أزول بريس – جمال أبرنوص* // متابعة هذا الشريط، باختصار، حصة تعذيب حقيقية، حتى أن رداءة الشريط أوحت إلي بفكرة كتابة سيناريو شريط يقوم أساسا على مقترح اتخاذ الدراما الرديئة أداة لتعذيب معتقلين، ودفعهم إلى الاعتراف..
العمل في منتهى الرداءة، ولا أظن أحدا، حتى من المنتمين إلى فريقه الفني، سيخالفني الرأي إلا عنادا أو استكبارا. ولأن الشريط على هذه الدرجة من الرداءة، فإني لا أجده أهلا ولا مستحقا لأي متابعة نقدية رصينة. وأقصى ما يليق به، في تقديري، هو اتخاذه مثالا على ما ينبغي تفاديه وتجنبه، في ورشات تكوين هواة الكتابة والإخراج، التي تقام بمهرجانات البلدات الصغيرة..
لهذا السبب، سأكتفي بهذه التدوينة-الخاطرة بإثارة ملاحظات معدودة، سريعة وعابرة بخصوص الشريط وغيره من الإنتاجات الدرامية الأمازيغية:
- عنوان مبتذل (مستهلك) لكنه معبر:
لا تناقض في جمعي، هنا، بين الابتذال والتعبير، فهو عنوان مبتذل لا يقوم على الحد الأدنى من الاجتهاد (تم إنتاج مسلسل لفائدة القناة نفسها عنوانه «الوريث الوحيد»، منذ سنوات معدودات). لكنه عنوان معبر، ووجه التعبير فيه لا علاقة له، في الحقيقة، بمضمون الفيلم، ولكن بأمر آخر لا يعلمه إلا الراسخون في «علم الإنتاج» و«تقسيم الميراث»؛
- الدرجة الصفر من الحبكة:
أتحدث، هنا، عن الحبكة الفيلمية في مستواها القاعدي الأساسي الابتدائي والبسيط والواضح؛ أي ما يجعلنا بإزاء قصة مبنية بشكل مقبول، هذا أقصى ما نطالب به الدراما التي تنتجها قناة تامازيغت، ولا ننتظر منها أن تقدم «وجهة نظر» تخص كاتب نصها أو مخرجها، سواء كانت ضحلة كانت أو عميقة؛ لأن ذلك من قبيل الترف الذي لا نحلم به في الوقت الراهن (عاوذث انغ شان ثحاجيت واها)؛
- أقرضونا عقلكم كي نستوعب هذا العبث:
من شذرات اللامعقول التي علقت بذهني: رجل خمسيني يقرر الاختفاء، ثم يعود إلى مسرح الأحداث، محلقا لحيته، ومتقمصا ومنتحلا شخصية ولده المزعوم (عشريني)، دون حاجة إلى ماكياج احترافي، فينطلي الأمر على زوجته! وعلى أهل الحي!- يأتي الابن بسيارة داسيا ذات لوحة ترقيم هولندية!- ابن يزعم أنه مزداد وقاطن بهولندا لكنه يتحدث بأمازيغية أشد طلاقة من المولودين بالبلد، ولا أحد تساوره شكوك بخصوص هويته- يسرق الولد/الرجل سيارة من باحة مطعم بسهولة مستفزة- مشهد احتراق المقهى يبعث على السخرية [التقتير الإنتاجي أفتى للمخرج باستعمال مؤثرات خاصة تظهر لهب النار خارجا من باب المقهى، فجاء بلقطة يستطيع هواة التصوير بالهاتف أن يحصلوا على أفضل منها]- أما أعجوبة الأعاجيب التي يعجب لها فاقد العقل والمنطق فهي استيعاب الجميع (بما في ذلك الشرطة) مسألة تبخر جثمان الرجل في حريق المقهى- عدد من الراغبين في عقود عمل بالخارج يمنحون الولد ملايين (بسذاجة وبدون ضمانات، ويكلفون وسطاء من أبناء الحي، مسلمين إياهم المال)- يبعث الرجل برسالة إلى زوجته مكتوبة بحرف تيفيناغ! وتقرأها المرأة بسلاسة!- يصاب الرجل بالجنون في نهاية الشريط لأن المخرج أراد ذلك، لا لأن القصة تفضي إلى الأمر!
- دراما أمازيغية (ريفية) تسير إلى الخلف:
القول إن قاعدة الكم تصنع الكيف والجودة قول غير صحيح بالنسبة للدراما الأمازيغية الريفية، فبعد إنجاز فيلموغرافيا يتجاوز عددها 30 شريطا ما زلنا ندور في دائرة شريط «موش ذي رميزان» (فيلم فيديو تم إنتاجه سنة 1992 بـ 0 درهم)؛
- لا ذنب للممثلين في هذه المهزلة:
ما زلت أقول وأكرر إن مستوى كثير من الممثلين الريفيين يتجاوز مستوى السيناريوهات التي تتم دعوتهم لتشخيصها، وسأكتفي، بخصوص هذا الشريط، بالثناء على أداء خمسة ممثلين: سميرة المصلوحي وهيام لمسيسي اللتين توفقتا في تقمص دوريهما إلى حد بعيد جدا، وعلاء الدين البشيري وبوبكر فوركة وطارق الصالحي الذين جاء أداؤهم مقنعا أيضا. أما بقية الممثلين، فيبدو أن خبرتهم الطويلة لم تشفع لهم هذه المرة، ولم تساعدهم على تجاوز رداءة القصة والسيناريو.
- الأمازيغ لا يأكلون التبن:
احتضان ودعم أشرطة بمثل هذا المستوى الفني احتقار حقيقي لذكاء المتفرج الأمازيغي. وأقصد بلفظ الاحتقار دلالته التقريرية المباشرة، التي تتأسس على الاستعلاء والازدراء والعنصرية الإثنوثقافية.
- إلى المشتكين من غياب المتابعات النقدية:
قدموا دراما مقبولة (ليست جيدة بالضرورة)، وستجدون أمامكم كتابات نقدية موازية. هنالك كفاءات نقدية جيدة تستطيع تتبع الإنتاج الدرامي الأمازيغي بما يقتضيه الأمر من موضوعية واحترافية، لكن لسان حالها يقول: «ليس من الحكمة استعمال قذائف مدفعية لاصطياد بعوضة».
- رحماك يا رب العالمين..
*أستاذ باحث- كلية الآداب والعلوم الإنسانية، وجدة