في ظل القيود التي فرضتها جائحة «كوفيد - 19» على مدار العامين الماضيين، اكتسبت صحافة الموبايل «موجو» زخما جديداً، وأصبح الهاتف المحمول إحدى الوسائل «المهمة» لنقل الأخبار وبثها من موقع الحدث، واستعان به المراسلون في كل مكان، حتى من منازلهم كوسيلة للتصوير والبث التلفزيوني. وتزامن هذا مع منافسة شركات إنتاج الهواتف الجوالة على تطوير تقنيات التصوير والمونتاج عبر الهاتف، وزيادة سرعات الإنترنت وقدراتها، وانتشار مقاطع البث المباشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وفي حين يؤكد بعض خبراء الإعلام على أهمية صحافة الموبايل كوسيلة لنقل ونشر والأخبار، فثمة تشديد في المقابل على أن هذا النوع من الصحافة لن يقضي على وسائل الإعلام التقليدية، بل سيكمل دورها.في الواقع، طوال الأسبوع الماضي سيطرت صحافة الموبايل على المناقشات الدائرة بشأن مستقبل الإعلام والصحافة مصرياً وعربياً، وذلك مع تنظيم «المؤتمر الدولي الأول لصحافة الموبايل» في القاهرة، تحت عنوان «صحافة الموبايل ومستقبل الإعلام... الفرص والتحديات» بمشاركة أكثر من 50 مشاركاً من مصر والدول العربية ودول العالم.
الدكتورة هويدا مصطفى، عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة، قالت في كلمتها خلال المؤتمر، إن «صحافة الموبايل أصبح لها دور مهم بالساحة الإعلامية، ومكنت الصحافيين من الإنتاج عبر الموبايل». وأشارت الصحافية الاستقصائية نجوى همامي، مديرة إذاعة «السيدة» في تونس، في كلمتها، إلى أن «صحافة الموبايل أدت إلى زيادة التقارب بين الصحافيين والمواطنين في الأحياء الشعبية، وأصبحت وسيلة مهمة للتواصل».
ومن جانبه، أرجع أسامة الديب، الصحافي المتخصص في صحافة الموبايل ومؤسس المؤتمر، أسباب انتشار صحافة الموبايل إلى «قلة تكلفتها في ظل ارتفاع أسعار الكاميرات الاحترافية، والمعدات التقليدية لصناعة التقارير المصورة، بالإضافة إلى السرعة في التصوير ونقل المادة، ونشرها من المكان نفسه، حيث يتيح الهاتف الجوال تصوير الحدث، وكتابته، وعمل المونتاج والبث من موقع الحدث دون معدات أو تكاليف، وذلك بالإضافة إلى وجود حساسية لدى البعض من وجود كاميرات».
الديب قال أيضاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «المنافسة المحتدمة بين شركات تصنيع الهواتف الجوالة حول إنتاج هواتف بكاميرات تسمح بتصوير بجودة سينمائية، وهو ما منح مزيداً من الزخم لصحافة الموبايل». وأردف أن «30 في المائة من إعلانات شركات الهواتف الجوالة الآن أصبح موجهاً لصناع المحتوى ومحبي السينما».
بدوره، لفت الدكتور برايان كالفانو، أستاذ الإعلام والسياسة ورئيس قسم الصحافة في جامعة سينسيناتي بالولايات المتحدة الأميركية، إلى أن «صحافة الموبايل تجعل جمع وتحرير وتوزيع الأخبار أمراً سهلاً جداً، لسهولة حمل مستطيل صغير في راحة اليد». وتابع خلال لقائه مع «الشرق الأوسط» إنه «مع زيادة شعبية مواقع التواصل الاجتماعي والبث المباشر، وزيادة سرعات الإنترنت التي مكنت من الوصول إلى أعداد أكبر، باتت الأخبار التي تسيطر على الساحة الإعلامية هي تلك المصنوعة بالموبايل بشكل أساسي سواءً جزئياً أو كلياً».
