-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

الحج.. أولا، داخل أوطانكم المترهلة بقلم : سعيد بوخليط

الخاصية الجوهرية للإسلام-ومعه الديانتين التوحيديتين الكبيرتين- في عذرية نصه، المتسامي عن التأويلات الانتهازية،كونه دين الصفاء الروحي والسمو الأخلاقي،غير
ذلك،هو فقط زوائد حشو،لوّثت الماهية الإنسانية في تحققاتها الراقية والطاهرة.الإسلام، باعتباره عقيدة سمحة،تتوخى بناء الفرد الذي لا يكف عن تهذيب دواخله، دؤوبا على ملاحقة أفق الإلهي،بمعنى الإنساني في اكتماله المفترض،سيؤكد باستمرار على دعواته الدائمة إلى قضية بناء وتطوير الذات.غير، أنها زاغت خارجيا على امتداد تاريخ التضليل، نحو مصالح سياسية واقتصادية، وما تطويهما من أبنية إيديولوجية مبرِّرة مفارقة كليا.
الإسلام، كما تلقيته صغيرا من طرف معلمين صادقين وعارفين،وتمثلته مع سلوكات أبناء جيلي ،أبعد جدا جدا،عن كونه طقوسا برانية  ميكانيكية فاترة وممارسات مظهرية شكلية. إنه مجاهدة باطنية فردية، فكرية وجسدية مؤرقة،بالنّظر والعمل،لزرع الخير في الزمان والمكان، واختبار مدى جدارة الحس الآدمي،حيث العطاء وحده الفيصل ضمن المنتمين إلى الجماعة الإنسانية.إذن، فالشهادة زكاة والصلاة زكاة والصوم زكاة والحج زكاة،أي التدين في ممارسته الصحيحة، المترفعة عن الشوائب الصغيرة،هو تزكية للذات الفردية.غير هذا المنحى،يبقى رياء وادعاء وزورا وبهتانا وكذبا على الذات قبل الآخرين،ثم في نهاية الرحلة: ماجدوى أن يكسب الشخص العالم كله ويخسر نفسه(المسيح)؟.
طبعا، الوضع الآني الذي انتهينا إليه، نتيجة تفريغ الدين من حمولته الفلسفية اللازمنية،ووصله مقابل ذلك،بمنظومة فئوية،ذات مردودية زمنية،أفرز ثلاث حالات،شاذة :القتلة باسم الدين، المراؤون بالدين، ثم المنافقون تحت يافطة الدين.جميعهم،سقطوا في ورطة الشكل عوض المضمون،والطقوس بدل الرؤية الوجودية النافذة.
ماعلاقة هذه الإشارات التمهيدية، بإحالات عنوان المقالة؟على ضوء الكارثة التي حدثت بمناسبة رمي الجمرات في منى.الصور،بدون شك، بشعة وهمجية ومقززة ومرعبة،تتنافى بالمطلق مع ماهية الحج الأصيلة والقصد من تربية الحج المقدسة،ارتباطا بسياق ممارسة دينية نقية، تتغيا كما قلت، تزكية النفس أولا وأخيرا.الحج، ولادة جديدة وليس موتا.الحج،تربية حقيقية على التشبع بمعاني السكينة والتعفف والتأمل العميق والخشوع والتكافل والتراحم والتعاضد والتآخي،وليس بتاتا بتصادم وتطاحن ورفس وهرع وفزع وسحق للجثث.الحج،درس حضاري ملهم يقدمه المسلمون لباقي الأمم الأخرى،بخصوص استتباب الأسس التي حوتها الكتب السماوية وقاوم في سبيلها الأنبياء والرسل وكبار القادة التاريخيين الذين أورثوا بتكريس تلك القيم، أمما وشعوبا وأنساقا ثقافية عظيمة :العمل الجاد والزهد والتعفف والتواضع والمكابدة والتخلص من الأهواء والنزوعات الحسية والشفافية والصدق والتفكير في أحوال البشر،ألا يتخلص الحاج من كل متاعه،ويروض بحكمة متعه؟مستهدفا لحظتها فقط الإنصات إلى أسئلته المصيرية، التي بدونها لايمكنه أن يستحق صفة إنسان :من أنا؟ما الحياة ؟ما الموت؟ ما الآخر؟ ماجدوى حياتي قبل الآن؟ثم، بماذا ستختلف بعد الآن،أكثر نحو الايجابي؟ما النفس؟ما الجسد؟ .
بناء على قاعدة،أن الإسلام دين توحيدي،منطلقه السعي نحو الآخر من خلال تطلع الذات إلى كمالها،مانحا الدائرة الأولى لجانب المعاملة :الاحترام،المحبة،مد يد العون،التسامح،التقدير، الوفاء….هكذا،فالصلاة هي أيضا بذات القوة تبسّم في وجه الآخر،والصوم يشمل كل مفاهيم مساعدة المشردين والمعوزين،ثم الحج هو قبل كل شيء، أن تجسد سلوك المواطنة داخل بلدك.وقتها، سيكون الله سعيدا بك.أستحضر، في هذا الإطار، على سبيل التمثيل،ماعرف ضمن أدبيات الفكر السياسي الحديث، بحركة لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية،والدور الذي لعبته هناك الكنيسة عمليا من أجل إسعاد المحرومين،عبر التوفيق بين الإيمان والثورية الماركسية، بهدف مناهضة الفاشيات العسكرية،ومساندة الفقراء وضحايا الاستغلال الاجتماعي.
لعل، من أسمى أنواع الحج،بغير مشقة السفر، وأفضل تجلياته على سلوك الشخص،أن لا تكون لصا ولا ظالما ولا أ فّاقا ولا محتقِرا.واللصوصية كما نعلم تبدأ من سرقة ثروات الأوطان، بالتالي التدمير الممنهج لحياة الناس،ثم لا تنتهي عند سرقة الأسرار،بالتلصص من خلف حجاب، على حميمية جارك.كلاهما يعتبران جريمة،مع اختلاف المقام، ألا يقال :الإيمان بضع وستون شعبة،أولها الشهادة بوحدة الربوبية وأدناها إماطة الأذى عن الطريق.ليس الحج، لقبا إشهاريا، يستثمر ترويجا لوجاهة مجتمعية زائفة،بل أساسا شعورك التراجيدي اليومي الموجع، أن سعادتك لاتتم أبدا على حساب تعاسة الآخر.
حينما نقارن سريعا بين مشهد،حجاج الكعبة ثم جحافل اللاجئين السوريين الذين يحجون خلال ذات الآن،زحفا وغرقا وعلى بطونهم وجباههم،مهرولين صوب أي جليد شمالي هربا من مستنقع صحراء العالم العربي،سيتبدى خلل واضح :لماذا أضحينا نحن المسلمين،أكثر أنانية وسادية وتوحشا وقسوة وافتراسا ولا اكتراثا ولا إنسانية وجشعا وعدوانية ودموية رغم كل مواسم الحج التي راكمناها طيلة قرون عديدة؟ ماجدوى إذن، كل الترسانة "اللوجيستيكية'' الهائلة لأدبيات الذهاب والإياب المتكررة،إذا كنا عاجزين حتى الآن، عن فهم أبسط دلالات الرحيل ؟ مامعنى أن تترك كل شيء، ثم تأخذ وجهة الحج وحدك؟.
الموقع الاليكتروني للباحث : http://saidboukhlet.com


عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا