العمل معا لبناء ثقافة إيجابية للسلامة والصحة
طوال جائحة كورونا، رأينا أن وجود نظام قوي للسلامة والصحة المهنيتين —يتضمن مشاركة هادفة من الحكومات وأصحاب العمل والعاملين والجهات الفاعلة في مجال الصحة العامة وجميع الأطراف ذات الصلة على المستوى الوطني ومستوى المؤسسات— كان أمرًا حاسمًا في حماية بيئات العمل وصون سلامة العمال وعافيتهم.
وتشارك الحكومات والشركاء الاجتماعيون بالحوار الاجتماعي الفعال والنشط في جميع مراحل عمليات اتخاذ القرار بشأن السلامة والصحة المهنيتين. وهو ما يعد أمرًا مهمًا بدءًا من تطوير ومراجعة سياسة السلامة والصحة المهنيتين والأطر التنظيمية للتصدي للتحديات المستمرة والجديدة للسلامة والصحة المهنيتين وانتهاء بالتطبيق الفعلي على مستوى مكان العمل. ولا يسهم الحوار الاجتماعي في تحسين سياسات واستراتيجيات السلامة والصحة المهنيتين فحسب، بل إنه من اللوازم كذلك لبناء الملكية والالتزام، مما يسهل الطريق لتنفيذها تنفيذا واسعا وفعالا.
على مستوى مكان العمل، فإن ثقافة السلامة والصحة المهنيتين القوية هي ثقافة يُقيّم بها ويُعزز الحق في بيئة عمل آمنة وصحية من قبل الإدارة والعاملين. وتُبنى ثقافة الصحة والسلامة المهنية الإيجابية على الإدماج، بالمشاركة الهادفة لجميع الأطراف في التحسين المستمر للسلامة والصحة في العمل. ولا يتردد العمال في مكان العمل الذي يتمتع بثقافة قوية للسلامة والصحة المهنيتين، في التحدث عن مخاوفهم من مخاطر أو مخاطر الصحة والسلامة المهنية المحتملة في مكان العمل، وتتعاون الإدارة بشكل استباقي مع العمال لإيجاد حلول مناسبة وفعالة ومستدامة. وهذا يتطلب اتصالاً مفتوحًا وحوارًا مبنيًا على الثقة والاحترام المتبادل.
ومع تواصل هذه الأزمة الصحية العالمية ومواجهة مخاطر الصحة والسلامة المهنية المتواصلة في عالم العمل، يجب أن نواصل التحرك نحو بناء ثقافة سلامة وصحة قوية على جميع المستويات.
معلومات أساسية
تحتفل منظمة العمل الدولية - منذ 2003 - بهذا اليوم العالمي، مشددة على الوقاية من الحوادث والأمراض في مكان العمل، مستفيدة من قواها التقليدية في العملية الثلاثية (بين الحكومات والمنظمات الممثلة للعمال والمنظمات الممثلة لأصحاب العمل) والحوار الاجتماعي. و 28 نيسان/أبريل هو اليوم الذي ربطة الحركة النقابية في العالم، منذ 1996، بذكرى ضحايا الحوادث والأمراض المهنية.
وتهدف السلامة والصحة المهنية في جوهرهما إلى إدارة المخاطر المهنية. ويُعتبر نظام إدارة السلامة والصحة المهنية نهجًا وقائيًا يرمي إلى تطبيق إجراءات السلامة والصحة بأربع خطوات ويتضمّن مبدأ التحسين الدائم. وترتكز مبادئه على دورة الخطة، هل، راجع، القانون : وضع الخطة وتنفيذها وتقييم النتائج والقيام بالتحسينات. إلى جانب ذلك، يسعى نظام إدارة السلامة والصحة المهنية إلى بناء آلية شاملة ومنظّمة للعمل المشترك ما بين العمّال والإدارة في تطبيق إجراءات السلامة والصحة. كما يساهم نهج الأنظمة في تقييم تحسّن الأداء في تطبيق إجراءات الوقاية والرقابة. تشكّل أنظمة إدارة السلامة والصحة المهنية أداةً ناجعة في إدارة المخاطر الخاصّة بنوع معيّن من الصناعات أو العمليّات أو المنظّمات ومن الممكن تكييفها مع حالات مختلفة من حاجات الشركات الصغيرة إلى مُختلف حاجات الصناعات المعقّدة والخطيرة كالتعدين والصناعة الكيميائية والبناء.
إلا أن من المستحيل ضمان حسن سير نظام إدارة السلامة والصحة المهنية من دون إرساء قاعدة فاعلة للحوار الإجتماعي في إطار لجان السلامة والصحة أو في سياق الآليات الأخرى مثل تدابير المفاوضة الجماعية. وسعيًا إلى إنجاح تطبيق هذه الأنظمة، من الضروري ضمان الإلتزام الإداري ومشاركة العمّال الفاعلة في التطبيق.
