يقدّم المركز الدولي للصحفيين وشبكة الصحفيين الدوليين ويبينارات ضمن منتدى تغطية الأزمات الصحية العالمية، والتي تهدف إلى تغطية آخر مستجدات "كورونا" عبر استضافة خبراء وأطباء وتقديم موارد للصحفيين. لمعرفة المزيد عن المنتدى إضغط هنا ويمكنك الإنضمام إليه من خلال فايسبوك.
هذا المقال هو جزء من الموارد التي تقدّمها شبكة الصحفيين الدوليين باللغة العربية عن التغطية الصحفية لـ"كوفيد 19"، للإطلاع على المزيد من الموارد، إضغط هنا.
في الوقت الذي انطلقت فيه دول كثيرة حول العالم بحملات التطعيم ضد فيروس "كورونا"، بدأت سلالات جديدة من الفيروس تنتشر، مثيرةً مخاوف كبيرة في صفوف الخبراء والمواطنين.
ورصد الباحثون في بريطانيا نوعًا جديدًا ومتغيّرًا من الفيروس المتحوّر الذي ينتشر بشكل سريع، ما دفع السلطات إلى إعلان الإغلاق الصارم للبلاد. كذلك تمّ الإبلاغ عن نوع متغيّر في جنوب إفريقيا وهو أكثر قابلية للانتقال من أشكال الفيروس السابقة.
وهنا يطرح الصحفيون تساؤلات عن ماهيّة هذه المتغيرات وهل تستجيب السلالات الجديدة للقاحات؟ هل أصبح الخبراء والأنظمة الصحية أكثر استعدادًا لمواجهة تفشي الأمراض في المستقبل بعد تجاربهم المتعدّدة مع "كورونا" وتغيراته؟
إقرأوا أيضًا: العالم منشغل بلقاحات "كوفيد 19".. وإرشادات للصحفيين لتغطية الموضوع
خلال مشاركته في ويبينار ضمن منتدى تغطية الأزمات الصحية العالمية، تحدّث الخبير والباحث بجامعة أكسفورد، برناردو جوتيريز عن فيروس "كورونا"، معتبرًا أنّه "يعدّ من إحدى التجارب الكبيرة التي علّمت العالم كيف يمكن أن تتبدّل الأوضاع بسرعة، وكيف يمكن التكيّف مع الوضع الجديد".
وناقش جوتيريز التغيّر الحاصل في فيروس "كورونا"، والسلالات الجديدة التي بدأ يشهدها العالم، وذلك بمشاركة نائب رئيس المحتوى والمجتمع في المركز الدولي للصحفيين باتريك باتلر، وتطرّقا معًا إلى الطفرات وماذا تقول الدراسات العلميّة عنها، إضافةً إلى كيفية الإستعداد لتفشي أي فيروس في المستقبل.
وفيما يلي بعض أبرز النقاط والمحاور التي أوضحها جوتيريز خلال الجلسة:
ظهور طفرات الفيروس
تحدث الطفرات التي يتحور بها "كورونا" وتؤدي إلى تغيرات في سلوك الفيروس الأصلي وتكوينه. وأصبحت هذه الطفرات شائعة، ففي الوقت الذي يتفشّى فيه الفيروس بين السكان، فإنه يتحوّر عبر نسخات جديدة، ويراكم الطفرات.
وتحدث تغيرات على التركيب الجيني للفيروس بشكل عشوائي، ما يمكن أن يزيد من احتمال انتقال العدوى بشكل كبير وعشوائي. لكنّ معظم الطفرات "صامتة"، ما يعني أنّ التحولات لا تؤثر على سلوك الفيروس أو نوع المرض أو سرعة الانتقال.
و أطلقت أسماء على السلالات الجديدة في بريطانيا وجنوب إفريقيا، وهي B.1.1.7 وB.1.351، وتتباين الأسماء لأنّ المتغيرات نشأت من أصول مستقلة تمامًا.
معدلات الانتقال
مع اختلاف الطفرات، وتغيّر سلوك الفيروس المتحوّر، أصبحنا أمام نوعين من "كورونا"، تتباين معدلات انتقالهما وانتشار العدوى، فالسلالة الجنوب أفريقية لديها طفرتين محددتين، وتتشارك إحداهما مع السلالة البريطانية، وذلك في جزء مهم من الفيروس يمكن أن يرتبط باحتماليّة انتقاله.
ويصعب حتّى الآن تحديد ما إذا كانت الزيادة في حالات الإصابات ناجمة بشكل مباشر عن طفرة أو تغيّر جديد، وتجري دراسة هذا الأمر في المملكة المتحدة.
