يمثّل سيوران Cioran واحدا من أولئك المفكّرين، وهم قلّة بعدُ، الذين يهاجمون الفلسفة في كلّ أبعادها، إلى حدّ يعترضون فيه لا على فائدتها فحسب، بل على صلاحيتها ويتهمونها بكونها بالأساس مضرّة. فهل ما يدفعه إلى ذلك مجرّد ميل مزاجي بعد عشرته للفلسفة أثناء شبابه؟ من دون شكّ. ولكن ربّما تعلّق الأمر أيضا برغبة أو بضرورة التخلّي عن هويّة ووضعٍ يعتبره عقيما أو بالٍ، انطلاقا من كتابه” الوجيز في التحلّل”، الذي نُشر خمسة عشرة سنة بعد بدايته الرومانية، “على قمم اليأس”. منعرج حقيقيّ في مسيرة الكاتب، فقد أضحى” الوجيز”المناسبة والأداة لـ”ولادة ثانية” لسيوران من حيث أنّ أو اختيار الكتابة بالفرنسية، بتغيير اللغة، يفتح له بالتوازي حقلا تجربة ثقافية، تفتنه وتجذبه إليها على حساب صناّع النسق. وإعادة اكتشاف الأخلاقيين الذين قرأ لهم منذ المراهقة والذين يعيد قراءتهم الآن من منظور آخر، منظور الكاتب بالتحديد، بل خاصة اكتشاف سان سيمون، للسيدة ديفون، لجولي للاسبيناس الذي يملأه إعجابا ويشدّ من عزمه على اختيار لغة القرن الثامن عشر بوصفها نموذجا، بتبنّي عناصر من أسلوب هؤلاء الكتاب. تكشف له هذه اللغة، بوصفها كونية، فضائل أخرى، تبعده عن الفلسفة من جهة، وعن الزخم الغنائي الذي أخذه ككاتب في أولى كتاباته. ذلك أن ما اكتشفه في قراءته لسان سيمون مثلا، بل أيضا لجوزيف دي ماستر و جوبير، هو النثر، بقواعده الصارمة من أناقة وإيجاز، والذي يجعله يقول للسيدة دي ستايل بأنّه “لابد في لغة من كثير من الرقّة والإيجاز كي نحسن الكتابة نثرا أكثر منه شعرا”(1) ؛ وبقول هذا تحديدا، تتكلّم مادام دي ستايل هولستاين Mme de Staël-Holstein عن الأنجليزية التي، في نظرها، تشكو من نقص شديد ” لعدد كبير من الفروق.