وخلال العقود الماضية، طٌبقت أنظمة إدارة السلامة والصحة المهنية في شكل واسع في البلدان الصناعية والمتقدّمة من خلال تضمين المتطلّبات القانونية في التشريعات الوطنية وتعزيز المبادئ التوجيهية الوطنية وتفعيل المبادرات الطوعية لإصدار الشهادات. من الضروري إعتماد نظام إدارة السلامة والصحة المهنية عند تطبيق إجراءات الوقاية والحماية في مكان العمل لتحسين شروط وظروف وبيئة العمل. ووفقًا لمبدأ التحسين الدائم، من الممكن القيام بمراجعة دورية للأداء ما يسمح بالوقاية من الحوادث والأمراض المهنية.
طوال عقدين أو أكثر، حظي نهج أنظمة إدارة السلامة والصحة المهنية باهتمام الشركات والحكومات والممارسين على المستوى الوطني والدولي ومن المتوقّع أن يُضمّن عدد متزايد من البلدان نظام إدارة السلامة والصحة المهنية في برامج السلامة والصحة المهنية الوطنية كأداة لتطوير آليّات مستدامة لضمان تحسين السلامة والصحة المهنية في المنظمات.
وكانت منظمة العمل الدولية أصدرت في العام 2001 مبادئ توجيهية حول أنظمة إدارة الصحة والسلامة المهنية، وأصبحت هذه المبادئ التوجيهية نموذجًا مُستخدمًا لتطوير المعايير الوطنية في هذا المجال. وبفضل تركيبتها الثلاثية ودورها في وضع المعايير، تُعتبر منظمة العمل الدولية الجهاز الأنسب لتطوير مبادئ توجيهية دولية بشأن أنظمة إدارة السلامة والصحة المهنية. وقد أصبحت المبادئ التوجيهية الصادرة عن منظمة العمل الدولية النموذج الأكثر اعتمادًا واستخدامًا في تطوير برامج إدارة السلامة والصحة المهنية على المستوى الوطني وفي الشركات. كما تقدم منظمة العمل الدولية المساعدة التقنية للبلدان المهتمّة بتطبيق نظام إدارة السلامة والصحة المهنية خاص بها ويقدّم مركز التدريب الدولي التابع لمنظمة العمل الدولية في تورينو، إيطاليا، دروسًا تدريبية في هذا المجال.
الوقاية من الحوادث والأمراض المهنية
يعزز اليوم العالمي السنوي للسلامة والصحة في مكانة العمل - في 28 نيسان/أبريل - الوقاية من الحوادث والأمراض المهنية على الصعيد العالمي. فهو حملة لزيادة الوعي يراد بها تركيز الاهتمام الدولي على حجم المشكلة وعلى كيفية تعزيز وخلق ثقافة الصحة والسلامة التي يمكن أن تساعد على التقليل من عدد الوفيات والإصابات المرتبطة بمكان العمل.
وتقع على كل منا مسؤولية وضع حد للوفيات والإصابات في مكان العمل. وحيث أن الحكومات مسؤولة عن توفير البنية الهيكلية - القوانين والخدمات - الضرورية لضمان استمرار قدرة العمال على العمل ولازدهار الشركان؛ فإن ذلك يشتمل على تطوير برنامج وسياسة عامة وطنية ونظام تفتيش لانفاذ الامتثال للتشريعات السلامة والمهنية والصحة والسياسة العامة المتصلة بها. وتقع علينا، بوصفنا عمال، مسؤولية العمل بصورة آمنة وحماية أنفسنا وألا نعرض الآخرين للخطر، وأن نعرف حقوقنا والمشاركة في تنفيذ تدابير وقائية.
المخاطر الناشئة في مكان العمل
ربما تتسبب الابتكارات التكنولوجية أو التغيرات التنظيمية أو الاجتماعية في نشوء مخاطر مهنية من مثل:
- تكنولوجيات وعمليات إنتاجية جديدة، من مثل التكنولوجيا النانوية والتكنولوجيا الحيوية
- ظروف عمل جديدة من مثل أعباء عمل كبيرة، وتكثيف العمل الناتج عن تقليص حجم العمالة، والظروف السيئة المرتبطة بالهجرة للعمل، والوظائف في الاقتصادي غير الرسمي
- نشوء صور جديدة من الوظائف، من مثل العمل الحر، والاستعانة بقدرات خارجية، والعقود المؤقتة
وربما برزت على نطاق أوسع من خلال الفهم العلمي الأفضل، على سبيل المثال آثار مخاطر بيئة العمل المصممة بشكل غير سليم والاضطرابات العضلية الهيكلية.
وربما تأثرث بالتغيرات في التصورات المتصلة بأهمية بعض عوامل الخطر، من مثل آثار العوامل النفسية والاجتماعية على الإجهاد المتعلق بالعمل
قد تعلمنا من الأزمات السابقة أن أماكن العمل يمكن أن تكون ذات أهمية حيوية لمنع تفشي الأوبئة والسيطرة عليها، حيث يمكن أن تلعب تدابير السلامة والصحة الملائمة في العمل دوراً حاسماً في احتواء انتشار المرض، مع حماية العمال والمجتمع ككل. للحكومات وأصحاب العمل والعمال دور يؤديه كل منهم في معالجة أزمة مرض فيروس كورونا، وتعاونهم هو مفتاح النجاح.