وتشير بعض التقديرات إلى أنّ السلالة الجديدة في المملكة المتحدة مرجّحة للانتقال بين الناس بنسبة تتراوح بين 30% و70% أكثر من الفيروس العادي، لكنّ هذه النسب لا تزال بحاجة إلى تدقيق أكبر. ويُمكن القول إنّ المتوسط العام لهذه التقديرات يقترب من 50%. ولا تزال الأبحاث المتعلّقة بالآثار المحتملة الناتجة عن هذه الطفرة ومعدّلات انتقال الفيروس جارية.
الطفرات والإختلافات بين الدول
ويستمرّ الفيروس بالإنتشار في المجتمعات، في الوقت الذي بدات ترصد فيه دول كثيرة الفيروس المتحوّر. ويتطلب تحديد المتغيرات الجديدة معرفة التسلسل الجيني للفيروس، وهي تقنية غير شائعة في العالم. والجدير ذكره أنّ بعض الدول تتمتع بمستوى من الخبرة ولديها موارد متاحة أكثر من غيرها، ولكنّ دولًا أخرى لا تزال في طور بناء المراقبة الجينية الخاصة بها، وهو تحليل للكشف عن مسببات الأمراض في الوقت المناسب.
وقد تمّ اكتشاف السلاسلة الجديدة التي بدأت في المملكة المتحدة في 45 دولة على الأقل حتى الآن، ولكنّ الأساليب والظروف العلمية المختلفة تسفر عن نتائج اكتشاف مختلفة. وعندما بدأ الفيروس في الوصول إلى بعض الدول للمرّة الأولى، أثرت الموارد المتاحة وإعداد كل نظام مراقبة على القدرة على تحديد الحالات. وتفتقر بعض وكالات الصحة العامة إلى القدرات أو التكنولوجيا أو الموارد اللازمة للكشف عن الحالات مبكرًا.
أمّا المملكة المتحدة، فهي متقدّمة منذ فترة طويلة في التسلسل الجيني، بعكس الولايات المتحدة، مما يعني أنّ الطفرة الجديدة قد تكون أكثر انتشارًا مما هو مسجل حاليًا. وبالنسبة لدولة كبيرة مثل الولايات المتحدة، والتي تراقب وتجمع البيانات الخاصة بالولايات، فإنّ تنفيذ استراتيجية واحدة فقط في البلاد يمثل تحديًا بالنسبة لها.
من جانبها، نفذت بريطانيا استراتيجية مراقبة محدّثة، وهي نتاج الدعم الحكومي والتنسيق الفعال بين وكالات الصحة العامة والمؤسسات الأكاديمية، وتسعى المملكة المتحدة أيضًا إلى الإستثمار المبكر للموارد والوقت.
المتغيرات الجديدة وفعالية اللقاح
عندما يطوّر الجسم استجابة مناعية للفيروس، قد لا ينتج بالضرورة أجسامًا مضادة تستهدف جزءًا صغيرًا من بروتين الفيروس الذي يغلف جسيم الفيروس. وقد يطوّر الجسم أنواعًا مختلفة من الأجسام المضادة التي ترتبط بطرق مختلفة قليلاً عبر البروتين، ممّا يجعل الأجسام المضادة واللقاحات مقاومة للطفرات الطفيفة.
ويشير تحليل علمي إلى أنّه من المستبعد أن تؤثر الطفرات، لا سيما السلالة البريطانية على فعالية اللقاحات. وقد يكون للمتغير الجنوب أفريقي تأثير أكبر على سلوك الفيروس ومقاومته للقاح، ولكن نظرًا لطبيعة التغيّر المستمرة، فمن غير المؤكد ما إذا كان هذا الاستنتاج سيبقى أم لا.
تفشي الفيروس في المستقبل والجهوزيّة
نظرًا إلى العولمة وكثرة السفر، تحتاج النظم الصحية والباحثون حول العالم إلى موارد مناسبة وبروتوكولات واستثمارات نقدية قوية لاحتواء الطفرات المحلية في المستقبل.
ولا بدّ من مراقبة التسلسل الجيني للفيروس، والذي يتطلّب خبراء وجهوزية علمية، من أجل بقاء الدول على أهبة الإستعداد لمواجهة تفشي الأمراض المحتملة، لكنّ توفّر الموارد يمكن أن يشكل تحديًا في دول كثيرة، حتى أنّ مستويات الأبحاث تتباين بين منطقة وأخرى.
قدّم فيروس كورونا المتحوّر دروسًا عدّة للمجتمع العلمي. والآن، تحتوي مجموعة أدوات "كورونا" المزيد من المعرفة حول طرق مكافحة الفيروس، وكيفية تنفيذ مخططات التشخيص، وطرق انتشار المعلومات، ودور الاختلافات السياسية.
واستنادًا إلى هذه التجارب الصعبة مع الفيروس الحالي، ستكون الأنظمة الصحية والباحثون بوضع أفضل في المستقبل عند التخطيط للإستراتيجيات والتحقق من المعلومات التي تنتشر في الأوقات المضطربة.
لوسيا بالون بيسيرا هي مساعدة في برامج في المركز الدولي للصحفيين.