والغربية التي درستُ فيها.

المُترجِم:

مُترجِم الكتاب، الدكتور أحمد بوحسن، ولد سنة 1945، ونال الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها، من جامعة محمد الخامس بالرباط سنة 2002، وهو أستاذ النقد الأدبي الحديث بالكلية التي تخرّج فيها، ويحظى باحترام زملائه وطلابه ومحبَّتهم له، بفضل غزارة علمه ودماثة أخلاقه، خاصة تواضعه؛ والعلماء متواضعون. وهو من رواد وأعلام المدرسة المغربية المعاصرة في النقد الأدبي. ويَنظر إليه الأدباءُ المغاربة بوصفه "نموذجاً عالياً للمثقَّف البنّاء، والباحث الرصين، والمترجم الأصيل، والمشارك الدينامي في بناء الصورة المُثلى للجامعة التي ينتمي إليها، وللنقد المغربي." [10]

ومن مؤلَّفاته المؤسِّسة في النقد الأدبي الحديث:

ـ " في المناهج النقدية المعاصرة" [11]

ـ " نظرية الأدب (القراءة ـ الفهم ـ التأويل)[12]

ـ "العرب وتاريخ الأدب، نموذج كتاب الأغاني"[13]

ــ "الخطاب النقدي عند طه حسين"[14]

              وبوصفه مترجما، يجيد الدكتور بوحسن أربع لغات: العربية والفرنسية والإنكليزية والألمانية، ويستخدمها في دراساته وأبحاثه. وترجم من الإنكليزية، إضافة إلى كتابَي الدكتور دان المذكورَين في أعلاه، كتاب " تكوين الخطاب السردي" للدكتور صبري حافظ،[15] وكتاب الناقد العراقي الأمريكي الدكتور محسن جاسم الموسوي، مسارات القصيدة العربية المعاصرة[16] .

مقدمة المترجم:

كتب المترجمُ مقدِّمةً قصيرة تقع في ثماني صفحات، ولكنّها كافية شافية، كما يقولون؛ فقد لخَّصت جوهر الكتاب، وتطرقت إلى ثلاث رحلات:

الأولى، رحلة مخطوطة "رحلة ابن بطوطة" في المكان والزمان. فأخبرنا بأن النسّاخ أساؤوا إليها، فقد كان المتداول منها في العالم العربي مختصرات، أو نسخ ناقصة أو مشوهة، حتى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، حين عثر باحثان فرنسيان ديفرميري وسانجنيتي على نسخة كاملة فنشراها سنة 1858. وهذه النشرة كانت معروفة في أوساط المستشرقين فقط. وقد تحدّث الدكتور روس دان في تقديمه لكتابه عن مراحل تعرّف العالم الغربي على رحلة ابن بطوطة.

الثانية، رحلة الدكتور روس دان لتأليف هذا الكتاب. وقد استغرقت هذه الرحلة عشر سنوات في زيارة البلدان والبحث والتنقيب في مختلف المظان، حتى تمكن سنة 1986 من إصدار الطبعة الأولى من هذا الكتاب، وحظي الكتاب بمراجعات ودراسات عديدة، أفاد منها المؤلف في الطبعة الثانية للكتاب التي صدرت سنة 2005، وصدرت الطبعة الثالثة 2012. وتعتمد هذه الترجمة العربية على الطبعة الأخيرة.

الثالثة، رحلة ابن بطوطة نفسه التي "وجد فيها المؤلف مادة تاريخية وجغرافية وحضارية وفكرية وثقافية ودينية تساعده على محاولة تصحيح صورة الإسلام، بشكل متواضع، في بلده أمريكا بأسلوب يجمع بين صرامة البحث التاريخي ووعي الأستاذ الجامعي  ... ولم ينشغل المؤلف كثيراً بإبراز الغريب والعجيب في الرحلة، ولكنه انشغل أكثر بما توحي به شخصية ابن بطوطة،... في علاقته بالعوالم التي مر منها أو أقام فيه، فكشف عن مختلف جوانب تربية العالم الفقيه المسلم، وهمته العالية وطبيعته الاجتماعية  التي تتكيف بسرعة مع محيطها وتنسج علاقات اجتماعية بسهولة..."[17]

وهكذا يُتحِف المُترجِم القراء بلُب الكتاب وغرض المؤلِّف وصورةٍ شخصيةٍ لابن بطوطة التي حاول المؤلِّف إعادة بنائها.

صعوبات الترجمة ودقّتها:

              في مقدِّمته يتحدّث المترجِم عن صعوبات ترجمة الكتاب، فيقول: "لم يكن أمر ترجمة هذا الكتاب يسيراً، لأنه مليء بالاقتباسات المترجمة عن النص الأصلي، أو من بعض المصادر التاريخية والحضارية العربية. ولما كانت هذه الترجمة موجَّهة إلى القارئ باللغة العربية، فكان لا بُدَّ من البحث عن تلك الاقتباسات في مظانها العربية الأصلية، وليس ترجمتها..."[18]

              وفي ختام مقدِّمته يقول المترجم: " وأشكر الصديق الزميل الأستاذ عبد الأحد السبتي الذي قبِلَ بدون ترددٍ تحمل عبء مراجعة هذه الترجمة مراجعة دقيقة، جمعت بين خبرة المؤرخ والباحث المتمرس على الكتابات التاريخية، سرودها وأساليبها...والشكر موصول إلى صديقي وزميلي الأستاذ أحمد الطريسي الذي قرأ مخطوطة هذه الترجمة وأفادني بمناقشاته وملاحظاته ... وأشكر الأستاذة المبرزة خديجة بوحة التي راجعت بدورها مخطوط هذه الترجمة مراجعة لغوية وأسلوبية دقيقة... أشكر صديقي المهندس المعلومياتي محمد مسعودي على مساعدته التقنية، وعلى وضعه للخرائط والصور في هذه الترجمة، وحرصه على أن تخرج تلك الخرائط المترجمة مطابقة للخرائط الأصلية..."

              ندرك من هذه المقتبسات أنَّ المترجِم أخضع ترجمته لأربع مراجعات اضطلع بها عددٌ من زملائه الأساتذة الجامعيين برجاء منه، مستثمراً صداقته ومحبته المتبادلة معهم، إدراكا منه لصعوبات الترجمة. وأرى أننا ينبغي أن ندرِّس فقرةَ الشكر هذه لطلابنا في معاهد الترجمة ومدارسها وأقسامها/شعبها في الجامعات، وذلك لأنها تعرض ثلاثةَ أنواعٍ مختلفة من مراجعة الترجمة، وهي باختصار:

أـ المراجعة المقارنة ((Revision: أي مطابقة النص المترجم على النص الأصلي، للتأكُّد من تساويهما من حيث المعنى. ويقوم بهذا النوع من المراجعة، شخصٌ يتقن اللغتَين: المترجَم منها والمترجَم إليها، فيتأكد من صحّة الترجمة، واستيعابها جميع دلالات النص الأصلي، فأحيانا يقفز المترجم على سطر أو فقرة أو صفحة سهواً، وبعضهم عمداً لصعوبةٍ يواجهها أو فكرة يخشى أن تعرِّضه لعتابٍ أو عقابٍ.

ب ـ المراجعة الأسلوبية(Review) : أي التأكُّد من سلامة النص المترجم لغوياً بحيث يكون موافقاً للغة المترجَم اليها من حيث أساليبها وقواعدها، فيكون سلساً لا يُشعِر القارئ بأنه نصٌّ مترجَم. فكثيراً ما تتأثُر لغةُ النص المترجَم بمفردات النص الأصلي وتعابيره الاصطلاحية وتراكيبه، فتظهر تعبيرات لا تتقبلها ذائقة القارئ أو يعسر عليه فهمها، فتصبح درجة مقروئية النص المترجَم متدنية.

ج ـ المراجعةالخاصَّة/المُتخصِّصة، نسبة إلى اللغات الخاصَّة في مقابل اللغة العامَّة (Special languages / languages for special or specific purposes.  فلكلِّ مجالٍ معرفي أو مهنة لغةٌ خاصَّة، تختلف من حيث مصطلحاتها وأساليبها عن اللغة العامَّة المشتركة. فلغة مرافعة المحامي أمام القضاة تختلف عن محاضرة أستاذِ الطبِّ أمام طلابه. ولهذا تضطر مدارس الترجمة الكبرى إلى تأهيل طلابها في دروس تخصصية مثل الاقتصاد، والطب، والقانون.

وإضافة إلى هذه الأنواع الرئيسة لمراجعة الترجمة استعان الدكتور بوحسن بمهندسٍ حاسوبي للتأكد من مطابقة الخرائط والصور الفوتوغرافية المترجمة مع تلك التي في الكتاب الأصلي.

  ونفهم من إصرار المترجِم على دقّة ترجمته وإخضاعها لأنواع المراجعة المختلفة، بأنَّه باحثٌ يحترم نفسه، ويحترم لغته وعمله، ويحترم قرّاءَه. فكثيراً ما أطَّلعُ على ترجمات عربية لم تصافح وجه أيَّ مراجعٍ بالمرَّة، خلافاً لأصول الترجمة وقواعدها.[19]

رحلة ابن بطوطة:

للرحلة تاريخ عريق طويل في الأدب المغربي. فثمَّة رحلات كثيرة قام بها المغاربة، وأُعدَّت عنها أطروحات جامعية عديدة وكُتبٌ مرجعية مختلفة. ولعلَّ الدافع الأوَّل للرحلة لدى المغاربة هو أداء فريضة الحج، وزيارة ضريح الرسول (ص)، وزيارة المسجد الأقصى بحيث يوجد في القدس حيُّ المغاربة وباب المغاربة. ويقسِّم النقّادُ المغاربة الرحلةَ إلى أنواعٍ من حيث أغراضها، وخصائصها، والمدة التي تستغرقها، فهناك: الرحلة الحجازية، والرحلة العلمية في طلب العلم، والرحلة السفارية، والرحلة السياسية، والرحلة السياحية. ولكلِّ نوع أنماط متعددة.[20]

يفتتح المؤلِّف كتابه " مغامرات ابن بطوطة" باقتباس من الرحلة، يضعه قبل مقدِّمة الكتاب يتحدّث فيه ابن بطوطة عن رحّالة آخر، لأنه نصٌّ يكشف شيئاً من شخصية ابن بطوطة الودود وعظمته رحلته الأسطورية:

،            "ولقيتُ بهذه المدينة الشيخ الصالح عبد الله المصري السائح، ومن الصالحين، جال الأرض، إلا إنه لم يدخل الصين ولا جزيرة سرنديب ولا المغرب ولا الأندلس ولا بلاد السودان[21]، وقد زدت عليه بدخول هذه الأقاليم."                  ابن بطوطة

              دامت رحلة ابن بطوطة تسعاً وعشرين سنة، من سنة 1325 حتى سنة 1354م.  وقطع خلالها أكثر من مئة وعشرين ألف كيلومتر(120000كم). وهذه أطول مسافة قطعها أيُّ رحالة عالمي آخر قبل ظهور النقل البخاري، البحري والبرّي، حوالي سنة 1800[22] أي بعد أكثر من 475 عاماً من بدء رحلة ابن بطوطة.  وزار ابن بطوطة خلال رحلته تلك أربعين (40) بلدا (طبقاً للجغرافية السياسية الحديثة).

تدوين الرحلة:  

بعد عودته إلى المغرب، روى ابن بطوطة بعض رحلته لعاهل المغرب آنذاك، السلطان أبو عنان المريني[23] (1329ـ1358م) الذي بدأ عهده سنة 1348م. أعجب السلطان بما سمعه من الرحلة، ورأى ان يعهد بتدوينها إلى أحد كتّابه، الشاعر الأديب المؤرِّخ الفقيه الأندلسي محمد بن جُزَيَ الكلبي الغرناطي (693ـ741هـ/1294ـ 1340).  والشائع أن ابن بطوطة أملى شفوياً رحلته على ابن جُزَي الذي اضطلع بتحريرها بأسلوبه الأدبي اللامع السلس وصاغ عنوانها " تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار". وهكذا أسهم قرار هذا السلطان بعيد النظر في خلود نصِّ الرحلة وذيوعه. فالأدب، خاصَّة السرد، ليس مضموناً ووقائعَ فحسب، بل شكلاً وأسلوباً كذلك. وهذا ما تفعله كبريات دور النشر الأمريكية التي لديها محرِّرون محترفون لإعادة تحرير الكتب الأدبية قبل نشرها.[24]

              ويؤكِّد المؤرِّخ الدكتور عبد الهادي التازي في مقدّمة تحقيقه للرحلة أن ابن بطوطة لم يكتفِ بإملاء بعض رحلته على ابن جُزَي فحسب، بل قدّم إليه كذلك " تقييدات " كان قد دوَّنها بنفسه أثناء الرحلة. وأن ابن جُزَي كان يسميّ عمله الشخصي " تلخيص التقييد " الذي أتمه خلال ثلاثة أشهر، وكان ابن جُزي يعاني من مرضٍ آنذاك. فيقول الدكتور التازي:

"أكمل ابن بطوطة رحلته إلى السودان أواخر عام 753 هـ / 1352 م . . . وتذكر خاتمة الرحلة أن الفراغ من "التقييد" كان في ذي الحجة عام 756 هـ/ 1355م، بينما كان الفراغ من كتابتها في صفر 757 هـ = فبراير 1356م، ومعنى هذا أن الفرق بين زمن التقييد وزمن الكتابة كان أقل من ثلاثة شهور . . !"[25]

وليؤكد  المؤرخ التازي أن ابن بطوطة كان يستعين بمذكرات، يستشهد بحادثة وردت في الرحلة مفادها أن ابن بطوطة تعرّض لسطو القراصنة في جزيرة تقع في المحيط الهندي بين هنور وفاكنور في شهر ابريل/ نيسان سنة 1345م، وسلبه القراصنة جميع ما كان لديه من جواهر ويواقيت حتى الثياب، ولكن لم يأسف بعد ذلك إلا على التقييدات التي سجَّل فيها أسماء العلماء الذين التقاهم وعناوين مؤلَّفاتهم.[26]

كما يخبرنا الدكتور التازي عن علاقة ودية ربطت بين ابن بطوطة وابن جُزَي قبل أن يلتقيا في فاس. فعندما حلَّ ابن بطوطة في غرناطة سنة 752هـ/1351م عاصمة بني نصر/ بني الأحمر في الأندلس، التقى مع ابن جُزَي خلال نزهةٍ في بستان جمعت عدداً من مثقفي غرناطة. وكان ابن جُزَي آنذاك شاباً يعمل كاتباً لدى ابي الحجاج يوسف بن الأحمر، ملك غرناطة. وأُعجب الشاب ابن جُزَي بالرحّالة ابن بطوطة، وسجَّل عنه بعض أسماء الأعلام. وعندما لحق ظلمٌ بابن جزي من لدن ملك غرناطة بسبب الحسّاد والوشاة، التجأ إلى فاس، والتحق بخدمة السلطان المغربي ابي عنان المريني. وعندما قرر هذا السلطان تدوين رحلة ابن بطوطة، لم يجد أفضل من ابن جزي للاضطلاع بهذه المهمة.[27]

              خضعت مخطوطة الرحلة الأصلية لكثير من الإهمال والتشويه،  فكان النسّاخ يبيعون نسخاً ناقصة أو مختصرة منها، حتى قيام  فرنسا باستعمار الجزائر بالتحايل (حادثة المروحة)[28] وبالقوة عام 1830، وراح المستشرقون والمستعربون الفرنسيون يفتشون في خزائن الكتب الجزائرية، فعثر باحثان فرنسيان، على نص الرحلة الكامل في الجزائر، فقاما بتحقيقه، وترجمته إلى اللغة الفرنسية ونشراه في أربعة مجلدات تشتمل على النصِّ العربي والترجمة الفرنسية باسم الجمعية الآسيوية الفرنسية وبدعم من الإمبراطور نابليون الثالث نفسه ، وطبعت المجلدات في المطبعة الإمبراطورية في باريس في المدة من سنة 1853 ـ 1858.[29]

وهذا في إطار طموحات السياسة الفرنسية الرامية إلى استعمار البلدان الإفريقية والآسيوية، والتي تشكِّل الثقافة وسيلةً من وسائلها تلك السياسة العدوانية. وصارت هذه النشرة العربية الفرنسية أساساً لترجمة الرحلة الكاملة إلى اللغات الأخرى ومنها الإنجليزية التي اضطلعت بها جمعية بريطانية متخصّصة بالرحلات وبنشرِ ترجمات كتب الرحلات من جميع اللغات العالمية، تُسمّى جمعية هاكلويت. فبدأت بترجمة الرحلة إلى الإنكليزية سنة 1929 وأكملتها سنة 1994.[30]

              وقد لاحظ بعضُ الباحثين وجودَ فراغات في تدوين التواريخ في "رحلة ابن بطوطة "، واضطراباً في زمن وصول بعض الأماكن أو مغادرتها، وفراغات زمنية. ويقول المؤرّخ الدكتور عبد الهادي التازي: " لم يكُن ابن بطوطة حريصاً على ذكر تاريخ الوصول إلى هذا الموقع أو ذاك مما كان مدعاة أيضاً لتساؤل الذين يتتبعون سير الرحلة زماناً ومكاناً.". ويضيف سبباً آخر لهذه الخلة يعزوه إلى الحالة الصحية التي كان يكابدها الأديب الكاتب ابن جُزَي الذي أعدّ " تلخيص التقييد" خلال ثلاثة أشهر فقط، مما تسبّب في اضطراب بعض التواريخ.[31]

              أما الدكتور روس دان، الذي ينظر إلى رحلة ابن بطوطة بأنها " عمل أدبي جزء منه سيرة ذاتية وجزء آخر وصف مختصر"، فهو مدرك لهذا النقد الذي يوجهه بعضهم إلى الرحلة، فيقول، وهو المتخصِّص في تاريخ العالم: " لم يهتم [ابن بطوطة] كثيراً بتفاصيل مسار الرحلة، والتواريخ، وأجزاء الأحداث، وهو ما يُعتَبر في التفكير "العلمي" الحديث ممارسة مقبولة من طرف كاتب الرحلة."[32]

              وخلاصة القول، إنَّ رحلة ابن بطوطة هدمت الأسوار الوهمية بين الأجناس المعرفية، وبين الأنواع الأدبية، فهي في الوقت ذاته : أدب رحلة، وسيرة ذاتية، وتاريخ، وجغرافية، فنّ العلاقات العامّة، ووسائل النقل وتطورها، وأخيراً  علم الإنسان (الإنثروبولوجيا).

أغراض مؤلِّف الكتاب:

يمكن تلخيص أغراض مؤلِّف الكتاب، الدكتور روس دان، من إعداد كتابه هذا بالأغراض التالية التي ذكرَ أهمها المترجم في مقدمته:

ـ سرد حياة ابن بطوطة وأسفاره ومغامراته.

ـ إعادة بناء شخصية ابن بطوطة وميوله وأفكاره وسلوكه وهمومه.

ـ إبراز التوجهات العالمية في الحضارة الإسلامية في الربع الثاني من القرن الرابع عشر.

ـ تصحيح صورة الإسلام في بلده، أمريكا، من خلال تقديم صورة رجل مسلم شجاع عالم متسامح منفتح على الثقافات الأخرى.

ـ إعطاء لمحة عن الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية في البلدان التي زارها ابن بطوطة.

ـ تسليط الضوء على اتساع رقعة الإسلام في العالم، خاصة آسيا وإفريقيا، في الربع الثاني من القرن الرابع عشر الميلادي، وازدهار الحضارة العربية الإسلامية في تلك الأصقاع.

ـ إمتاع القارئ بالرحلة وإثارة إعجابه بمغامرات ابن بطوطة ومساعدته على فهم أحوال الأصقاع التي زارها.  ولهذا فإن المؤلّف أعدّ خريطة واضحة لكل مرحلة من مراحلها، مثل مرحلة الرحلة في مصر وسوريا، ومرحلة الرحلة في العراق وفارس، إلخ. إضافة إلى أنه وضع صورا فوتوغرافية جميلة التقط أكثرها بنفسه لمعالم كل منطقة سكنها ابن بطوطة أو زارها ، مثل مدينة طنجة القديمة على البحر، وضريح السلطان المملوكي قلاوون بالقاهرة، وقبة الصخرة في القدس.

شخصية ابن بطوطة:

ذكرنا أن من بين أغراض الدكتور روس دان من تأليف هذا الكتاب أعادة بناء شخصية ابن بطوطة من خلال تحليل لأفعاله وسلوكه والأماكن التي زارها والشخصيات التي تفاعل معها. وفيما يلي بعض الأضواء الكاشفة لشخصية ابن بطوطة في بلاده وفي أسفاره:

1ـ يخصص المؤلِّف الفصل الأوَّل من الكتاب لمدينة طنجة التي ولد وترعرع فيها ابن بطوطة، فيخبرنا بأنه من أصول أمازيغية، إلا أنه نشا في وسط عائلي يتكلم اللغة العربية. وتلقى تربية إسلامية جديرة بأبناء أسرة متعلِّمة مشبَّعة بقيم وسلوك الرجل المحترم من أدب ورزانة واستقامة وحشمة ونظافة وطريقة جلوس للمائدة وقواعد لباس، إلخ.؛ وأن الشريعة الإسلامية لا تتناول السلوك الفردي فحسب، بل تحكم كذلك مجموعةً من العلاقات الاجتماعية كالزواج والإرث والمعاملات التجارية وغيرها؛ وأن ابن بطوطة درس الفقه الإسلامي وهي نفس الدراسة في جميع أرجاء العالم الإسلامي. وهذه التنشئة مكّنت ابن بطوطة من التنقّل بسهولة في دار الإسلام.[33]

2ـ يشيد المؤلِّف بذكاء ابن بطوطة ودماثة خلقه، وقدرته على استمالة كبراء الناس بتدينه وشخصيته الاجتماعية، ونسج علاقات الصداقة والمودة معهم. ويضرب مثلا لذلك بالعلاقة الودية التي نشأت بين ابن بطوطة وأمير الحج محمد الحويج الذي أدّى من ماله الخاص ثمن كراء هودج لابن بطوطة (يؤمِّن سفراً مريحاً بالمقارنة مع المشي أو ركوب الجمال) أثناء انتقاله مع الحجاج العائدين إلى العراق. 

3 ـ كان ابن بطوطة عندما بدأ رحلته شاباً وسيماً في سن الحادية والعشرين، فقيهاً متوسط العلم لأنه لم يُتح له مواصلة دراساته العليا في الفقه. وكان متمسكاً بعقيدته الإسلامية ومدرسته الفقهية المالكية، فكان لا يأكل اللحم غير الحلال، ويستهجن ظهور المرأة بين الرجال. وكان يحرص على زيارة المساجد ودور العلم، والزوايا، والتكايا بصفته فقيهاً يميل إلى التصوف.

4 ـ كان ابن بطوطة يتزوج في البلد الذي تطول إقامته فيه، عادة من بنات الطبقة العليا في المجتمع من علماء، وأمراء، وملوك. وهكذا تعدّدت زيجاته وكثرت زوجاته، وخلّف بعضهن أطفالاً منه. ولكنه لا يصطحب زوجته ولا الأطفال عندما يغادر ذلك البلد. فمخاطر السفر تحول دون ذلك. وعندما انتهت رحلته الأسطورية بعد تسعة وعشرين عاماً، عاد إلى المغرب وحيداً كما خرج منه وحيداً. وعُهد إليه بالقضاء في منطقة تامسنا القريبة من الدار البيضاء.

ولكن ابن بطوطة كان وفياً لزوجاته، كريماً معهن. فعندما كان في دمشق سنة 1326 تزوج ابنة أحد الفقهاء المغاربة الذين يواصلون دراستهم هناك. وبعد أن غادرها تناهى وهو في الهند أنها انجبت منه ابناً، فبعث إلى والدها في مكناس بهدية مقدارها 400 دينار ذهبي هندي.

5 ـ كان ابن بطوطة، في نظر المؤلِّف، يمثِّل "الإنسان الكوني" الذي يدحض النظرة التقليدية لدراسة التاريخ، تلك النظرة التي تدرس كل دولة أو كل ثقافة على حدة. فالعلاقات التجارية والعلمية والدينية واللغوية تعبِّر عن البعد الكوني للتاريخ؛ وقد نظر ابن بطوطة إلى نفسه بوصفه مواطناً في دار الإسلام الذي كان يتوسع وينتشر في آسيا خلال القرن الرابع عشر الميلادي.  ولذلك فإن الصين لم تعجبه على الرغم من اتساعها، "وتميُّز حريرها وفخارها، وجودة برقوقها وبطيخها، وكبر حجم دجاجها، وامتياز نقودها الورقية"، لأن الإسلام لم ينتشر فيها، فيقول في رحلته:

              "وبلاد الصين على ما فيها من الحسن لم تكُن تعجبني، بل كان خاطري شديد التغيّر، بسبب غلبة الكفر عليه، ... فأقلقني ذلك حتى كنت الازم المنزل فلا أخرج إلا للضرورة. وكنتُ إذا رأيتُ المسلمين بها فكأني لقيتُ أهلي وأقاربي" (الرحلة ص 638)[34].

6ـ وعن علاقات ابن بطوطة الاجتماعية في البلدان التي حلّ فيها أثناء رحلاته، يُصرّح المؤلِّف في مقدمة الطبعة الأولى للكتاب بأن أبن بطوطة كان رجلاً حضرياً يهتم "بالنخب السياسية والثقافية في الرحلة على حساب الجماهير"، فكان يتنقل " في أوساط أصحاب التفكير العالمي الذين كانوا يمثلون القيم الكونية والمؤسسات العالمية للإسلام ـ المساجد، والمدارس، والقصور".[35]

ولا بدّ أن المؤلّف أورد هذا النقد، في ضوء التوجهات العلمية المعاصرة في تدوين التاريخ، التي تدعو إلى ضرورة عدم الاقتصار على سير الملوك والزعماء، وذكر حروبهم وانتصاراتهم، بل ينبغي أن يخبرنا التاريخ عن الشعوب وأوضاعها ومستوى معيشتها وتعليمها وصحتها. فالتاريخ الاجتماعي أهم من التاريخ السياسي أو الملكي، في نظر المؤرخين المعاصرين، وهم على حق.

