القاهرة ـ «القدس العربي»:إياد أختار كاتب باكستاني الأصل أمريكي الجنسية، مواليد نيويورك عام 1970. تخصص في المسرح كتابة وتمثيلاً وإخراجاً. قام بكتابة العديد من المسرحيات والروايات التي لاقت نجاحاً كبيراً في الولايات المتحدة، بداية من عرض بعضها على مسارح برودواي، وصولاً إلى حصوله على جائزة بوليتزر عن مسرحية بعنوان «الموصوم» إضافة إلى عدة أعمال روائية، مثل «الدرويش الأمريكي» وعمله الأخير «مرثيات وطن».تدور أعمال أختار في مجملها عن المفارقة التي يعيشها أصحاب الجاليات المهاجرة في أمريكا، خاصة الجالية الباكستانية المسلمة، فكيف تعيش وتتعلم وتُنتِج، وربما تنجح في بلد مثل أمريكا، لكنك في الوقت نفسه تبتهج لما يصيبها من ضرر؟!
ظهر هذا الموقف جلياً في الموقف من هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، وقد تأكد لدى أختار في عمليه المسرحي والروائي «الموصوم» و»مرثيات وطن» فالرجل نفسه عند سؤاله عن رأيه في هجمات سبتمبر، قال.. «إنها جعلته يشعر بالفخر». كما صرّح بأن والدته قالت وقتها «إن الأمريكيين يستحقون ما حدث لهم». ومن ناحية أخرى يرى أختار أن هناك تشابها كبيرا بين أمريكا وباكستان، خاصة في عهد ترامب، الذي لم تزل آثاره باقية ومتأصلة، بل كاشفة عن جزء كبير من الوعي الأمريكي، فيقول.. «رغم الفارق الكبير بين حضارة أمريكا وحضارة باكستان، إلا أنني أرى الخطوط العريضة للتعقيدات نفسها التي قد تصل إليها أمريكا، خاصة في عهد ترامب.. أرى الغضب والعداء الصريح للغرباء، ولأصحاب الآراء المعارضة، أرى شعبية الآراء الرجعية والعنصرية، أرى الفساد في كل مكان».
كانت هذه المقدمة عن الكاتب بمناسبة إصدار الترجمة العربية للنص المسرحي «اليد الخفية» التي كتبها في 2015. وترجمها وقدّم لها مالك عساف، وصدرت عن سلسلة (المسرح العالمي) التابعة للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ـ الكويت عدد يناير/كانون الثاني 2022.
«اليد الخفية»
يأخذ أختار عنوان مسرحيته من مصطلح صكه آدم سميث في كتابه «ثروة الأمم» ذاكراً أن الفرد الذي يقوم بالاهتمام بمصلحته الشخصية يساهم أيضاً في ارتقاء مصلحة مجتمعه ككل، فالعائد العام للمجتمع هو مجموع عوائد الأفراد، فعندما يزيد العائد الشخصي لفرد ما، فإنه يساهم في زيادة العائد الإجمالي للمجتمع. بينما يرى رأياً آخر رداً على هذه الفكرة.. إن السعي إلى تحقيق الصالح العام هو أفضل طريقة للنهوض بالمصلحة الشخصية. أما توظيف هذه المقولة في النص المسرحي، فتدين أمريكا والـ(دولار) الذي يُقيم ويهدم الحكومات والدول حسب مشيئته. وكيف يمكن التلاعب بالمجتمع من خلال بعض الأيادي الخفية، التي تحاول أن تتحدث بلسان الفقراء، لكنها في النهاية لا تعمل سوى لمصلحتها الخاصة، التي تتنافى تماماً ومصلحة المجموع. كذلك.. يستند إلى واقعة حقيقية تتعلق بحادث اختطاف الصحافي الأمريكي دانيال بيرل مدير مكتب جنوب آسيا لصحيفة «وول ستريت» الذي اعتقل في كراتشي، أثناء عمله تقريراً عن متشددين إسلاميين، ثم قطع رأسه في 2002، من قِبل إحدى الجماعات الإسلامية المتشددة، بقيادة أحمد عمر سعيد الذي درس الاقتصاد في لندن.
يتم اختطاف (نيك برايت) موظف أحد البنوك الكبرى في باكستان، ظناً أنه مدير البنك، بهدف طلب فدية كبيرة من البنك والحكومة الأمريكية. وبعد الرفض، بل ووضع الجماعة الخاطفة وصاحبها ضمن قائمة الإرهاب، يتم الاتفاق على حل آخر، وهو أن يقوم (برايت) بتوفير النقود للجماعة وصاحبها ـ للإنفاق على الشعب الباكستاني المسكين ـ من خلال خبرته المالية. ومن خلال الزنزانة الضيقة الحقيرة ـ وهي إحالة لسوق البورصة المعهود ـ يبدأ برايت في عمله، وفي الوقت نفسه يُعلّم سجانه (بشير) المجاهد الباكستاني، الكاره لأمريكا وسياساتها في باكستان، والمؤتمر في الوقت نفسه بأوامر رأس الجماعة (الإمام سليم). لكن.. بعد بدء تدفق المعلومات المصرفية والأموال، تتوتر العلاقة بين بشير والإمام، خاصة مع اكتشافه أن الأخير يشتري العقارات باسم زوجته، وقد استغل الأموال التي بالأساس جمعها لأجل الشعب ومحاربة المحتل الأمريكي. هنا يطيح بشير بالإمام، ويصبح الأخير وبرايت في الزنزانة نفسها، وتحت حراسة الجندي الصغير (دار) حارس برايت بالأساس، الذي لم يزل يرتجف عند رؤية بشير، ويطيعه طاعة عمياء، كما كانت علاقة بشير بالإمام، فهي دائرة لن تنتهي. وهنا وبعدما أتقن بشير اللعبة ترك المصرفي الأمريكي يستمتع بحريته، ويغادر محبسه، لكن في أرض يدور فيها القتال، ودون أي شكل من أشكال الحماية.
شخصيات حيّة
وإن كان في النص المسرحي تم إطلاق سراح الرهينة الأمريكي، بالمخالفة مع ما حدث مع الصحافي صاحب القصة الأصلية، إلا أن هناك بعض التشابهات في الشخصيات، فـ(بشير) نشأ وقضى وقتاً للدراسة في لندن، وهو ما يتفق مع شخصية (عمر سعيد) قائد الجماعة الإرهابية. فالغرب كما يراه المؤلف يعاني بدوره مما أنتجه من سيطرة وفساد على الدول الأخرى، ولا تكون النتيجة إلا ردة الفعل المعهودة ـ هي نفسها التي أشعرت أختار ووالدته بالفخر يوم 11 سبتمبر ـ هذا الفساد نفسه هو سبب تحوّل (الإمام سليم) وهو الصحافي السابق، الذي كتب عن قضية فساد في بلدته، وكانت نتيجتها مصرع والده، حتى يكف عما يفعل. فالجميع يستند إلى تراث ومواقف حياتية تتحكم في سلوكه ومواقفه المُبررة درامياً، كاشفة عن سلوك وأفكار أعمق تتعلق ببلاد محكومة بالفساد، فحكوماتها وأنظمتها السياسية الانقلابية هي صنيعة الغرب، صنيعة التواطؤ والصفقات المشبوهة.