-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

الاسم.. وإغراء الكثرة سعيد منتسب

«أنا هذه المسافة بيني وبين نفسي»؛ هذا ما انتهى إليه بيسوا وهو يخلع عنه اسمه، وينثر على نصوصه أسماء كثيرة، ويخترع كيانات أخرى ليملأ وجوده الشعري.

لم يكن بيسوا، في العمق، يبحث سوى عن حريته التي وجدها في القسوة على هويته، وفي الاختباء غير السعيد خلف المسافة الجمالية التي يصنعها التماس بين الحقيقة والمجاز، بين المفرد والمتعدد، بين الذات المتطلبة والموضوع المتمدد، بين الأعزل والغزير، بين الأدب والأديب.
ولعل هذا ما انتبه إليه ميلان كونديرا حين قال: «أحلم بعالم يصبح فيه الكتاب مجبرين على الاحتفاظ سرا بهويتهم وأن يخفوا أسماءهم بأسماء مستعارة»، أي أن يقيم الكاتب في ذلك المكان الذي لا يسمح له باستعراض القوة، كما يتيح للقارئ أن يتلقى النص خارج «الإرغام الأتوبيوغرافي» أو ما يسميه كونديرا نفسه «فرض الذات على الآخرين». غير أن السؤال يظل هو: هل بالإمكان أن يستبعد الأدب أي تماه عنيد مع السياسة والدين والإيديولوجيا والأخلاق، وتحديدا مع الأتوبوغرافيا؟ وهل بإمكانه أن يغري صانعه بالابتعاد الواعي والاختياري عن الاستعراض؟
لقد أصبحت الكتابة في عالم الافتراض قابلة للمسرحة، وقابلة للإرباك والتشويش و»الاحتيال» على الحواس.. وبالتالي أصبحت لها قوة «جذب واقتحام» لا يمكن إيقاف تأثيراتها على ما نسميه (تجاوزا) عالم الواقع. ليس هناك نبع ماء، هناك ألوان ملتصقة ببعضها كيفما اتفق، تتعرى بغنج ووقاحة وتطلب صداقتنا خارج الوصفة الانسانية التي نعرفها، وهذا يجعل إغراء الاستعراض أقوى، مما يضع الحرية التي يتيحها التخفي وراء الأسماء المستعارة موضع تساؤل.
يخبرنا التاريخ أن استعارة الأسماء موضة قديمة، وأنها إفراز لعوامل سيكولوجية واجتماعية، وأحيانا سياسية. وهذه العوامل، في الأصل، تنطلق من المسمى وترتد إليه، تأسيسا على السؤال التالي: ما طبيعة علاقة المسمى بالاسم الذي لم يختره، بل وجده في «الحقيبة الإلزامية» التي ولدت معه؟ وهل ينظر إليه كقدر محتوم لا فكاك له منه، أم أنه يحاول أن يجيب عبر «الاسم المستعار» عن هذه العلاقة الباردة بينه وبين الاسم الذي دُمغ به قسرا؟ وبمعنى آخر، هل وراء الاسم «ولادة أخرى» و»تعميد» آخر يعيه الكاتب ويؤطره بما يجعله قادرا على «الشهادة الحرة»؟
إن «الاسم الرسمي» ميراث عائلي وفرحة أبوية، غير أننا قد نحمله أحيانا على مضض كإعاقة خارج إرادتنا. ولهذا يأتي الاسم المستعار، في الغالب، وكأنه احتجاج على ما في التسمية الأولى من قسر، وما فيها من قدرية. لكن ماذا لو كان هذا الاسم موقفا من الكتابة نفسها، ومراجعة لزاوية النظر التي ينظر بها الكاتب إلى نفسه؟
ولعل هذا ما انتبه إليه أنطونيو تابوكي الذي ذهب إلى أن بورخيس «بكشفه لمفارقات الحياة، وتوسيعه لمدارات الأدب، كان يعني أن الأديب هو قبل كل شيء، بطل يختلق ذاته. وإذا كان لنا أن نجاري ألاعيبه اللغوية، وبالتالي أن نقع في المفارقة ذاتها، لقلنا: إن بورخيس بطل روائي اختلقه شخص يحمل الاسم نفسه، ولد في اليوم نفسه، ومات في اليوم ذاته، أعني الشخص ذاك الطالع من بطون صفحات كتبه وقصصه وأشعاره».
إن الاستعارة هنا ليست احتجاجا على اسم موروث، بل هي «وقوف لعبي أمام المرايا» يدخله الكاتب والقارئ معا ليضيعا الحدود، كنوع من المقاومة والتحدي الخلَّاقَيْن. وهكذا يصبح بورخيس، حسب ما كتبت عنه مجلة (كابيلدو) « ممثلا إيطاليا تعيس من الدرجة الرابعة»، كما يصبح فوكنر «رجلا مفسوخا»، «محذوفا من التاريخ،» «لا يترك أثرا خلفه،» «لا شيء سوى الكتب المطبوعة»»، كما كان يتمنى هو ذاته.
إن الاسم المستعار هنا يحمل ذلك الوعي العميق بإبطال ما يمكن أن تخربه الأوتوبيوغرافيا، أي إزاحة الإضاءة السلبية الذي تتيحها المذكرات والرسائل والمقابلات الصحافية. فالكاتب ينبغي أن يكون «لاأحد» في مواجهة القراء المجهولين، ولن تتحقق الندية إلا في هذا المستوى.. أي في مستوى الافتراض بمعناه الفلسفي.

http://alittihad.press.ma/ail.asp?codelangue=29&id_info=222996

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا