تم تخصيص يوم 18 ديسمبر من كل عام، ليكون اليوم العالمى للاحتفال باللغة العربية. ولماذا يوم 18 ديسمبر بالتحديد؟، لأنه اليوم الذى اُتخذ فيه القرار، بجعل اللغة العربية احدى اللغات الرسمية للأمم المتحدة، وكان ذلك فى عام 1973.وقد قرأت مقالات كثيرة، وتابعت ما دار عن كيفية الاحتفال بلغتنا العربية، وكيف أصبحت فى وضع متردٍ من الاستخدامات الخاطئة، وغير اللائقة، فى المدارس والجامعات وجميع وسائل الإعلام، مقروءة ومسموعة ومرئية، وحتى فى المسلسلات والأفلام والمسرحيات. وهناك من اعتبر أن لغتنا العربية فى مأزق حضارى، وأخلاقى، وثقافى، من كثرة الأخطاء النحوية والأخلاقية التى أصابتها.
وأنا أوافق على كل الاقتراحات المقدمة، لاستعادة التهذيب والوقار الى اللغة التى نتحدث ونتواصل ونعيش ونحلم ونفكر بها. لكننى لم أقرأ شيئا واحدا، عن إحدى السمات الجوهرية فى لغتنا العربية، وأقصد بها ذكورية التوجه. وهذه الذكورية ليست شيئا طارئا هامشيا عارضا أو دخيلا. لكنها شىء أصيل، فى تكوينها، وبنيانها، ودلالاتها الثقافية، وتوجهها الفكرى، وأهدافها الأساسية، ومقاصدها الجوهرية.
كم أشعر بالإهانة.. أشعر بالضآلة. لأن لغتى العربية، تضعنى على ذمة اللفظ الذكورى. كيف أصدق مقولة، إن «اللغة وطن»، ومع لغتى العربية، أحس بالغربة والتشرد؟.. وتطالبنى بأن أحيا. لفتنى، فى كفن ذكورى، لم أقم باختياره.
كيف أطير عاليا، بالكتابة والشِعر؟ وقد كسرت أجنحتى، وأعطتها للذكور؟.
اللغة، تعكس بصدق المجتمع. فكما يحدث أن وجود الذكور يلغى النساء فى الحياة، فلا بد أن يغطى اللفظ الذكورى، على اللفظ الأنثوى. وهذا «حجاب»، بل «نقاب» آخر، يغطى النساء، ليس بالقماش، ولكن بالكلمات. وهو أيضا، «ختان»، مريع، لإنسانية المرأة.
عزيزى المستمع.. عزيزى المشاهد.. عزيزى القارئ.. عزيزى المواطن.. رجال الأعمال.. والوطن.. رجال الصحافة.. رجال الإعلام.. أخــى المواطن.. مجلس الآباء.. رئيس التحرير.. رجل الشارع.. مدير المهرجان.. رئيس الأوبرا. وفى لوحات المرور، نجد صورة رجل، ليعبر عن النساء، والرجال. كل الصياغات، والنداءات، والتعبيرات، والأوراق الرسمية للدولة، مكتوبة بصيغة المذكر. ما هذه الإهانة البالغة المقننة؟.
انتهى المجمع اللغوى، مؤخرا، من مشروع قانون حماية اللغة العربية، ويتضمن 21 بندا. لم يتنبه أحد، أن هناك ضرورة ملحة، لإضافة بند أساسى، يدخل فى صميم بنيان وتركيب ودلالة اللغة، وهو حظر ذكوريتها، التى تشارك فيها جميع المؤسسات والهيئات والمراكز والجامعات والكيانات فى المجتمع.
حتى التيارات، التقدمية، الثورية، لا تنتبه أن «اللغة»، تحتاج الى تقدم وثورة وإصلاح. ولا تعتبر ذكورية اللغة وعنصريتها، بمثل أهمية الفقر أو قوانين الأحوال الشخصية، أو حتى أن هناك ارتباطا عضويا وثيقا بين تركيب اللغة وتركيب المجتمع، بين طاعة المرأة للرجل فى الحياة وطاعتها لقواعد لغة لم تشارك فى وضع قواعدها.
النساء أنفسهن، العاملات، فى مجال العدالة بين الجنسين، لا يذكرن أبدا، عدم العدالة فى اللغة.
سألت رجلا طبيبا، هل ترضى التعريف بك بأنك استشارية طب الأسنان؟. انتفض غاضبا وقال: استشارية لأ طبعا مستحيل.. إنها إهانة بالغة، لا يرضاها رجل لديه كرامة.
وسألت رجلا آخر: هل ترضى بصيغة عزيزتى المواطنة، التى تضم الرجل والمرأة؟.
رد باستنكار: ما هذا التخريف والهراء والسخف والتفكير الشاذ؟.
هذا الهراء، والتخريف، والسفه، والتفكير الشاذ، ترضاه النساء فى كل مجال. فقط عندما يريدون استغلال المرأة فى الانتخابات، يقولون: أختى الناخبة.
نسمع طوال الوقت، أن العربية، هى لغتنا الجميلة«. وأندهش جدا، كيف للجمال أن يوجد، بدون عدالة، بدون انسانية، وتبرير وتقنين »بتر« نصف البشرية..
كتبت كثيرا بلا جدوى، عن ضرورة إيقاف هذه المهزلة اللغوية. وإعداد قانون، يجرم ويحظر استخدام اللفظ الذكورى، للدلالة على الرجال، والنساء.
أسعد، حينما أشاهد أحد البرامج المرئية، وأجد الرجل الضيف، يقول »نساء ورجال الإعلام.. أو نساء ورجال التعليم:. وهذا شىء نادر بين الرجال والنساء.. فى العالم كله، حققت الحركات النسائية، ثورة لغوية، تنهى إخفاء المرأة فى اللغة، وتعطى النساء كرامتهن اللغوية، الجديرات بها.
الثورة، تبدأ باللغة.. النهضة تبدأ بالكلمة