بيدَ أني أرى أن ابن بطوطة كان صائباً في سلوكه ذاك للأسباب التالية:

أ ـ إن اللغة العربية كانت هي اللغة العالمية في المدة التي سافر فيها ابن بطوطة. وهكذا كان في وسعه أن يسافر من المغرب إلى إندونيسيا دون الاستعانة بمترجم، وذلك بفضل انتشار الإسلام ولغة القرآن. ولكن الذين يجيدون العربية من غير أهلها هم الأدباء والعلماء والمثقفون والتجار والملوك، أي الطبقة العليا في المجتمع. وهذا هو حال اللغة الإنكليزية بوصفها لغة عالمية في العصر الحاضر. فالفئات الشعبية آنذاك لا تستعمل اللغة العربية ولا تفهمها. ولهذا فإن بعض المدارس الفقهية الإسلامية ترى صحَّة إلقاء خطبة صلاة الجمعة بغير العربية إذا كان المصلون لا يُلمون بالعربية، من أحل مساعدتهم على فهم الوعظ والإرشاد في الخطبة.

ب ـ عندما انطلق ابن بطوطة في رحلته تلك، كان شاباً لم يتجاوز عمره السنة الحادية والعشرين من العمر، وقد درس الفقه وشيئاً من التصوف، ولكنَّه لم يكن قد أكمل دراساته العليا بعد وإنْ كان يرتدي زي الفقهاء. والرحلة، كما يخبرنا العلامة ابن خلدون (1332ـ1406م) بمقولة وردت في "المقدّمة"[36]، واستشهد بها المؤلف هي:

              "فالرحلة لا بدّ منها في طلب العلم لاكتساب الفوائد، والكمال بلقاء المشايخ ومباشرة الرجال."[37]

ولهذا كانت رحلة ابن بطوطة ذات غايات متعددة: الحج، وطلب العلم، والعمل، واكتساب ثقافة واسعة بوصفه مؤرخاً وجغرافياً. وكانت المؤسسات التي تستجيب إلى تطلعاته وتحقّق رغباته هي: المدارس، والمساجد (التي تُعقَد فيها حلقات العلم)، وقصور الحكام والأمراء والملوك، بالإضافة إلى المؤسسات الاجتماعية الأخرى كالمستشفيات.

              وقد واصل ابن بطوطة دراساته العليا في الفقه، ففي زيارته لدمشق و" تمكَّن من إنهاء أربعة عشر مجلساً دراسياً مختلفاً في ظرف أربعة وعشرين يوماً"، وحصل من شيوخ على إجازات وشهادات ساعدته "بعد عدّة سنوات في تعيينه قاضياً عند سلطان الهند."[38]

وأنت ليس بمقدورك أن تواصل رحلةً أمدها سنوات عديدة دون أن يكون لديك عمل يدر عليك المال اللازم لمصاريف الرحلة. ولا تستطيع أن تحصل على عمل إذا أمضيتَ جلَّ وقتك مع الفقراء والعاطلين عن العمل، مثلاً. ولهذا كان ابن بطوطة يعمل بين الفينة والأخرى قاضياً في أحد البلدان التي يحلّ بها في رحلته كما فعل في المالديف وفي الهند، ولا يقلِّدك منصب القضاء   المهمشون والرعاع والفقراء، بل الملوك والأمراء.

ومع ذلك وبالرغم من انطباع المؤلف عن ميل ابن بطوطة للطبقات العليا للمجتمع، وهو انطباع لخّصه كذلك المترجم في مقدمته، فإنَّ المؤلِّف نفسه يكيل الثناء لنباهة ابن بطوطة وذكائه وقدراته العلمية بوصفه رحالة يعرف ما يستحق الملاحظة والتقييد، فيقول:

"ورحلته تقدم لنا تفاصيل الأشياء ...عن المظاهر التي يمكن تصورها عن حياة الناس في ذلك العهد، من الاحتفال الملكي لسلطان دلهي والعادات الجنسية في جزر المالديف، إلى جمع غلة الجوز الهندي في جنوب الجزيرة العربية."[39]    

              ويضرب لنا المؤلّف مثلاً آخر على اهتمام ابن بطوطة بالتفاصيل، عندما زار مدينة واسط في العراق، وقام بجولة ليلية إلى قرية أم عبيدة لزيارة ضريح القطب الصوفي الشيخ أحمد بن علي الحسيني الرفاعي (512ـ 587 هـ/ 1118ـ1182م)[40] ، ويصف ابن بطوطة بدقة الطقوس التي مارسها مريدو المتصوفة في تلك الليلة، فيقول:

              "ولما انقضت صلاةُ العصر ضُربت الطبول والدفوف، وأخذ الفقراء [أي: المتصوفة] في الرقص ثم صلّوا المغربَ، وقدَّموا السماط، وهو خبز الأرز والسمك واللبن والتمر، فأكل الناس وصلوا العشاء الآخرة وأخذوا في الذكر... وقد أعدّوا أحمالاً من الحطب، فأججوا ناراً ودخلوا في وسطها يرقصون، ومنهم مَن يتمرَّغ فيها، ومنهم مَن يأكلها بفمه حتى أطفأوها جميعاً، ومنهم مَن يأخذ الحية العظيمة فيعضُّ بأسنانه على رأسها حتى يقطعه."[41]

7ـ لم يكن هدف ابن بطوطة من هذه الرحلة تسجيل رقم قياسي في عدد البلدان التي زارها والتباهي باتساع الرحلة، بل كانت غايته المعرفة ومراده اكتسابها، وإشباع حب الاستطلاع الذي يتملّكه. فلم يكن يكتفي بزيارة عاصمة البلد الذي يحل فيه، بل يتجشم عناء السفر الى الأماكن ذات الأهمية التاريخية أو الثقافية أو الاقتصادية أو العسكرية. كان مؤرخاً وجغرافياً وإنثروبولوجيا من طراز رفيع، من بداية رحلته حتى خاتمتها.

ومن الأمثلة على ذلك أنه عندما أنهى مراسم الحج، توجه مع قافلة حجاج عائدين، غايته العراق وإيران. وأيسر طريق وأسرعه آنذاك: النجف ـ الكوفة ـ  الحلة ـ كربلاء ـ بغداد ـ كرمنشاه. وهكذا يستطيع أن يزور عاصمة البلد ومعالمه الثقافية والعلمية والروحية. ولكننا نراه يقطع سير هذا الخط عدّة مرات لزيارة بعض المدن الأخرى. فمن النجف يسافر إلى واسط ويعود إلى النجف. ومن بغداد يسافر إلى الموصل وسيزر وماردين وسنجار ويعود إلى بغداد. وأحسنَ مؤلف الكتاب بوضع خرائط توضح مسارات الرحلة في كلِّ مرحلة من مراحلها.

