نص مداخلة الأستاذ رشيد الراخا، رئيس التجمع العالمي الأمازيغي في ندوة فكرية حول "التاريخ والحضارة والثقافة الأمازيغية، بكل جوانبها وتفاصيلها المعيشة وحضور تمثلها في تفاصيل الحياة اليومية المعاصرة"، المنظمة من طرف "الجمعية التونسية الانجليزية للتربية والسياحة والثقافة الاجتماعية" ضمن أشغال الدورة الثانية من "مهرجان التراث التونسي الأمازيغي"
من تونس.. رئيس التجمع العالمي الأمازيغي: الأمازيغية أصل الحضارة الإفريقية والأمازيغ أسسوا الحضارة الأندلسية
اعتبر رئيس التجمع العالمي الأمازيغي، رشيد الراخا، الثقافة الأمازيغية "أصل الحضارات داخل القارة الإفريقية وخارجها". مشيرا إلى أن "أصول تسمية إفريقيا، التي أطلقها الرومان على تونس في بداية الأمر، حسب مجموعة من الباحثين جاءت من قبائل" إفري" التي تعني بالأمازيغية" الكهف"، لتصبح في نهاية المطاف إفريقيا لتطلق على كل القارة".
وأكد الراخا، الجمعة 06 ماي، خلال مداخلته في ندوة فكرية حول "التاريخ والحضارة والثقافة الأمازيغية، بكل جوانبها وتفاصيلها المعيشة وحضور تمثلها في تفاصيل الحياة اليومية المعاصرة"، المنظمة من طرف "الجمعية التونسية الانجليزية للتربية والسياحة والثقافة الاجتماعية" ضمن أشغال الدورة الثانية من "مهرجان التراث التونسي الأمازيغي" أن "مصطلح إفريقيا اشتهر عن طريق الملك الأمازيغي ماسينيسا، في مقولته الشهيرة الذي أكد من خلاله أن "إفريقيا للأفارقة" .
وأضاف المتحدث :"عندما نقول أن الحضارة الأمازيغية أصل الحضارة الإفريقية، فلابد لإثبات ذلك من خلال العودة إلى فترة ما قبل التاريخ، وإنسان الحضارة الآشولية الذي تم العثور على بقاياه التي تعود إلى ما يقرب من 1.200.000 سنة، بموقعين اثنين، الأول قرب مدينة سطيف بالجزائر والثاني بمدينة الدار البيضاء بالمغرب، وأرخت هذه المواقع للبدايات الأولى لأهم نشاط صناعي عرفته البشرية منذ بداية عصور ما قبل التاريخ وهو الصناعة الحجرية، صناعة أدوات الصيد... حيث يمكن اعتبارها أول ثورة صناعية عرفتها البشرية، حرر من خلالها الإنسان يديه واستعمل قدرات العقل البشري لإحداثها، واستمر هذا التطور إلى حين بلغ مستوى التطور البشري مرحلة الإنسان العاقل الحديث، الذي يعتبر المغرب مهده".
وجاء هذا التأكيد؛ يضيف المتحدث، مع الاكتشاف الأثري المتمثل في "انسان أدرار إيغود" الذي يعود إلى حوالي 315 ألف سنة". كما ذكر "الأصداف البحرية المستعملة للزينة و التي يعود اكتشافها إلى 142.000 إلى 150.000 سنة في المغرب، بمغارة بزمون، على مقربة من منتجع الصويرة الساحلي وهو أقدم حلي تم اكتشاف إلى حد الان، بعد أن كان يعتقد إلى العهد القريب ان اقدمها يعود إلى جنوب أفريقيا بتاريخ يمتد إلى 70 الف سنة".
"و أخرى بمغارة "المهربين"( les contrebandiers) بتمارة قرب العاصمة المغربية الرباط، التي يمتد تاريخها إلى حوالي 100,000 سنة، والتي حاول فريق الأستاذ عبد الجليل الهجراوي تحديد فترتها التاريخية بشكل دقيق، وذكر ذلك في كتابه "إنسان الرباط"، ويدل الاستعمال الأول لهذه الأصداف البحرية على الدلالة الرمزية والإيمان بالغيبيات والماورائيات، والتطور على مستوى التواصل البشري"، يورد المتحدث.
بالإضافة إلى ذلك، يضيف رئيس الهيئة الأمازيغية الدولية "الحضارة الكابسية(civilisation capsienne) ، التي نشأت في منطقة "قفصة" ، على بعد 260 كم من مدينة سوسة ، تقدمًا من الشرق إلى الغرب ثم إلى المغرب. وتمتد فترة وجودها من الألفية الثامنة إلى الخامسة قبل الميلاد."
