خشبة المسرح العربي ميدان لمواجهة التطرف الديني
لغة الحوار تقارع لغة التكفير والقتل
كيف يمكن إقناع الشباب العربي بعدم الارتماء في أحضان الجماعات المتطرفة؟ سؤال يؤرق فنانين مسرحيين في العالم العربي، ناصر الرامي التق في الرباط عددأ منهم وحاورتهم حول مدى تقديم المسرح بدائل ثقافية للشباب العربي في مواجهة التطرف.
ثوب أبيض ألقي على شيخ كهل، وفتاة في ريعان شبابها، وطفل مازال في عنفوان براءته، كلهم يصارعون بكل ما أوتوا من قوة للخروج من تحت هذا الثوب الأبيض الذي هو عبارة عن كفن جماعي، وبالفعل تنجح الشخصيات الثلاثة في فتق الثوب الأبيض وكأنهم بعثوا من جديد بعد أن راحوا ضحية عمليات إرهابية، كما هذا مشهدا من مسرحية "إكسلوسيف" للمخرج العراقي حيدر منعثر، الذي شارك أخيرا في مهرجان المسرح العربي في الرباط. تخرج شخصيات المسرحية وهم يتطلعون نحو سماء ملبدة كما هي سماء العراق وسوريا التي تحتلها أعمدة دخان المعارك، وأعلام سوداء لتنظيم "داعش" الإرهابي.
المسرحية العراقية التي حبست أنفاس المشاهدين لأنها تقارب موضوعا أصبح يؤثث أيام المواطن العربي، الذي يرى كل يوم شرق حضارته وهو يهوي نحو ظلام دامس تغذيه نزعات متطرفة، أصبحت تتلاعب بعقول شباب المنطقة بل تروضها حتى تحولوا إلى آلات للقتل والتخريب، وحلم واحد يراودهم هو "إقامة الخلافة"، هي إذن لغة الإبداع في مواجهة لغة القتل، لغة الحوار تقارع لغة التكفير، لغة الانفتاح مقابل لغة التعصب، الحوار بين هذه الثنائيات المتباينة شكل عمود المسرحية العراقية التي تحاكم الإرهاب فوق خشبة المسرح.
التطرف الذي يعيش بيننا
لا يكاد يمر يوم إلا وتستفيق دولة عربية على خبر هجرة العشرات من شبابها نحو سوريا والعراق للقتال إلى جانب تنظيم "داعش"، تاركين أسرا لا تهتدي إلى جواب عن سبب هجرة أبنائها نحو جحيم "داعش"، ولعل مسرحية "إيكسلوسيف" "Exclusive"، تحاول الإجابة عن هذا السؤال من خلال تشريح نفسية الشبان المتطرفين، وحالة الفصام التي يعيشها بين تسليم عقله لخطاب ديني متطرف لا مكان فيه للمنطق وبين قلوبهم التي تهفوا إلى الوصول إلى الخلاص، وهو في حالته الموت التي تعتبر مرحلة لنقله نحو الجنة، وهو ما يعتبر منطقا تبسيطيا للدين ولأفكاره ولمعنى الموت والحياة
.
لهذا نجد المسرحية تقدم هؤلاء الإرهابيين وهو يعيشون داخل الأحياء، وتارة بين أكواخ الفقراء وتارة أخرى في قصور الأغنياء، يقضون يومهم في مدرجات الجامعة أو في المساجد، وكأن المخرج العراقي يريد أن ينبه إلا أن المتطرف ليس بالضرورة هو صاحب اللحية الكثة والزي الأفغاني، بل إن التطرف أصبح يعيش بين ظهرانينا وإن اختلف لبوسه.
وتقدم المسرحية العديد من المشاهد التي تظهر كيف أن التفكير المتطرف أصبح يقتحم بيوت الأسر العربية، بل يخترق عقول صغارهم قبل كبارهم، وأصبح حاضرا في الحياة اليومية للمواطن العربي البسيط، وهي محاولة من المخرج العراقي لتنبيه المواطن العربي إلى الخطر المحدق به، ويقدم له وصفة لمواجهة هذا التطرف الذي أصبح يتربص به في كل نواحي حياته.
المسرح لتخليص الإسلام من الإرهاب
الدرس الذي قدمته المسرحية العراقية "إيكلوسيف" للمواطن العربي حول ضرورة اليقظة والحذر لمواجهة التطرف المحدق به، أكد عليه المسرحي العربي المقيم في ألمانيا عبد الفتاح الديوري ومدير مسرح البافليون بمدينة هانوفر الألمانية، حيث اعتبر أن دوره كمسرحي هو تقديم نموذج حقيقي وإيجابي للحضارة العربية والإسلامية، وإقناع المشاهد العربي وخصوصا الشباب أن دينهم ليس دين إرهاب بل هو دين تسامح "واعتقد أن خشبة المسرح هي أفضل مكان للقيام بهذا الدور".
ولفت المسرحي الألماني من أصل مغربي، إلى أن الشباب العربي يشعر بنوع من الغبن لأنه مهمش من الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لذلك يقترح على جميع المسرحيين العرب أن يقدموا لهؤلاء الشباب خشبة المسرح للتعبير عن آرائهم، واكتشاف أنفسهم من جديد، "وأن يرفعوا صوتهم ويعبروا عن آلامهم وضجرهم من الواقع". يقول عبد الفتاح الديوري قبل أن يفصح عن قناعته بأنه إن لم يتم احتواء الشباب ويعيد إدماجه في الشأن العام لبلده، وإلا سيجد البديل في التطرف، "لذلك على الدول أن لا تشعر الشاب أنه غريب في بلده وأن تمنحه فضاء للتعبير عن نفسه، والمسرح أهل للقيام بهذا الدور."
قيم المسرح في مواجهة التطرف
من جهته يقدم عبد اللطيف ندير الناقد المسرحي المغربي معادلة يقابل فيها بين قيم المسرح وقيم التطرف الديني، فالأول يقوم على الصوت والمختلف، وحرية الرأي والحوار الجماعي وعلى الجمال، بينما يعتمد التطرف على الرأي الواحد ويؤمن بالمطلق واليقين، لذلك يخلص المسرحي المغربي إلى أن المعادلة مختلفة بين المسرح والتطرف سواء من حيث المنهج والبعد القيمي، "لهذا على المسرح أن يواجه التطرف".
غير أن هذه المواجهة لن تستقيم في المجتمعات العربية التي "لا تحضر فيها ثقافة الحوار والخلاف إلا من إعادة تأهيل الشباب العربي في المدارس والجامعات" يقول عبد اللطيف ندير، الذي يرى أن العمل يجب أن ينصب أولا على تكريس مبادئ التربية الفنية في المدارس المغربية، وعدم التركيز على التلقين والشحن عوض تنمية الحس النقدي والجمالي لدى الطفل العربي، وبدون الاعتماد على هذه المنهجية "فلا يمكن للمسرح العربي أن ينجح في مهمته ضد التطرف دون الدخول إلى المدرسة".
ناصر الرامي
حقوق النشر: دويتشه فيله 2015