يطرح المصطلح في الدراسات الأدبية إشكالا حاداً؛
يتمثَّلُ في عدم انضباط مفهومِه وتعدُّدِ دلالاتِه وتباين استعمالاتِه؛ تبعا لتعدُّدِ
المدارس أو الاتجاهات أو الأقطاب الآتي
مبحث المصطلحية في العالم العربي؛ مبحثٌ مستباحٌ
يعاني الفوضى والتطفّل والتجرّؤ، فرغم أننا لا نُنتج علوما ولا معارف؛ إلا أن التأليف
في المصطلحية آخذ في التزايد والتمدد، وهذا ما يطرح التساؤل بخصوص هذا الكم الهائل
والكبير من المعاجم والموسوعات الاصطلاحية، التي لا يدعمُها أي إنتاج علمي محلي، والتي
هي في المحصلة؛ نتاج مباشرٌ للمشتغلين في الترجمة على وجه التحديد وليس للمتخصصين في
المصطلحية.
يجهل كثيرٌ من الذين نذروا أنفسهم لتعريب المصطلحات
العلمية؛ سواءً في العلوم التجريبية أو في الدراسات الأدبية وفي العلوم الإنسانية بشكل
عام، أن هذه المصطلحات ليستْ موحدة في الغرب، وإنا ما يميّز ويحفظ اختلافها هذا؛ هو
احتماؤُها بالاتجاهات والمدارس والأقطاب المختلفة التي خرجتْ منها، والتي تجد لها دائما
ما تحتج به على صوابها. مما جعل اللغة المصطلحية (العلمية) في وطننا العربي لغة اختلافٍ
أكثر مما هي لغة اصطلاح. هذه الحالة (الفوضوية) خلقتْ حالة من الارتباك لدى الطلبة
كما لدى الباحثين؛ في نسبة مفهومٍ محدد لمصلح محدد بعد أن صار المصطلح الواحد بمئة
مفهوم، وكل مصطلح يحيل على مفهوم مختلف تماما عما يحيل عليه المصطلح الأم، تبعا لفهم
كل واحد وحدودِ استيعابه وهكذا دواليك. وكان هذا نتيجةً طبيعية لانعدام وغياب العمل
الجماعي القائم على فكر مؤسساتي، يهدف إلى ترجمة العلوم وتقريب المفاهيم وفتح أقصر
الطرق للاستيعاب وللممارسة العلمية، أما ما هو الحال عليه اليوم؛ فهو منافسةٌ؛ الهدف
منها التعجيز وتغليب وفرض منتوج على منتوجآخر، وأيضا غياب الاتصال والتواصل والنقاش
حول ما صدر قبلا والبناء عليه قبلَ مُباشرةِالإنتاج.
قد تبدوا مسألة توحيد المصطلحات أمرا غاية في الصعوبة
إن لم نقل مستحيلا، ولكن تمة إمكانية في تأطير الإنتاج المصطلحي وتحديدِ حدودِه، والسماح
لهذه المصطلحات بتطوير المفاهيم الثاوية فيها دون أن تتصادم أو تتضاد أو تتناقض، وهذا
لن يتم إذا لم نؤسس لمشروع مَأْسسة المصطلحية. ويبدو الأمر مقدورا عليه؛ خاصة إذا علمنا
أن هذه الضجة وهذه الفوضى تقتصر على جزئية بسيطة وهي النقل أو الترجمة، ففي ظل الواقع
العربي الراهن الذي شاع فيه الاستهلاك وغاب فيه الإنتاج، فإننا وإن كنا لا ننتج علوما
ولا معارفا، فعلى الأقل وجب علينا أن نحسن استهلاكَ العلوم والمعارف الوافدة علينا.
فمعظم المترجمين المغرومين بترجمة المصطلحات في الدراسات الأدبية والنقدية، المتسابقين
إلى حيازة قصب السبق في تعريب أو ترجمة أو نحث المصطلحات، لا يضعون في حُسبانهم اختلاف
هذه المصطلحات في اللغات الوافدة منها (الفرنسية – الانجليزية – الروسية- الألمانية)،
وبالتالي اختلاف مفاهيمِها وتبايُنِها، فلا يكفي أن نترجم وحسب، فهذا لا يحل المشكل
وإنما يزيد منه، فالمصطلح غير المنضبط من حيث المفهوم يزيد الوضع سوءً، إذ إضافة إلى
الغموض الذي يكتنف المصطلحات في لغتِها الأم (فرنسية – إنجليزية – روسية – ألمانية)
، تُنتج الترجمات العربية غير الواعية (ترجمة
اللفظ وليس المفهوم الذي يُحيل عليه) مزيدا من المصطلحات المبهمة. فتتناسل المفاهيم
تبعا لذلك. والمشكل في هذا يرجع بالأساس إلى جهل كثير من المتعاطين للترجمة المصطلحية
بالمصطلح المراد ترجمته. فمادام الأمر غير واضح للمترجم؛ فبديهيٌّ أن تكون الترجمة
كذلك غير واضحة ولا تحمل أي دلالة غير دلالتها المعجمية فقط. ويعتقد هذا المترجم في
قرارة نفسِه أن قد أصاب الهدفووضع اليد على المفهوم الصحيح والدقيق للمصطلح.
تنعكس هذه الحالة غير الصحية سلبا على القارئ الباحث؛
الذي يجد نفسَه مضطرا لبذل جهد مضاعف لاستيعاب مفاهيم ودلالات هذه المصطلحات، وتصور
الحدود بينها؛ ليستطيع فهم النسق الناظم لها في الدراسة أو النظرية أو المنهج، حيث
يجد نفسه مضطرا للانتقاء تبعا لاستيعابِه وبما يخدم توجهَه حتى لا يقع في الخلط أو
التناقض.
تقوم المصطلحية في الدراسات الأدبية الغربية إجمالا على علوم خارجية خاصة
العلوم الإنسانية كعلم النفس وعلم الاجتماع وعلم الاقتصاد، وعلوم الحياة والأرض، فيما
يقوم نظيرُها العربي ويتغذى على عِلوم البلاغة، وبالتالي لا تستقيم كثير من المصطلحات
ولا تنضبط بسبب اختلاف منبعِها اللغوي وكذا اختلاف مرجعِها العلمي الذي استعيرتْ منه.