واستحضر رئيس التجمع العالمي الأمازيغي الدراسة التي قدمها الدكتور أنطونيو أرنايس بيينا من جامعة مدريد حول المقارنة الجينية لشعوب حوض البحر الأبيض المتوسط، حيث أكد أنه "وفقا لجينات الشعوب الايبيرية(اسبانيا والبرتغال) وكذالك شعوب الارخبيل الإيطالي الجنوبية وشعوب جزيرة كورسيكا وسردينيا كل هذه الشعوب تشبه في جيناتها الشعب الأمازيغي بشمال أفريقيا أكثر من جيرانهم الفرنسيين والألمان بأوروبا، وتبعا لهذه الدراسة فأصول شعوب أوروبا الجنوبية تنتمي إلى إفريقيا عكس أوروبا الشمالية التي تنتمي أصولهم إلى الشرق الأوسط، ذلك لأن الصحراء الكبرى كانت قبل ما يقرب 10.000 سنة".
ومع بداية تصحرها، يسترسل الأستاذ الراخا، بدأت الهجرة السكانية من إفريقيا نحو الشمال، لتعبر إلى الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط وإلى جزر الكناري أيضا، وهو الأمر الذي تؤكده الدراسات الجينية والأبحاث الأركيولوجية والأنثربولوجية والكتابات التي تؤكد الاستمرارية والتقاطع التاريخي في هذه المناطق، مع وجود أدلة من النقوش الصخرية التي تحمل الحرف الأمازيغي بكل من هذه المناطق، والتي تجعل المنتمين لهذه الثقافة يفخرون بكونهم يمتلكون لغة وكتابة خاصة سبقت الحضارات الأخرى".
وحسب الدكتور أنطونيوأرنايس بيينا، "هكذا تكونت الحضارة الفرعونية أيضا" يقول المتحدث.
ومن ضمن أبرز الدراسات التي تحدثت حول الموضوع، يقول المتحدث في معرض حديثه " نستحضر كتاب هيلين هغان عن الجذور الأمازيغية في الحضارة الفرعونية واللغة الهيروغليفية، بالإضافة إلى دراسة أكثر تفصيلا قامت بها تكليت مبارك سلاوتي عن جامعة بجاية حول الحضور الأمازيغي في الحضارة الفرعونية، فضلا عن اللوحات الفنية التي تم العثور عليها في الأهرام المصرية، والتي تحمل تصاوير لملوك أمازيغ، ما يؤكد حضور هذه الثقافة وتأسيسها للحضارة الفرعونية، ومن ضمنها لوحة تظهر أمازيغيا "ليبو" منهزم في معركة، كما تبرز التراتبية الاجتماعية، ومواجهة الأمازيغ للإمبراطورية الفرعونية وهزمهم إقرار بقوته، الأمر الذي يتأكد من خلال معركة رمسيس الثالث وشيشناق الأمازيغي، الذي هزم الفرعون ووصل إلى فلسطين، وهي الذكرى التي احتفظ بها التقويم الأمازيغي للتأريخ".
وتأسف رشيد الراخا على "حال بلدان شمال إفريقيا التي التي تحجم التاريخ وتربط بداياته الأولى بظهور الدين الإسلامي، وبقية حبيسي الإيديولوجية السلفية والعربية".
واستطرد :"حتى إن عادوا إلى هذه الفترة مزجوها بمجموعة من الخرافات من قبيل ان الأمازيغ قدموا من اليمن، وكما سبق وأن عرضنا أطروحة أنطونيو أرنايس بيينا فالأمر يجانب الصواب، والعكس هو الذي حدث، أي سكان إفريقيا هاجروا بعد التصحر نحو أوروبا و آسيا، ولم تستقبل هذه القارة هجرات نحوها".
وأكد المتحدث في معرض حديثه أن "التاريخ الرسمي يختلف تماما عن "التاريخ الاجتماعي". ما يعني أن هناك دائمًا جانبان رئيسيان للقصة التاريخية. فطالما كان التاريخ الرسمي هو سرد الخلافة الأسرية والإنجاز المعمارية، تاريخ موثق ومحصن حبيس الجدران القصور بينما التاريخ الاجتماعي، بقيادة القبائل تاريخ مهمش غير معروف".
وأبرز رشيد الراخا أن نشوء الحضارة القرطاجية كان نتيجة "عزيمة ودهاء وشجاعة امرأة مقدامة وخارقة للعادة اسمها “إليسَا ديدون”. بعد الاستيلاء على ثروة عمها “عاشرباص” (المعروف بـ”زيكار بعل”)، الذي تزوجت منه والذي اغتيل على يد شقيقها، هربت “إلّيسا” من لبنان ونجحت سنة 814 ق.م. في رصّ صفوف القبائل الأصلية من حولها، في مجتمع يقدّر المرأة حق قدرها".