منهجية الكتاب:

المؤلِّف مؤرِّخ متخصِّص في تاريخ العالم. وباختصار، أراد المؤلف أن يكتب تاريخ العالم العربي الإسلامي في الربع الثاني من القرن الرابع عشر، وهو مدَّة رحلة ابن بطوطة، منطلقاً من نظريته في أن العالم وحدة كونية واحدة مترابطة ثقافياً واقتصادياً وعلمياً، وكلَّ تغيُّر في جزء منه يؤثّر في بقية الأجزاء، وكشفت رحلات ابن بطوطة للمؤلّف "أن شبكات الاتصال كانت تمتد من إسبانيا إلى الصين، ومن كازاخستان إلى تانزانيا. وقد كان في المغرب في ذلك الزمان صدى يتردد على بعد آلاف الأميال لأيِّ حدث يقع في أوراسيا أو إفريقيا."[42]

 وتتميَّز هذه الحقبة بتغيُّر ميزان القوى في العالم. فقد أخذ العالم العربي الإسلامي في الانحدار سياسياً لأسباب عديدة منها تعرضه إلى هجمتَين عسكريتَين:

ـ الأولى: هجمة من الشرق قام بها المغول وأدت إلى سقوط بغداد والخلافة العباسية سنة 656هـ/ 1256م. وكانت قد سبقتها الحروب الصليبية التي قامت بها أوربا على العالم العربي واحتلت خلالها الشام وكوَّنت فيه ممالك وإمارات في المدة من 1095 ـ 1271م.

ـ الثانية: هجمة من الغرب واصلت بها أوربا حروبها الصليبية باسم حروب الاسترداد بدأت سنة 1095 م وانتهت بسقوط غرناطة سنة 1492 م وسيطرة الأوربيين على الأندلس.

ومع ذلك، فإن المؤلّف يؤكّد بأن الإسلام ذاته كان يحقِّق تقدّماً وانتشارا كبيرَين في آسيا، يرجع الفضل فيهما إلى حركتين هما:

1)     قدوم الشعوب التركية المسلمة من آسيا الوسطى إلى الشرق الأوسط وجنوب روسيا وآسيا الصغرى والهند.

2)     نشاط التجّار المسلمين في المحيط الهندي وما جاوره من بلاد، وانتشار الإسلام فيها حتى أندونيسيا وماليزيا.

وهكذا فإن منهجية المؤلّف تقتضي دراسة كلِّ حيّز عاش فيه ابن بطوطة أو أقام فيه أو مرّ به، دراسة شاملة من جميع النواحي التاريخية والسياسية والثقافية والاقتصادية والعسكرية إلخ.، ليس الحيز فحسب بل الإقليم بأكمله والتأثير المتبادل بين أجزائه. فمثلاً في فصله الأول يتحدث عن طنجة حيث ولد وترعرع ابن بطوطة، فيقول عنها:

"كانت طنجة نقطة التقاء أربعة عوالم جغرافية: إفريقية وأوربية وأطلسية ومتوسطية. كانت مدينة عالمية تتميّز بتدفق الحركة البحرية في المضيق التي تشمل التجار والمحاربين والصناع والعلماء،.. ."[43]

ثم يواصل المؤلّف تحليله التاريخي لتلك الفترة، لا في طنجة وحدها ولا في المغرب وحده، بل في المغرب العربي كله. ويصرّح المؤلّف في مقدمته للطبعة الأولى من الكتاب بمنهجيته بقوله: "هذا الكتاب في الحقيقة، هو تأويلي الخاص لحياة ابن بطوطة وزمانه، وليس صورة للقرن الرابع عشر "بعيونه". وليس تعليقاً كذلك على ملاحظاته الموسوعية، وبعبارة أخرى، ليس كتاباً عن كتابه."[44]

خاتمة:

لكتاب "مغامرات ابن بطوطة" بالإنجليزية ثلاث طبعات: 1986، 2005، 2012. وفي كل طبعة كتب المؤلّفُ مقدّمةً حرص فيها  على توضيح  الشهرة المتزايدة  لابن بطوطة في الآونة الأخيرة وتتمثل فيما يلي:

ـ كثرة الكتب التاريخية عن ابن بطوطة، فمثلاً في السنوات العشر الأولى من الألفية الثالثة صدرت ثلاثة كتب أكاديمة في بريطانيا ،ونُشرت كُتبٌ لا حصر لها في جميع أنحاء العالم، خاصة في البلدان التي زارها ابن بطوطة.

- احتفلت المؤسسات الثقافية في العالم يوم 24/2/ 2004 بمرور سبعة قرون شمسية على ميلاد ابن بطوطة.

ـــــ تزايدت الاكتشافات التي تدلّ على صدق ابن بطوطة وزيارته فعلاً للبلدان التي ذكرها، ما ينفي مزاعم بعضهم من أن ابن بطوطة نقل بعض معلوماته من كتب رحلات أخرى. ومن هذه الاكتشافات أن المؤرّخ الدكتور عبد الهادي التازي اطَّلع في مكتبة جامعة الأزهر على المجلدين الثاني والثالث المخطوطين من كتاب الفقه الإسلامي[45] الموجود في مكتبة جامعة الأزهر بالقاهرة، وتشير معلومات النسخ إلى أن ابن بطوطة قد نسخهما قطعاً في فترتين مختلفتين من سنة 1326م، ما يدل على انه زار سوريا فعلاً. ونستنتج من هذا أنَّه رجلٌ مجتهد كان يواصل تعليمه العالي في المسجد ويعمل في النسخ لتأمين معيشته.

ـــــ أخذت المناهج المدرسية في الثانويات والجامعات في العالم الغربي تخصِّص حيزاً لابن بطوطة، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية، فقد دُعي المؤلف عدّة مرات للحديث عن مغامرات ابن بطوطة مع أساتذة وتلاميذ المدارس الثانوية.

ــــــ ابرزت المجلات المشهورة ابن بطوطة في صفحاتها الأولى مثل المجلّة العالمية "الجغرافية الوطنية" التي تمتلك فضائية National Geography

ـــــ في أواسط التسعينيّات، اضطلع فريق إسباني مغربي بتصوير فيلم وثائقي عن ابن بطوطة.

ـ طوَّر أساتذة وطلاب المدرسة الإعدادية في سان فرانسيسكو موقعاً مفصلاً على الشابكة خاصّاً بابن بطوطة.

