سيصلح حال تعليمنا،عندما يتجه
مسؤولو هذا البلد،مباشرة إلى صلب الموضوع وجوهر الإشكال ومكمن الداء،ويتوقفون عن
إرجاء الحل الحاسم نحو ممكنات زمنية، قد تأتي وغالبا لا تأتي،بتشكيل لجان يفوق عدد
عناصرها،سكان إمارة خليجية،ثم بعد جلوس وقعود، وذهاب وإياب، واختفاء وظهور،يعاودون
تكرار نفس الشريط المكرور،الذي يخلصون إليه : الشلحة والفرنسوية والعربية
والانجليزية والسبليونية والهدرالمدرسي والتمدرس
والقرية والمدينة… . مسائل تبقى تقنية، وهياكل شكلية، تقتضي
مبدئيا، إطارا مضمونيا حقيقيا :
ماذا يريد المغرب من التعليم؟هل توجد إرادة سياسية
حقيقية،بهذا الخصوص؟.
سيصلح حال تعليمنا،عندما ننتقل من
البريكولاج،إلى الاشتغال وفق موجهات مشروع مجتمعي متين،يؤمن قلبا وقالبا، بوضع المدرسة في عمق أعماق نواته التوليدية،بالتالي الإنسان
والفكر ثم الخلق والإبداع والتأسيس.
سيصلح
حال تعليمنا،عندما نشد المدرسة شدا،نظرية وممارسة، إلى ماهية قيم مجتمعية كبرى،يتوحد
في سبيل العمل من أجلها وتكريسها،المجتمع برمته،كل من موقعه،وبرؤية مستقبلية
تتسامى على الحوادث الصغيرة،بحيث تشكل المدرسة ورشا تفكيريا،والمجتمع
مجالا تطبيقيا:المعرفة،الذكاء الفردي،الكفاءة،التميز،الاستحقاق،الجدارة.
سيصلح حال تعليمنا،عندما نتلمس على
أرض الواقع،برامج عملية دينامية ومنتجة،لتعميم المعرفة في المجتمع،وإعادة الاعتبار
للعقل، ولهيبة العلم وجلال العلماء ورمزية
المثقفين،والاحتفاء اليومي بالمدرسة لأنها أصل نجاح كل مجتمع،وليس التطير منها،
كما الحال عندنا، بدعوى أنها تأكل الميزانية وتخرج العاطلين،وإذا كان الأمركذلك،حسب
التصوير الكاريكاتوري، فالعيب فينا وليس في المدرسة،والطريقة غير السوية لتعاملنا
معها،بينما كل الشعوب التي تقدمت، فقد حققت ذلك بثورة المدرسة، وليس بثورة الطبخ.هكذا،وحتى تجد المدرسة المغربية فضاء طبيعيا رحبا،يجدر البدء
ببداية البدايات،عبر وضع برنامج زمني صارم،يتأهب له بنكران للذات وتجرد، كلية
المجتمع، تحت إشراف أجهزة الدولة طبعا، لمحو الأمية وتثقيف الناس،لاسيما وأن
أرقامنا في هذا السياق، مخجلة جدا.تشير المعادلة الكلاسيكية، التي صارت حاليا مجرد تحصيل حاصل،ونحن
نعيش زمن الألفية الثالثة :يستحيل تحويل
التعلم إلى عقيدة،لدى جماعة إنسانية،لازال جانب كبير من مكوناتها، ينخره الجهل.
سيصلح حال تعليمنا،لما تؤثث واجهة
مؤسساتنا ،طليعة نخبوية ذات تكوين علمي رفيع،فتجسد النموذج الأمثل الذي يأسر
الجميع،بإشعاعه الفكري والسلوكي، وفي مقدمة ذاك الجميع، الناشئة التي بطبيعتها
تتلهف للمثال الأعلى،فتقطع مع المنظومات البائدة لمخططات تبخيس المدرسة :المعلم
"شكارة" والأعيان والسماسرة والوسطاء
والكومبرادورية والرجعية…،أي كل رعاة مجتمع اندثار الكيان
البشري.
سيصلح
حال تعليمنا،لما تتجه الدولة بكل ثقلها نحو جدية وجدة التعليم الابتدائي، لأنه اللبنة الأساس،ومعه يتحدد كل شيء، بعد ذلك : 1- بنايات مدرسية حديثة، تظهر أقصى انسجامها مع التاريخ المعاصر،لوجيستيكيا
ومنهجيا وبيداغوجيا. 2-أفضل المكوِنين
والمدرسين والمتحمسين للمهنة،مع أفضل الأجور وتوفير أحسن الأوضاع،كي يؤدوا الرسالة على
الوجه الأكمل.نقدم للناشئة،مدرسة
بالمعنى الحضاري للكلمة،ونهيئ لهم من يزرع في جماجمهم تعليما بالمعنى الوجودي
للكلمة،كي ينتقلوا باستحقاق إلى المراحل التالية.
سيصلح حال تعليمنا،لما نتخلص من
الفهم المبسط والفضفاض والفج لثنائيات :تعليم نظري ويدوي، خاص وعمومي، نافع وغير نافع، فتستنزفنا حروب
طواحين الهواء.
بينما،يقتضي المدخل صهر تلك المفارقات الوهمية والمضللة،الناتجة عن اختلالات
بنيوية راكمتها السياسة العامة،لمصالح فئوية واقتصادية ضيقة، وإعادة تركيز أفق
المدرسة حول هدف واحد :تطوير المجتمع والإنسان ذهنيا وسلوكيا.
سيصلح حال تعليمنا،عندما ننجح في
تكريس مبادئ مجتمع الإنتاج عوض الاستهلاك،والعمق بدل السطح،والعطاء في ذات مرتبة
الأخذ،والبذل عوض الارتكان،والتوكل عوض التواكل : مجتمع استثمار الإنسان وليس شيئا
ثانيا.