أسست "إلّيسا" المدينة التونسية الشهيرة “قرطاج”. وبمجرد أن وطأت قدماها أراضي ” الليبو”، يحق لنا أن نعتبرها ملكة أمازيغية أكثر من أنها ملكة فينيقية، لأن مملكتها تطورت وازدهرت في أرض تامازغا، على الرغم من أنها رفضت الزواج من هيرباس ملك قبائل الـ”مازييس” الأمازيغية!" وفق المتحدث.
وأكد أن "الفضل يرجع إليها في بناء حضارة عظيمة حوّلت قرطاج، ربما، إلى أول جمهورية في التاريخ"، مضيفا أن "الحضارة القرطاجية، التي كان لها الفضل في تأسيس إمبراطورية في البحر الأبيض المتوسط، من خلال غزو جزر صقلية، وسردينيا، وكورسيكا، وكذلك منطقة مورسيا في إسبانيا، حققت شهرة كبيرة بفضل هانيبال، الذي تحدى جبال الألب وعبرها على ظهر الفيلة ليشن حربا ضد الرومان إلى أن وصل أبوابها".
وأكد في مداخلته أن "الحضارة القرطاجية حضارة أمازيغية وامتدت إلى السواحل الأوروبية وجزرها، وهي حضارة تنتمي للقارة الإفريقية ويجب أن نكون فخورين بذلك، ونفس الأطروحة تقول أن قبل الرومان كان الفنيقيون مستوطنين وأقاموا مدن بكل الحواضر الساحلية بالمغرب روسادير بمليلية، وطنجيس بطنجة وتمودا بتطوان، لكسوس بالعرائش وليلي قرب مكناس، لكن حسب الدراسات في هذا المجال من ضمنها أبحاث الأستاذ يوسف بوكبوض الذي أكد أن الفنيقيين كانوا تجارا تبادلوا السلع مع السكان الأصليين، وأتوا عبر القوارب وعادوا على متنها، والمدن التي وجدها الفينيقيون والرومان بعد ذلك على السواحل الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط كانت دائما مدنًا أنشأها الأمازيغ ، الذين كانت لديهم حضارة حضرية قبل مجيء هاتين الإمبراطوريتين..".
ومن أهم الحضارات التي أسسها الأمازيغ؛ يقول رئيس التجمع العالمي الأمازيغي "نجد الحضارة الأندلسية، والتي يطلق عليها المشارقة اسم الحضارة العربية الإسلامية الأندلسية".
وانتقد في هذا الإطار ما وصفه ب" التزوير الذي قدمه مسلسلهم التلفزيوني "فتح الأندلس" الذي بثته القناة الأولى المغربية خلال شهر رمضان المنصرم ، الأمر الذي أثار موجة من الانتقادات والجدل حوله".
وأوضح ذات المتحدث أن "أول من وصل إلى الأندلس هو الأمازيغي طارق ابن زياد، والأمازيغ هم من أسسوا الحضارة الأندلسية، ومآثرها المتمثلة في أفضل مدينة في أوروبا ، مدينة غرناطة، وكاتدرائية الخرالدا بإشبيلية، وهي مساهمات في مسار الحضارة الإنسانية التي وثقها التاريخ، وكل هذه الحضارات تعطينا فخر كسكان أصليين للقارة الإفريقية ومساهمين في صنع حضارات عظمى".
وقال رئيس مؤسسة دافيد مونتغومري هارت للدراسات الأمازيغية إن "الأمازيغ سبقوا الثورة الفرنسية ب 15 قرنا حينما أطلق الإمبراطور من أصل أمازيغي كاراكايا، وهو حفيد الإمبراطور الأمازيغي الليبي سيبتيموسيفيرو المزداد في المدينة الرومانية لوجدونوم ليون سنة 188 سنة ق م، فأطلق الثورة المواطنية الأولى في التاريخ، مطالبا بالمساواة في حقوق المواطنة بين برابرة أوروبا ( ومنهم الغاليون والأيبيريون والفايكنج) ، وموريطانيون من إفريقيا الشمالية مع مواطني روما في 211 سنة ق م".
ودعا رئيس التجمع العالمي الأمازيغي في ختام مداخلته، الجمعيات والمنظمات غير الحكومية والمثقفين ونشطاء الحركة الأمازيغية، إلى الاستمرار في الدفاع عن الحضارة واللغة الأمازيغيتين، التي أعطت الشيء الكثير للثقافات الإنسانية وساهمت في بناء الحضارات الإفريقية و الأوروبية، و التي تحمل في عمقها قيم التضامن والمساواة و الديمقراطية ، الأمر الذي ينبغي علينا العمل به على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والعلمي الأكاديمي...".