تم نشر هذه القصة نزولا عند طلب الأستاذ رشيد السكري وهي من إبداع التلميذة سناء التوزاني أولى باك آداب
في بيت متواضع ، تتوسطه حقول جرداءُ تسدل عليه سحابة الحزن هالة رمادية من الفقر والحرمان . وقفت رحمة في مطبخ متواضع تطهو، في فرن تقليدي ، خبز الشعير كما دأبت تفعل كل يوم ، وقبل أن تجلس على مكانها المعتاد علقت زربيتها ، التي أوشكت على الانتهاء من نسجها .
يعكس جمال ألوانها العرق المتصبب من جبين رحمة ، وهي تهيئها لأيام طوال . فحين تنتهي تأخذها إلى سوق الثلاثاء الأسبوعي ؛ لتبيعها. كانت تسعل بسبب الدخان ، الذي يهيمن داخل المطبخ ، وجعلت تتحدث إلى نفسها قائلة:
آه ! يا ربي ما هذا الابتلاء ؛ ولد شقي ؟
ليتك تعلم ، يا محمد ، ماذا أقاسي من ابنك بعد رحيلك ؟
وبينما هي تناجي زوجها الراحل ، دخل مراد المطبخ ، وهو يحمل بين يديه سيجارة ، وقال لها : أمي امنحي لي مبلغا من المال .
أريد أن أذهب إلى المقهى برفقة خلاني .
أثار كلامه سخطها فانفجرت في وجهه قائلة : ألا تريد أن تغير من سلوكك ، وتتخلص من هذا السم الذي ينخرك ببطء . اعتمد على نفسك ، وابحث عن عمل تضمن به قوتك ، بدل أن تكون عالة علي هكذا .
أنت تعرف أن ما تبقى من راتب أبيك المرحوم بالكاد يكفي قوت يومنا ، ةوتريد أن تنفقه على التسكع مع رفاقك
تنهد مراد ، وقال لها بحنق: ألن تعطيني المال؟
صرخت فيه : قلت لك تخلص من هذا البلاء .
رمى السجارة من يده بعنف ، وهو يغمغم بكلام لم تفهمه رحمة ، ثم غادر .
وقع عقب السجارة على خيوط الصوف الملونة، فكانت ألسنة اللهب تمتد كأفواه جائعة نحو الزربية ، إنها تلتهمها ، كما تلتهم النار الحطب .
احترق النول ، وخر أرضا ، وساعتها انتبهت رحمة للكارثة بعدما منعها الدخان المنتشر في المطبخ من رؤية ما يجري حولها .
أخمدت النار وجثت على ركبتيها تهيل رماد أملها المحترق على رأسها وتصرخ كعروس أصبحت أرملة ، وتندب حظها العاثر قائلة : يا ويلي احترق آخر سبيل لي للخروج من هذا الفقر
يا ويلي كيف سأسدد ثمن الخيوط ، التي اشتريتها بالدين؟
اذهب يا مراد لا ردك الله إلي ولو في كفن أبيضَ .
في هذه الأثناء كان مراد يسوق سيارة قد استولوا عليها ، هو وزمرة سافلة من أصحابه
ثم فجأة وكان الحريق في قلب رحمة نفخ نفخة من الشؤم على تلك السيارة
فجعل المقود يضطرب في يدي مراد اضطراب الحزن والخوف ، واليأس في قلب رحمة التي ثكلت ابنها... حتى قبل أن يموت .