ولعل هذه الأهمية التي تحتلها المدن الكبرى هي ما جعل
البيجيدي يتمسك بها في مقابل زهده في الجهات ،رغم أنه احتل المرتبة الأولى على
صعيد النتائج المتعلقة بها. واللافت أن صعود البيجيدي إلى
"عموديات" المدن يتزامن مع بدء
تنزيل أوراش الإصلاح المحلي والجهوي ،الهادفة إلى تطوير الديمقراطية المحلية
وتعزيز آليات الحكامة الترابية ،بترحيل مزيد من الصلاحيات والآليات والإمكانات من
المركز إلى الجماعات والجهات والعمالات والأقاليم ،ووضعها بين يدي المنتخبين
لمساعدتهم على تحقيق تعاقداتهم التنموية مع المواطنين ،مما يوفر هامشا واسعا
للتدبير الحر والمستقل أمام المنتخبين ،يساعدهم على تنفيذ برامجهم باستقلالية أكبر
وحرية أوفر إزاء سلطات الوصاية التي فقدت كثيرا من نفوذها على الجماعات الترابية
بمقتضى الإصلاح إياه ،مثلما سيستفيد منتخبو البيجدي من دعم وزرائهم في الحكومة ،بل ومن دعم رئيس
الحكومة نفسه ،الذي هو الأمين العام لحزب العدالة والتنمية.
وهكذا نلاحظ أن
صعود البيجيدي إلى "عموديات" المدن تحديدا، كما كان صعوده إلى الحكومة
،يقع ضمن سياق إصلاحي شامل وغير مسبوق ،وخاصة على مستوى التدبير المحلي ، حيث يجري
التنزيل الدستوري والقانوني لمقتضيات الحكامة الترابية ،ومبادئ التدبير الحر
للوحدات المحلية، في أفق تأهيلها للاضطلاع بالأدوار التنموية المنوطة بها .
ولعل هذا من حسن طالع البيجيدي ،الذي تزامن صعوده إلى
مؤسسات التدبير المحلي،وخاصة في المدن
الكبرى مع هذا الزخم الإصلاحي، غير المسبوق الذي تعرفه المملكة،وخاصة في الشق
المحلي والجهوي،وهو ما من شأنه أن يحفز منتخبي البيجيدي على رأس المدن الكبرى في
تحقيق اختراق على مستوى تنميتها،والنجاح- ربما- في ما فشل فيه الآخرون. وتشكل الشهور التي تفصلنا عن موعد الإنتخابات التشريعية محكا
أوليا لتجربة البيجيدي على رأس المدن الكبرى ،لقياس مدى تأثيرها في تعزيز رصيد الحزب،
وزيادة حظوظه في نتائج الإنتخابات التشريعية، ومن ثم الظفر بولاية جديدة على رأس
الحكومة.
×باحث في العلوم السياسية