يتفوق الفنان الفوتوغرافي مولاي عبد الله العلوي في منجزه الفني، بما يقدمه من إنتاج فوتوغرافي حصيف، إذ يقتنص مواضيع متنوعة بما تلتقطه عدسته من أمكنة وشخوص وطبيعة، يُدبر التقاطها وفق تصوراته الفلسفية، ونظرته الثاقبة التي تصب في القيم الفنية والجمالية، وفي قيم الحياة والطبيعة والعمران، ليستطيع بذلك أن يخلد في الساحة الفنية ما يحمله من تقنيات جديدة، لإبداء فلسفته في التعبير بالتصوير الضوئي، فهو الفائق في توظيف الصورة من منظور جديد، وحملها إلى وجهة التعبير بكل ما يرصده فيها من مفاهيم وأفكار ورؤى، لينتج مادة متكاملة قائمة على البعد التقني والجمالي، فهو يُخضع المادة للتصورات الجمالية، فيؤوّل المَشاهد والشخوص إلى منتوج بياني جديد.
وبما أنه يركز عينه الحاذقة، ونظرته الثاقبة على المرئي وغير المرئي، بأسلوبه الفوتوغرافي والفني؛ فإنه بذلك يعيد تكوين المَشاهد، ويمنحها أبعادا ودلالات جديدة، تسمح لها بالانفصال عن المشهد الواقعي، والحلول في المشهد الجمالي الفني، لتحضر المفردات الفوتوغرافية المتنوعة في غالبية صوره. ويمكن أن نقول بأنه يمتح مقومات أعماله من أسلوب يتأسس على الحيادية والدقة العالية، والتقنية الكبيرة في معالجة الصور، فيصور وفق المؤثرات الضوئية، والوعي بمستويات اللون المطلوبة التي تتناسب ورُؤاه المعرفية وحسه الإبداعي وذوقه الرفيع. فهو ينطلق من الواقع، لينوع الأساس الصوري بأسلوب فني يخدم رؤية مشدودة بعبَق المعالم الحضارية والطبيعية، وما يكتنف البشر، فيغوص في حضرة الفن الفوتوغرافي بما تشتمل عليه المادة الفنية، وما تشير إليه من رمزية وإيحاء وقيمة بنائية، في نطاق الخلفيات التدليلية، التي تؤكد وعيه المطلق ببيان الصورة وبلاغتها. فصنع الإيحائية لديه ينبني على التوازن، وعلى المقومات الفنية للفن الفوتوغرافي، ليمنح أعماله بجهازها المضاميني خاصيات جمالية بأبعاد فلسفية، خاصة أنه يتميز بجودة التقاط اللحظة، وانتقاء المشهد، واختطاف الدهشة، والتصوير الدقيق، وصياغة محتوى الصورة في حلة فوتوغرافية فنية، بحدس الفنان وقدرته الفائقة على الإبداع والابتكار، وبعث الجديد في اللحظة المناسبة، لأنه خبير بالمادة الفوتوغرافية، وعالم بتفاصيلها وحيثياتها، ليشكّل منها مواد رمزية وتعبيرية واضحة المعالم.
وبذلك فإن القاعدة الفنية لديه هي صورة متعددة الدلالات يتحقق فيها الفعل الفني والشكل التعبيري. وهي في المنظور النقدي، تشكل لغزا فنيا حين يروم الدقة في الالتقاط، والطلاقة المنفصلة في عمليات التركيب، وهو ما تفصح عنه أعماله التي تكتنز حزمة من المحمولات الجمالية التي تزخر بالتأويل المنفتح على الدلالات المتنوعة، تبعا لما يقتنصه بدقة عميقة، وعناية فائقة من مسافات مختلفة، تتبدى للمُشاهد مختلفة عما لم يكن في استطاعته رؤيتها بذلك الشكل. وهذا يُعد مظهرا جديدا مميزا في أسلوب الفنان مولاي عبد الله العلوي، الذي يرصد في أدائه الفني العلاقة القويمة بين النباهة والرؤية الثاقبة، والإشارة والموضوع، وفق المَشاهد المنبثقة من الواقع، ليشحن العمل بطابع رمزي ودلالي، يمكّنه من تخليد مفردات المضامين التي يشتغل عليها، وفق المكونات الثقافية والمعرفية التي تؤطر المادة في جوهرها، في إطار تجربة حداثية مقترنة بما لديه من فكر يصوغه في مواد فنية، فيجعل منها موضوعا بنائيا؛ يرتكز على الخفة والتدرج، كونه يركز بأسلوبه المتفرد على رصد الكثير من الأحداث، وهو ربما يفضل الاشتغال في هذا المنحى بعناية دقيقة بالقيم الجمالية، ما يمنحه مجالا واسعا لمقاربة موضوعاته البنائية المركزية بالمنحى الجمالي والفني، في سياق حداثي، يميز في عمقه الخطاب الفوتوغرافي المتجدد، وما تكتسيه الصورة من وظائف بنائية ودلالية، تحيل إلى مجال جديد لوضع تمظهرات الأشياء في بؤر فلسفية جديدة، تجعل من أعماله أيقونات مرتبطة باستدراجات فنية، يتحكم فيها الخطاب الفوتوغرافي الحداثي الذي يوجه المضامين، وتعضده التقنية الجديدة التي تبني الصورة وفق قراءات يحفها المنطق الجمالي. وبذلك تتبدى تجربة مولاي عبد الله العلوي رائدة في فن التصوير الضوئي تجعل فنه في مصاف الفن الراقي المعاصر.
٭ كاتب مغربي
https://www.alquds.co.uk/