ــــ حصل لي الانطباع، وأنا أقرأ مقدمات طبعات كتاب مغامرات ابن بطوطة الثلاث ان المؤلّف يوحي للقارئ بأن هذا التكريم المتعدِّد لابن بطوطة، جاء بعضه بفضل كتابه الذي نُشِرت طبعته الأولى سنة 1986. وإذا لم يقصد المؤلّف ذلك، فأنني لدي الاقتناع بذلك. فالكتاب قيّم جداً ولا بد أنه لفتَ انتباه المحافل الثقافية إلى ابن بطوطة. ويستحق هذا الكتاب الترجمة القيمة الدقيقة التي اضطلع بها أحد أعلام الأدب العربي الدكتور أحمد بوحسن.

علي القاسمي مراكش  1442هـ/ 2020  م

 

 

 



 [1] علي الكتاني (1941ـ2015) عالم مؤرخ أديب مغربي من أسرة موريسكية استقرت في فاس، وأنجبت كثيراً من كبار العلماء. درس العلوم في سويسرا ونال الدكتوراه في الفيزياء في أمريكا. يُعدّ من رواد الطاقة الشمسية، فقد صمَّم بالتعاون مع زميله العراقي الدكتور علي الصائغ وطلابهما في كلية الهندسة بالرياض سيارةً تسير بالطاقة الشمسية في أواخر الستينيات. كتب مؤلفاته العلمية والأدبية بأربع لغات: العربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية، ويلمّ بخمس لغات أخرى. كان مهتماً بتنظيم الأقليات الإسلامية في جمعيات، في بلدان العالم المختلفة، وله كتاب مرجعي عنها.

[2] ابن بطوطة. رحلة ابن بطوطة المسماة تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، حققه وقدّم له وعلقّ عليه: علي المنتصر الكتاني ( بيروت: مؤسسة الرسالة، 1405هـ/ 1985).

 

[3]  عبد الهادي التازي (1921ـ2015) سياسي مؤرِّخ ناضل من أجل استقلال المغرب من الاستعمار الفرنسي فسُجِن عدة مرات، وبعد الاستقلال عُيّن سفيراً. نال الدكتوراه من جامعة الإسكندرية. وكانت أطروحته عن جامعة القرويين أقدم جامعة حديثة في العالم. مؤرخ مرموق، من مؤلفاته العديدة:

ــــــــــــ التاريخ الدبلوماسي للمغرب من أقدم العصور إلى العهد العلوي (الرباط، مطابع فضالة، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 1986ـ2009) في 12 مجلداً.

 

4 شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي، تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار (رحلة ابن بطوطة)، تحقيق الدكتور عبد الهادي التازي (الرباط: أكاديمية المملكة المغربية، 1997) 5 مجلدات + مجلد للمستدركات، وتستغرق مقدِّمته حوالي مئة صفحة.

 

[5] تقع جمهورية المالديف في المحيط الهندي جنوب غربي سيرلانكا والهند، وتتألَّف من 1190 جزيرة مرجانية، وعدد سكانها آنذاك حوالي ربع مليون نسمة، عاصمتها (ماليه). تشير البحوث العلمية إلى احتمال اختفائها مستقبلاً تحت مياه المحيط الآخذة في الارتفاع. ولهذا تعمل حكومتها على اقتناء أراضٍ في أسترالياً تحوّطاً.

[6] ذات مرّة دعاني وولدي حيدر، صديقي المغربي الأمريكي، الدكتور عزيز العباسي، لتناول طعام العشاء معه في مطعم مغربي بناه رجل أعمال فرنسي كان قد سكن في المغرب مدة. ويقع هذا المطعم في مدينة لوس أنجلس في كاليفورنيا، ليس بعيداً عن هوليوود. وعند دخولنا المطعم كانت هنالك نافورة مغربية مثل تلك النافورات التي بناها المغاربة في جنة العريف وقصر الحمراء في غرناطة، وعلى حافتها يجلس عددٌ من ممثلي وممثلات هوليوود التي لا تبعد كثيراً عن المطعم، وهم يتناولون المشروبات قبل الأكل، أي قبل التوجّه إلى القاعة التي حجزوا فيها، وكل قاعة قد بُنيت وأُثثت وزُخرفت على غرار تقاليد إحدى المدن المغربية الكبرى: فاس، مراكش، إلخ.

 

[7] Ross E. Dunn, Resistance in the Desert: Moroccan Responses to French Imperialism 1881-1912 (Madison: University of Wisconsin, 1977.

وفي عنوان الكتاب شيءٌ من الرومانسية، ربّما لأجل التسويق، وترجمته الحرفية " مقاومة في الصحراء: الردود المغربية على الإمبريالية الفرنسية، 1881ـ 1912". فاختار المترجم الدكتور احمد بوحسن ترجمته على الوجه التالي، وهو على حقٍّ لأن العنوان الذي اختاره أدقّ ويدلّ على مضمون الكتاب:

ــ روس إ. دان، المجتمع والمقاومة في الجنوب الشرقي المغربي: المواجهة المغربية للإمبريالية الفرنسية 1881ـ1912، ترجمة أحمد بوحسن (الرباط: منشورات زاوية، 2006).

 

[8] فجيج (وتلفظ محلياً فﮜيـﮜ، بالكاف المشروطة) مدينة مغربية تقع في جنوب شرقي المغرب على الحدود المغربية الجزائرية، تشتهر بواحات النخيل وبقصورها التاريخية، يبلغ عدد سكانها حوالي 12 ألف نسمة؛ أنجبت اثنين من أعلام الثقافة المعاصرة في المغرب: المفكر الدكتور محمد عابد الجابري، والناقد المترجم الدكتور أحمد بوحسن. 

[9]روس إ. دان، مغامرات ابن بطوطة: الرحالة المسلم في القرن الرابع عشر الميلادي، ترجمة: أحمد بوحسن،: دار توبقال للنشر، البيضاء، 2020)، ص 8ـ9.

[10]  محمد بازي، " أحمد بوحسن: أُنموذج ريادي في تحديث الفكر النقدي العربي" تم الاطلاع عليه في :

http://attaweliaalarabia.blogspot.com/2018/05/blog-post.html بتاريخ 21/11/2020

 

11 أحمد بوحسن، في المناهج النقدية المعاصرة ( الرباط: دار الأمان، 2004).

 

12 ــــــــــــــــــ . نظرية الأدب (القراءة ـ الفهم ـ التأويل)، (الرباط: .دار الأمان، 2004).

13ــــــــــــــــــــ . العرب وتاريخ الأدب. نموذج كتاب الأغاني ( الدار البيضاء: توبقال، 2003).

14 .ــــــــــــــــــ. الخطاب النقدي عند طه حسين ( بيروت : دار التنوير ، 1985).

 

15  صبري حافظ، تكوين الخطاب السردي، ترجمة: أحمد بوحسن (الدار البيضاء: دار القرويين، 2002).

 

[16]  محسن جاسم الموسوي، مسارات القصيدة العربية المعاصرة، ترجمة: أحمد بوحسن ( الدار البيضاء: توبقال)

[18] المرجع السابق، ص 13.