في هذا السياق، تشير دراسة عن صحافة الموبايل نشرتها «رابطة ناشري الأخبار العالمية» عام2009 إلى أن مصطلح «موجو» - أو صحافة الموبايل - ظهر في عام 2005 على يد فريق عمل في إحدى صحف الولايات المتحدة، كاسم لمشروع نفذته «نيوز برس» في ولاية فلوريدا، يجمع الصحافيون خلاله المادة ويوزعونها بطريقة جديدة. وحسب كيت ماريمونت، المحرر التنفيذي ونائب مدير الأخبار في «نيوز برس»، فإن «تجربة الموجو كانت مصممة لخلق مناطق تركيز جديدة في المواقع الصحافية، وتقديم الأخبار على الموقع على مدار اليوم لجلب مزيد من الزيارات للموقع». وفي عام2007، صور طالب في جامعة فيرجينيا تك بتصوير جريمة إطلاق نار جماعية داخل حرم الجامعة بهاتفه الجوال وأعطى المادة المصورة لشبكة «سي إن إن»، وهو ما أعطى أهمية إضافية لهذا النوع من الصحافة الذي أخذ ينتشر في مختلف أنحاء العالم»، وفقاً للدراسة.
المناقشات في «المؤتمر»، الذي نظمه قسم الإعلام السياسي في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة المستقبل في القاهرة بالتعاون مع شركة كان بي للمؤتمرات والتدريب، تطرقت إلى تأثير صحافة الموبايل على الإعلام التقليدي. وهنا أكد كالفانو أن «ثمة حاجة دائمة لنوعية المنتج الذي يقدمه الإعلام التقليدي خصوصاً التلفزيون. إذ أن صحافة الموبايل الجيدة قد تكمل هذا الدور، وربما تنافسه وتجعله أكثر حداثة ومرونة في العمل، لكنها لا يمكن أن تحل محل الكاميرات الاحترافية، والإضاءة، والصوت وجودة الاستوديوهات التي توفرها وسائل الإعلام التقليدي، ولهذا لن تقضي صحافة الموبايل على الإعلام التقليدي».
ويتفق الديب مع هذا الرأي معتبراً «أنه لا يمكن لوسيلة أن تلغي أخرى، ومع أن نمط الحياة الآن أصبح معتمدا على الموبايل باعتباره أسرع تقنياً في التصوير والمونتاج وإنتاج البودكاست، فإن هذا كله لن يلغي الكاميرات الاحترافية».
ومن جهة ثانية، نشر على موقع إلكتروني لـ«المجلس الوطني لتدريب الصحافيين» في مدينة مانشستر البريطانية، تصريحات لجيمس توني، مدير تحرير «نيوز أسوشيتس» (المتخصصة في تدريس الصحافة بريطانيا) عن صحافة الموبايل، قال فيها إن «الناس درجت في الماضي على تصنيف صناعة الإعلام إلى مطبوع ومسموع ومرئي وإلكتروني ومواقع تواصل اجتماعي، ولكن في الحقيقة كل هذا إعلام. والحدود بين هذه التصنيفات اختفت مع الوقت، وأصبح الصحافي مطالبا بعمل كل شيء... الكتابة والتصوير والفيديو والغرافيك، وتوافرت لدينا طرق كثيرة لرواية القصة الصحافية، وفي جيبك (أي الجوال) الآن أكثر الأدوات قوة لفعل ذلك».
إلا أنه في هذا الإطار، أثار انتشار صحافة الموبايل وسهولة إنتاج المحتوى بواسطة الهاتف، تساؤلات ومناقشات أخلاقية، خاصةً مع تأكيد الخبراء على «وجود بعض الأخطاء المهنية في الممارسة»، وهو ما وضع «التدريب» على رأس توصيات «المؤتمر الأول لصحافة الموبايل». ولقد قال مجدي الجلاد، رئيس تحرير مؤسسة «أونا» المصرية، إن «السعي وراء الترند، والبث المباشر حول الصحافة إلى صحافة مهرجانات». وفي هذا الشأن علق أسامة الديب قائلاً أن «أي ممارسة جديدة من الطبيعي أن يحدث فيها أخطاء»، ولذا شدد على «أهمية تدريب الصحافيين بشكل مكثف». كذلك شدد أساتذة الإعلام خلال «المؤتمر» على ضرورة تطوير المناهج الدراسية في كليات الإعلام من أجل تيسير تدريس التطورات الجديدة ومنها صحافة الموبايل، وصحافة الذكاء الاصطناعي.