 

[19] للاطلاع على أصول الترجمة وقواعدها، يُنظَر كتابنا:

                     ـ علي القاسمي، الترجمة وأدواتها: دراسات في النظرية والتطبيق، ط 2 (بيروت: مكتبة لبنان ناشرون، 2019).

 

[20]  يُنظَر مثلا: ـ عبد الرحيم مؤذن، الرحلة في الأدب المغربي: النص، النوع، السياق (الدار البيضاء/ بيروت: إفريقيا الشرق، 2006).

[21]  السودان: مصطلح جغرافي قديم يعني اليوم أفريقيا جنوب الصحراء.

[22] " History of Steam Transport”, seen on 22/11/2020 at: https://en.wikipedia.org/wiki/History_of_steam_road_vehicles#:~:text=The%20first%20experimental%20vehicles%20were,engines%20became%20a%20practical%20proposition.&text=They%20were

[23] السلطان أبو عنان المريني (1329ـ1358م) الذي بدأ عهده سنة 1348م.، فدام حكمه عشر سنوات، واغتاله وزيره الحسن بن عمرو خنقاً. بنى المدرسة البوعنانية التي تشتمل على جامعة وسكن للطلبة ومسجداً جامعاً، تُعدُّ أشهر مدرسة قديمة في المغرب.

[24] يخبرنا أدوارد سعيد، أستاذ الأدب الإنكليزي والنقد الأدبي في جامعة كولومبيا الشهيرة في نيويورك، أنه بعد أن سلم مخطوطة سيرته الذاتية " خارج المكان" إلى الناشر، طلب منه الناشر أن يجتمع يومياً مع اثنين من محرريه لإعادة صياغة الكتاب برمته:

Edward Said, Out of Place (New York: Knopf, 1999).

[25] عبد الهادي التازي، "اكتشاف غير مسبوق حول رحلة ابن بطوطة"، تم الاطلاع عليه في 22/11/2020 في:

https://al-furqan.com/ar/%D8%A7%D9%83%D8%AA%D9%80%D9%80%D9%80%D8%B4%D8%A7%D9%81%D9%8C-%D8%BA%D9%8A%D8%B1-%D9%85%D8%B3%D9%80%D9%80%D8%A8%D9%88%D9%82-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%B1%D8%AD%D9%80%D9%80%D9%80%D9%80%D9%84%D8%A9-%D8%A7/

[26] المرجع السابق

[27] المرجع السابق.

[28] ملخص الحادثة التي اتخذت ذريعة لمحاصرة البحرية الفرنسية للجزائر واحتلالها، هي ان القنصل الفرنسي بالجزائر قام بزيارة الباي في العيد سنة 1828، فذكّره الباي بضرورة تسديد فرنسا ما عليها من ديون للجزائر قدرها 24 مليون فرنك فرنسي اقترضتها فرنسا إبان حصار الدول الأوربية لها خلال الثورة الفرنسية سنة 1789، وكان الباي يحمل بيده مروحة يروّح بها، فردّ القنصل بوقاحة مقصودة، فطرده الباي من المجلس، وزعم القنصل أن الباي لوّح له بالمروحة، وعلى إثرها بعث شارل العاشر بجيوشه لحصار الجزائر مدة عام كامل  ثم احتلالها  " لاسترجاع شرف فرنسا" كما قال لتبرير دخول فرنسا في حرب جديدة بعد أن سأم الشعب الفرنسي الحروب النابوليونية بعد الثورة. وكانت الجزائر متقدِّمة على فرنسا آنذاك تربوياً واقتصادياً واجتماعياً.

 

[29]Voyages d'Ibn Batoutah, texte arabe, accompagné d' une tr. par C. Defrémery et B.R. Sanguinetti. 4 tom. (Paris : L’Imprimerie Impériale, 1858).

 

[30] Hakluyt Society, The Travels of Ibn Batuta, A.D. 1325-!345.

[31] عبد الهادي التازي،" اكتشاف غير مسبوق"، المرجع السابق.

[32]روس دان، مغامرات ابن بطوطة، ص24 .

 

[33]  المرجع السابق، ص 47ـ63.

[34]  المرجع السابق، ص 309

[35]ا لمرجع السابق، ص 25.

[36]  " المقدمة" هي مقدمة تاريخ ابن خلدون المسمى بـ "كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في معرفة أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر.". وجرت العادة على طبع المقدمة مستقلة لأنها تشتمل على نظريته في علم الاجتماع بوصفه مؤسساً لهذا العلم.

[37] روس دان، مغامرات ابن بطوطة، ص 65.  ونقل المترجم الاستشهاد من: مقدمة ابن خلدون (بيروت: دار صادر، 2009) ص 43.

[38] المرجع السابق، ص 103.

[39] المرجع السابق، ص 38.                                                                                                                                                                                                                            

[40]  وقع خطأ مطبعي في الكتاب، فظهر اسم هذا القطب الصوفي على صورة (الرافعي) والصحيح (الرفاعي). والطريقة الرفاعية منتشرة جداً في مصر ويقدَّر أتباعها ببضعة ملايين، وبالقلعة في مصر ضريح للصوفي علي الشباك الرفاعي، من أحفاد الشيخ أحمد الرفاعي دفين العراق. والشيخ الرفاعي لا علاقة له بالفقيه الشافعي أبو القاسم الرافعي (555ـ623 هـ) الذي ينتسب إلى الصحابي رافع بن خديج.

 

[41] مغامرات ابن بطوطة، ص 132. وبهذه المناسبة، شاهدتُ في الهند وقد صادف يوم عشرة عاشوراء طقساً مماثلاً دخل فيه بعضهم في نار وخرجوا منها. ويشيع بين المتصوفة الرفاعية في مصر أن ثمة وِرد وصلهم من الشيخ الرفاعي الكبير يُقرَأ على الأفاعي فتعود مسالمة.

[42]  المرجع السابق، ص 19.

[43] مغامرات ابن بطوطة، ص 48.

[44]  المرجع السابق، ص 25.

[45]  هذا ما ذكره المؤلّف. أما عبد الهادي التازي فيحدِّد في مقاله الذي ذكرناه سابقا، " اكتشاف غير مسبوق عن رحلة ابن بطوطة"، أن الكتاب هو من تاليف أحمد بن عمر الأنصاري القرطبي (ت 1358) وعنوانه " الكتاب المُفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم"، وقد نسخه ابن بطوطة لفائدة الشيخ السخاوي. وصوّر الدكتور التازي صفحتين منه تثبتان ان الناسخ هو ابن بطوطة وتاريخ النسخ.. والصورة متوافرة في مؤسسة عبد الهادي التازي في الرباط.

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا